66 - (قد كانت آياتي) من القرآن (تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون) ترجعون القهقرى
يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين من قريش : لا تضجوا اليوم وقد نزل بكم سخط الله وعذابه ، بما كسبت أيديكم ، واستوجبتموه بكفركم بآيات ربكم " قد كانت آياتي تتلى عليكم " يعني : آيات كتاب الله ، يقول : كانت آيات كتابي تقرأ عليكم ، فتكذبون بها ، ترجعون مولين عنها إذا سمعتموها كراهية منكم لسماعها . وكذلك يقال لكل من رجع من حيث جاء : نكص فلان على عقبة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ،قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد " فكنتم على أعقابكم تنكصون " قال : تستأخرون .
حدثني علي، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " فكنتم على أعقابكم تنكصون " يقول تدبرون .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون " يعني أهل مكة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله " تنكصون " قال : تستأخرون .
وقوله " مستكبرين به " يقول : مستكبرين بحم الله ، يقولون ، : لا يظهر علينا فيه أحد ، لأنا أهل الحرم .
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله " مستكبرين به " يقول : مستكبرين بحرم البيت أنه لا يظهر علينا فيه أحد .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله " مستكبرين به " قال : بمكة بالبلد .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد نحوه .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا هوذة ، قال : ثنا عوف ، عن الحسن " مستكبرين به " قال : مستكبرين بحرمي .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، عن سفيان ، عن حصين ، عن سعيد بن جبير ، في قوله " مستكبرين به " بالحرم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " مستكبرين به " قال : مستكبرين بالحرم .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " مستكبرين به " قال : بالحرم .
وقوله : " سامرا " يقول : تسمرون بالليل ، ووحد قوله " سامرا " وهو بمعنى السمار ، لأنه وضع موضع الوقت . ومعنى الكلام : وتهجرون ليلا ، فوضع السامر موضع الليل ، فوحد لذلك . وقد كان بعض البصريين يقول : وحد ومعناه الجمع ، كما قيل : طفل في موضع أطفال ، ومما يبين عن صحة ما قلنا في أنه وضع موضع الوقت ، فوحد لذلك ، قول الشاعر :
من دونهم إن جئتهم سمرا عزف القيان ومجلس غمر
فقال : سمرا لأن معناه : إن جئتهم ليلا وهم يسمرون ، وكذلك قوله " سامرا " .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " سامرا " يقول : يسمرون حول البيت .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " سامرا " قال : مجلسا بالليل .
حدثني القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد " سامرا " قال : مجالس .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا سفيان ، عن حصين ، عن سعيد بن جبير " سامرا " قال : تسمرون بالليل .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " سامرا " قال : كانوا يسمرون ليلتهم ويلعبون : بتكلمون بالشعر والكهانة وبما لا يدرون .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " سامرا " قال :يعني سمر الليل .
وقال بعضهم في ذلك ما :
حدثنا به ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " سامرا " يقول : سامرا من أهل الحرم ، آمنا لا يخاف ، كانوا يقولون : نحن أهل الحرم ، لا يخافون .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة " سامرا " يقول : سامرا من أهل مكة آمنا لا يخاف ، قال : كانوا يقولون : نحن أهل الحرم لا نخاف .
وقوله " تهجرون " اختلفت القراء في قراءاته ، فقرأته عامة الأمصار " تهجرون " مفتح التاء وضم الجيم . ولقراءة من قرأ ذلك كذلك وجهان من المعنى : أحدهما أن يكون عنى أنه وصفهم بالإعراض عن القرآن أو البيت ، أو رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفضه . والآخر : أن يكون عنى أنهم يقولون شيئا من القول كما يهجر الرجل في منامه ، وذلك إذا هدى ، فكأنه وصفهم بأنهم يقولون في القرآن ، ما لا معنى له من القول ، وذلك أن يقولوا فيه باطلا من القول الذي لا يضره ، وقد جاء بكلا القولين التأويل من أهل التأويل .
