66 - (فلما جاء أمرنا) بإهلاكهم (نجينا صالحاً والذين آمنوا معه) وهم أربعة آلاف (برحمة منا) ونجيناهم (ومن خزي يومئذ) بكسر الميم إعرابا وفتحها بناء لإضافته إلى مبني وهو الأكثر (إن ربك هو القوي العزيز) الغالب
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فلما جاء ثمود عذابنا ، "نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا" ، يقول : بنعمة وفضل من الله ، "ومن خزي يومئذ" ، يقول : ونجيناهم من هوان ذلك اليوم ، وذلة بذلك العذاب ، "إن ربك هو القوي" ، في بطشه ، إذا بطش بشيء أهلكه ،كما أهلك ثمود حين بطش بها ، "العزيز" ، فلا يغلبه غالب ، ولا يقهره قاهر ، بل يغلب كل شيء ويقهره .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : "برحمة منا ومن خزي يومئذ" ، قال : نجاه الله برحمة منه ، ونجاه من خزي يومئذ .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ،عن أبي بكر بن عبد الله ، عن شهر بن حوشب ، عن عمرو بن خارجة قال :قلنا له : حدثنا حديث ثمود ! قال : أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمود : كانت ثمود قوم صالح ، أعمرهم الله في الدنيا فأطال أعمارهم ، حتى جعل أحدهم يبني المسكن من المدر فينهدم ، والرجل منهم حي . فلما رأوا ذلك ، اتخذوا من الجبال بيوتاً فرهين ، فنحتوها وجابوها وجوفوها . وكانوا في سعة من معايشهم . فقالوا : يا صالح ، ادع لنا ربك يخرج لنا آية نعلم أنك رسول الله ! فدعا صالح ربه ، فأخرج لهم الناقة ، فكان شربها يوماً ، وشربهم يوماً معلوما . فإذا كان يوم شربها خلوا عنها وعن الماء ، وحلبوها لبناً ملأوا كل إناء ووعاء وسقاء . حتى إذا كان يوم شربهم صرفوها عن الماء ولم تشرب منه شيئاً ، فملأوا كل إناء ووعاء وسقاء . فأوحى الله إلى صالح : إن قومك سيعقرون ناقتك ! فقال لهم ، فقالوا : ما كنا لنفعل ! فقال : إلا تعقروها أنتم ، يوشك أن يولد فيكم مولود يعقرها . قالوا : ما علامة ذلك المولود ، فوالله لا نجده إلا قتلناه ! قال : فإنه غلام أشقر ، أزرق ، أصهب ، لا يجد لها كفؤاً ، فجمع بينهما مجلس ، فقال أحدهما لصاحبه : ما يمنعك أن تزوج ابنك؟ قال : لا أجد له كفؤاً . قال : فإن ابنتي كفؤ له ، وأنا أزوجك . فزوجه ، فولد بينهما ذلك المولود . وكان في المدينة ثمانية رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، فلما قال لهم صالح : إنما يعقرها مولود فيكم ، اختاروا ثماني نسوة قوابل من القرية ، وجعلوا معهم شرطاً ، كانوا يطوفون في القرية ، فإذا وجدوا المرأة تمخض نظروا ما ولدها ، إن كان غلاماً قلبنه فنظرن ما هو ،وإن كانت جارية أعرضن عنها . فلما وجدوا ذلك المولود صرخ النسوة وقلن : هذا الذي يريد رسول الله صالح ! فأراد الشرط أن يأخذوه ، فحال جداه بينهم وبينه ، وقالا : لو أن صالحاً أراد هذا قتلناه ! فكان شر مولود ، وكان يشب في اليوم شباب غيره في الجمعة ،ويشب في الجمعة شباب غيره في الشهر ،ويشب في الشهر شباب غيره في السنة . فاجتمع الثمانية الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، وفيهم الشيخان ، فقالوا : استعمل علينا هذا الغلام ، لمنزلته وشرف جديه ، فكانوا تسعة . وكان صالح لا ينام معهم في القرية ، كان في مسجد يقال له مسجد صالح ، فيه يبيت بالليل ، فإذا أصبح أتاهم فوعظهم وذكرهم ، وإذا أمسى خرج إلى مسجده فبات فيه .
قال حجاج : وقال ابن جريج :لما قال لهم صالح : إنه سيولد غلام يكون هلاككم على يديه ، قالوا : فكيف تأمرنا ؟ قال : آمركم بقتلهم ! فقتلوهم إلا واحداً .قال : قلما بلغ ذلك المولود ، قالوا : لو كنا لم نقتل أولادنا لكان لكل رجل منا مثل هذا . هذا عمل صالح ! فائتمروا بينهم بقتله ، وقالوا : نخرج مسافرين والناس يروننا علانيةً ، ثم نرجع من ليلة كذا من شهر كذا وكذا ، فنرصده عند مصلاه فنقتله ، فلا يحسب الناس إلا أنا مسافرون ، كما نحن ! فأقبلوا حتى دخلوا تحت صخرة يرصدونه ، فأرسل الله عليهم الصخرة فرضختهم ، فأصبحوا رضخاً . فانطلق رجال ممن قد اطلع على ذلك منهم ، فإذا هم رضخ ، فرجعوا يصيحون في القرية : أي عباد الله ، أما رضي صالح أن أمرهم أن يقتلوا أولادهم حتى قتلهم ! فاجتمع أهل القرية على قتل الناقة أجمعون ، وأحجموا عنها إلا ذلك ابن العاشر .
ثم رجع الحديث إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : وأرادوا أن يمكروا بصالح ، فمشوا حتى أتوا على سرب على طريق صالح ، فاختبأ فيه ثمانية ، وقالوا : إذا خرج علينا قتلناه ، وأتينا أهله ، فبيتناهم ! فأمر الله الأرض فاستوت عنهم . قال : فاجتمعوا ومشوا إلى الناقة وهي على حوضها قائمة ، فقال الشقي لأحدهم : ائتها فاعقرها ! فأتاها ، فتعاظمه ذلك ، فأضرب عن ذلك . فبعث آخر ، فأعظم ذلك . فجعل لا يبعث رجلاً إلا تعاظمه أمرها ، حتى مشو إليها ، وتطاول فضرب عرقوبيها ، فوقعت تركض . وأتى رجل منهم صالحاً فقال : أدرك الناقة فقد عقرت ! فأقبل ، وخرجوا يتلقونه ويعتذورن إليه : يا نبي الله ، إنما عقرها فلان ، إنه لا ذنب لنا ! قال : فانظروا ، هل تدركون فصيلها ؟ فإن أدركتموه فعسى الله أن يرفع عنكم العذاب ! فخرجوا يطلبونه ، ولما رأى الفصيل أمه تضطرب ،أتى جبلاً يقال له القارة ، قصيراً . فصعد ، وذهبوا ليأخذوه ، فأوحى الله إلى الجبل فطال في السماء ،حتى ما تناله الطير . قال : ودخل صالح القرية ، فما رآه الفصيل بكى حتى سالت دموعه ، ثم استقبل صالحاً فرغا رغوةً ، ثم رغا أخرى ، ثم رغا أخرى ، فقال صالح لقومه : لكل رغوة أجل يوم ، "تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب" ، ألا إن آية العذاب أن اليوم الأول تصبح وجوهكم مصفرة ، واليوم الثاني محمرة ، واليوم الثالث مسودة . فلما أصبحوا فإذا وجوههم كأنها طليت بالخلوق ، صغيرهم وكبيرهم ، ذكرهم وأنثاهم . فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم : ألا قد مضى يوم من الأجل ، وحضركم العذاب ! فلما أصبحوا اليوم الثاني ، إذا وجوههم محمرة ، كأنها خضبت بالدماء ، فصاحوا وضجوا وبكوا ، وعرفوا آية العذاب ، فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم : ألا قد مضى يومان من الأجل ، وحضركم العذاب ! فلما أصبحوا اليوم الثالث ، فإذا وجوههم مسودة ، كأنها طليت بالقار ، فصاحوا جميعاً : ألا قد حضركم العذاب ، فتكفنوا وتحطنوا . وكان حنوطهم الصبر والمقر ، وكانت أكفانهم الأنطاع ، ثم ألقوا أنفسهم إلى الأرض ، فجعلوا يقلبون أبصارهم ، فينظرون إلى السماء مرة ، وإلى الأرض مرة ، فلا يدرون من حيث يأتيهم العذاب ، من فوقهم من السماء ، أو من تحت أرجلهم من الأرض ، جشعاً وفرقاً . فلما أصبحوا اليوم الرابع ، أتتهم صيحة من السماء ، فيها صوت كل صاعقة ، وصوت كل شيء له صوت في الأرض ، فتقطعت قلوبهم في صدورهم ، فأصبحوا في دارهم جاثمين .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : حدثت أنه لما أخذتهم الصيحة ، أهلك الله من بين المشارق والمغارب منهم ، إلا رجلاً واحداً كان في حرم الله ، منعه حرم الله من عذاب الله . قيل : ومن هو ، يا رسول الله ؟ قال قال : ابو رغال . "وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين أتى على قرية ثمود ، لأصحابه : لا يدخلن أحد منكم القرية ، ولا تشربوا من مائهم " . وأراهم مرتقى الفصيل حين ارتقى في القارة .
قال ابن جريج : وأخبرني موسى بن عقبة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر :"أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أتى على قرية ثمود قال : لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم ، أن يصيبكم ما أصابهم" .