ذكر من قال : كانوا يعرضون عن ذكر الله والحق ويهجرونه .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ن قال :ثني أبي ، عن ابيه ، عن ابن عباس ، قوله " تهجرون " قال : يهجرون ذكر الله والحق .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الصمد ، قال : ثنا شعبة ، عن السدي ، عن أبي صالح ، في قوله " سامرا تهجرون " قال : السب .
ذكر من قال : كانوا يقولون الباطل والسيء من القول في القرآن .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا سفيان ، عن حصين ، عن سعيد بن جبير " تهجرون " قال : يهجرون في الباطل .
قال : ثنا يحيى ، عن سفيان ، عن حصين ، عن سعيد بن جبير " سامرا تهجرون " قال : يسمرون بالليل يخوضون في الباطل .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " تهجرون " قال : بالقول السيء في القرآن .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " تهجرون " قال : الهذيان الذي يتكلم بما لا يريد ولا يعقل ، كالمريض الذي يتكلم بما لا يدري ، قال : كان أبي يقرؤها " سامرا تهجرون " .
وقرأ ذلك آخرون سامرا تهجرون بضم التاء وكسر الجيم ، وممن قرأ ذلك كذلك من قراء الأمصار : نافع بن أبي نعيم ، بمعنى : يفحشون في المنطق ، ويقولون الخنا ، من قولهم : أهجر الرجل : إذا أفحش في القول ، وذكر أنهم كانوا يسبون رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس تهجرون قال : تقولون هجرا .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا عبد المؤمن ، عن أبي نهيك ، عن عكرمة أنه قرأ سامرا تهجرون : أي تسبون .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا هوذة ، قال : ثنا عون ، عن الحسن ، في قوله سامرا تهجرون رسولي .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : قال الحسن تهجرون رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة تهجرون يقول : يقولون سوءا .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، قال : قال الحسن تهجرون كتاب الله ورسوله .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله تهجرون يقول : يقولون المنكر والخنا من القول ، كذلك هجر القول .
وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا : القراءة التي عليها قراء الأمصار ، وهي فتح التاء ، وضم الجيم ، لإجماع الحجة من القراء .
قوله تعالى: " قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون " الآيات يريد بها القرآن. " تتلى عليكم " أي تقرأ. قال الضحاك : قبل أن تعذبوا بالقتل و " تنكصون " ترجعون وراءكم. مجاهد : تستأخرون، وأصله أن ترجع القهقرى. قال الشاعر:
زعموا بأنهم على سب النجا ة وإنما نكص على الأعقاب
وهو هنا استعارة للإعراض عن الحق. وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه " على أدباركم " بدل " على أعقابكم "، " تنكصون " بضم الكاف.
يقول تعالى مخبراً عن عدله في شرعه على عباده في الدنيا أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها, أي إلا ما تطيق حمله والقيام به, وأنه يوم القيامة يحاسبهم بأعمالهم التي كتبها عليهم في كتاب مسطور لا يضيع منه شيء, ولهذا قال: "ولدينا كتاب ينطق بالحق" يعني كتاب الأعمال, "وهم لا يظلمون" أي لا يبخسون من الخير شيئاً, وأما السيئات فيعفو ويصفح عن كثير منها لعباده المؤمنين, ثم قال منكراً على الكفار والمشركين من قريش: "بل قلوبهم في غمرة" أي في غفلة وضلالة "من هذا", أي القرآن الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: "ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون" قال الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس "ولهم أعمال" أي سيئة من دون ذلك يعني الشرك "هم لها عاملون" قال: لا بد أن يعملوها, كذا روي عن مجاهد والحسن وغير واحد. وقال آخرون "ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون" أي قد كتبت عليهم أعمال سيئة لا بد أن يعملوها قبل موتهم لا محالة, لتحق عليهم كلمة العذاب, وروي نحو هذا عن مقاتل بن حيان والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم , وهو ظاهر قوي حسن, وقد قدمنا في حديث ابن مسعود : " فو الذي لا إله غيره إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع, فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها".