قال ابن جريج ، قال جابر بن عبد الله : "إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى على الحجر ، حمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد ، فلا تسألوا رسولكم الآيات ، هؤلاء قوم صالح سألوا رسولهم الآية ، فبعث لهم الناقة ، فكانت ترد من هذا الفج ، وتصدر من هذا الفج ، فتشرب ماءهم يوم ورودها" .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : "ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لما مر بوادي ثمود وهو عامد إلى تبوك ، قال : فأمر أصحابه أن يسرعوا السير ، وأن لا ينزلوا به ، ولا يشربوا من مائه ، وأخبرهم أنه واد ملعون . قال : وذكر لنا أن الرجل الموسر من قوم صالح كان يعطي المعسر منهم ما يتكفنون به ، وكان الرجل منهم يلحد لنفسه ولأهل بيته ، لميعاد نبي الله صالح الذي وعدهم . وحدث من رآهم بالطرق والأفنية والبيوت ، فيهم شبان وشيوخ ، أبقاهم الله عبرة وآية" .
حدثنا إسماعيل بن المتوكل الأشجعي من أهل حمص قال ، حدثنا محمد بن كثير قال ، حدثنا عبد الله بن واقد ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم قال ، حدثنا أبو الطفيل قال : "لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزاة تبوك ، نزل الحجر . فقال : يا أيها الناس ، لا تسألوا نبيكم الآيات ، هؤلاء قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث لهم آية ، فبعث الله لهم الناقة آية ، فكانت تلج عليهم يوم وردها من هذا الفج ، فتشرب ماءهم ، ويوم وردهم كانوا يتزودون منه ، ثم يحلبونها مثل ما كانوا يتزودون من مائهم قبل ذلك لبناً ، ثم تخرج من ذلك الفج . فعتوا عن أمر ربهم وعقروها ، فوعدهم الله العذاب بعد ثلاثة أيام ، وكان وعداً من الله غير مكذوب ، فأهلك الله من كان منهم في مشارق الأرض ومغاربها إلا رجلاً واحداً ، كان في حرم الله ، فمنعه حرم الله من عذاب الله . قالوا : ومن ذلك الرجل يا رسول الله ؟ قال : أبو رغال" .
قوله تعالى: " فلما جاء أمرنا " أي عذابنا. " نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا " تقدم. " ومن خزي يومئذ " أي ونجيناهم من خزي يومئذ، أي من فضيحته وذلته. وقيل: الواو زائدة، أي نجيناهم من خزي يومئذ. ولا يجوز زيادتها عند سيبويه وأهل البصرة، وعند الكوفيين يجوز زيادتها مع ( لما) و ( حتى) لا غير. وقرأ نافع و الكسائي ( يومئذ) بالنصب. الباقون بالكسر على إضافة ( يوم) إلى ( إذ). وقال أبو حاتم: حدثنا أبو زيد عن أبي عمرو أنه قرأ ( ومن خزي يومئذ) أدغم الياء في الياء، وأضاف، وكسر الميم في ( يومئذ). قال النحاس : الذي يرويه النحويون - مثل سيبويه ومن قاربه عن أبي عمرو في مثل هذا - الإخفاء، فأما الإدغام فلا يجوز، لأنه يلتقي ساكنان، ولا يجوز كسر الزاي.
تقدم الكلام على هذه القصة مستوفى في سورة الأعراف بما أغنى عن إعادته ههنا وبالله التوفيق.
66- "فلما جاء أمرنا" أي عذابنا، أو أمرنا بوقوع العذاب "نجينا صالحاً والذين آمنوا معه برحمة منا" قد تقدم تفسير هذا في قصة هود "ومن خزي يومئذ" أي ونجيناهم من خزي يومئذ وهو هلاكهم بالصيحة، والخزي: الذل والمهانة، وقيل من عذاب يوم القيامة، والأول أولى. وقرأ نافع والكسائي بفتح يوم على أنه اكتسب البناء من المضاف إليه. وقرأ الباقون بالكسر "إن ربك هو القوي العزيز" القادر الغالب الذي لا يعجزه شيء.
66- قوله تعالى: "فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا"، بنعمة منا، "ومن خزي يومئذ"، أي: من عذابه وهوانه. قرأ أبو جعفر ونافع والكسائي: خزي يومئذ وعذاب يومئذ بفتح الميم. وقرأ الباقون بالكسر. "إن ربك هو القوي العزيز".
66." فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ "أي ونجيناهم من خزي يومئذ وهو هلاكهم بالصيحة أو ذلهم وفضيحتهم يوم القيامة.وعننافع"يومئذ"بالفتح على اكتساب المضاف البناء من المضاف إليه هنا وفي المعارج في قوله:"من عذاب يومئذ""إن ربك هو القوي العزيز"القادر على كل شيء والغالب عليه.
66. So, when Our commandment came to pass, We saved Salih, and those who believed with him, by a mercy from Us, from the ignominy of that day. Lo, thy Lord! He is the Strong, the Mighty.
66 - When our decree issued, we saved Salih and those who believed with him, by (special) grace from ourselves and from the ignominy of that day. for thy Lord he is the strong one, and able to enforce his will.