وقوله: "حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون" يعني حتى إذا جاء مترفيهم وهم المنعمون في الدنيا عذاب الله وبأسه ونقمته بهم "إذا هم يجأرون" أي يصرخون ويستغيثون كما قال تعالى: " وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا * إن لدينا أنكالا وجحيما " الاية, وقال تعالى: " كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص ". وقوله "لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون" أي لا يجيركم أحد مما حل بكم سواء جأرتم أو سكتم لا محيد ولا مناص ولا وزر لزم الأمر ووجب العذاب, ثم ذكر أكبر ذنوبهم فقال: "قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون" أي إذا دعيتم أبيتم وإن طلبتم امتنعتم "ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير".
وقوله: "مستكبرين به سامراً تهجرون" في تفسيره قولان. (أحدهما) أن مستكبرين حال منهم حين نكوصهم عن الحق وإبائهم إياه استكباراً عليه, واحتقاراً له ولأهله, فعلى هذا الضمير في به فيه ثلاثة أقوال (أحدها) أنه الحرم أي مكة, ذموا لأنهم كانوا يسمرون فيه بالهجر من الكلام. (والثاني) أنه ضمير للقرآن كانوا يسمرون ويذكرون القرآن بالهجر من الكلام: إنه سحر, إنه شعر, إنه كهانة, إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة. (والثالث) أنه محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يذكرونه في سمرهم بالأقوال الفاسدة, ويضربون له الأمثال الباطلة, من أنه شاعر أو كاهن أو ساحر أو كذاب أو مجنون, فكل ذلك باطل, بل هو عبد الله ورسوله الذي أظهره الله عليهم وأخرجهم من الحرم صاغرين أذلاء. وقيل المراد بقوله: "مستكبرين به" أي بالبيت يفتخرون به ويعتقدون أنهم أولياؤه وليسوا به, كما قال النسائي من التفسير في سننه: أخبرنا أحمد بن سليمان , أخبرنا عبد الله عن إسرائيل عن عبد الأعلى أنه سمع سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس أنه قال: إنما كره السمر حين نزلت هذه الاية "مستكبرين به سامراً تهجرون" فقال: مستكبرين بالبيت, يقولون: نحن أهله سامراً قال: كانوا يتكبرون ويسمرون فيه ولا يعمرونه ويهجرونه, وقد أطنب ابن أبي حاتم ههنا بما هذا حاصله.
ثم عدد سبحانه عليهم قبائحهم توبيخاً لهم فقال: 66- "قد كانت آياتي تتلى عليكم" أي في الدنيا، وهي آيات القرآن "فكنتم على أعقابكم تنكصون" أي ترجعون وراءكم، وأصل النكوص أن يرجع القهقرى، ومنه قول الشاعر:
زعموا أنهم على سبيل الحق وأنا نكص على الأعقاب
وهو هنا استعارة للإعراض عن الحق، وقرأ علي بن أبي طالب على أدباركم بدل "على أعقابكم تنكصون" بضم الكاف، وعلى أعقابكم متعلق بتنكصون، أو متعلق بمحذوف وقع حالاً من فاعل تنكصون.
66. " قد كانت آياتي تتلى عليكم "، يعني القرآن، " فكنتم على أعقابكم تنكصون " ترجعون القهقرى تتأخرون عن الإيمان.
66ـ " قد كانت آياتي تتلى عليكم " يعني القرآن . " فكنتم على أعقابكم تنكصون " تعرضون مدبرين عن سماعها وتصديقها والعمل بها ، والنكوص الرجوع قهقرى .
66. My revelations were recited unto you, but ye used to turn back on your heels,
66 - My Signs used to be rehearsed to you, but ye used to turn back on your heels