69 - (ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى) بإسحاق ويعقوب بعده (قالوا سلاماً) مصدر (قال سلام) عليكم (فما لبث أن جاء بعجل حنيذ) مشوي
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : "ولقد جاءت رسلنا" ، من الملائكة ، وهم فيما ذكر ، كانوا جبريل وملكين آخرين ، وقيل : إن المالكين الآخرين كانا ميكائيل وإسرافيل معه ، "إبراهيم" ، يعني : إبراهيم خليل الله ، "بالبشرى" ، يعني : بالبشارة .
واختلفوا في تلك البشارة التي أتوه بها .
فقال بعضهم : هي البشارة بإسحاق .
وقال بعضهم : هي البشارة بهلاك قوم لوط .
"قالوا سلاما" ، يقول : فسلموا عليه سلاماً .
ونصب "سلاما" بإعمال "قالوا" فيه ، كأنه قيل :قالوا قولاً وسلموا تسليماً .
"قال سلام" ، يقول :قال إبراهيم لهم : سلام ، فرفع "سلام" ، بمعنى : عليكم السلام ، أو بمعنى : سلام منكم .
وقد ذكر عن العرب أنها تقول : سلم بمعنى السلام ، كما قالوا : حل ، وحلال ، حرم وحرام . وذكر الفراء ، أن بعض العرب أنشده :
مررنا فقلنا : إيه سلم فسلمت كما اكتل بالبرق الغمام اللوائح
بمعنى : سلام ، وقد روي : كما انكل .
وقد زعم بعضهم أن معناه إذا قرىء كذلك : نحن سلم لكم ، من المسالمة ، التي هي خلاف المحاربة .
وهذه قراءة عامة قرأة الكوفيين .
وقرأ ذلك عامة قرأة الحجاز والبصرة : "قالوا سلاما قال سلام" ، على أن الجوب من إبراهيم صلى الله عليه وسلم لهم بنحو تسليمهم : عليكم السلام .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان متقاربتا المعنى ، لأن السلم قد يكون بمعنى السلام على ما وصفت ، و السلام بمعنى السلم ، لأن التسليم لا يكاد يكون إلا بين أهل السلم دون الأعداء ، فإذا ذكر تسليم من قوم على قوم ، ورد الآخرين عليهم ، دل ذلك على مسالمة بعضهم بعضاً . وهما مع ذلك قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما أهل قدوة في القراءة ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب .
وقوله : "فما لبث أن جاء بعجل حنيذ" .
وأصله محنوذ ، صرف من مفعول إلى فعيل .
وقد اختلف أهل العربية في معناه .
فقال بعض أهل البصرة منهم : معنى المحنوذ ، المشوي . قال : ويقال منه : حنذت فرسي ، بمعنى : سخنته وعرقته ، واستشهد لقوله ذلك ببيت الراجز :
ورهبا من حنذه أن يهرجا
وقال آخر منهم : حنذ فرسه ، أي أضمره . وقال قالوا : حنذه يحنذه حنذاً ، أي : عرقه .
وقال بعض أهل الكوفة : كل ما انشوى في الأرض ، إذا خددت له فيه ، فدفنته وغممته ، فهو الحنيذ و المحنوذ . قال : والخيل تحنذ ، إذا ألقيت عليها الجلال بعضها على بعض لتعرق . قال : ويقال : إذا سقيت فأحنذ ، يعني : أخفس ، يريد : اقل الماء ، وأكثر النبيذ .
وأما أهل التأويل ، فإنهم قالوا في معناه ما أنا ذاكره ، وذلك ما :
حدثني به المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ،عن ابن عباس قوله : "بعجل حنيذ" ، يقول : نضيج .
حدثني المثنى قال ، حدثنا ابو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "بعجل حنيذ" ، قال : "بعجل" ،حسيل البقر ، و الحنيذ ، المشوي النضيح .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : "ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى" إلى "بعجل حنيذ" ، قال : نضيج ، سحن ، أنضج بالحجارة .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : "فما لبث أن جاء بعجل حنيذ" ، و الحنيذ ، النضيج .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : "بعجل حنيذ" ، قال : نضيج . قال : وقال الكلبي : و الحنيذ ، الذي يحنذ في الأرض .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يعقوب القمي ، عن حفص بن حميد ، عن شمر في قوله : فجاء بعجل حنيذ ، قال : الحنيذ الذي يقطر ماء ،وقد شوي ، وقال حفص : الحنيذ ، مثل حناذ الخيل .
حدثني موسى بن هرون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي ، قال : ذبحه ثم شواه في الرضف ، فهو الحنيذ حين شواه .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو زيد ، عن يعقوب ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية : فجاء بعجل حنيذ ، قال : المشوي الذي يقطر .
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا هشام قال ، حدثنا يعقوب ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية قال : الحنيذ ، الذي يقطر ماؤه ، وقد شوي .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : "بعجل حنيذ" ، قال : نضيج .
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : "بعجل حنيذ" ، الذي أنضج بالحجارة .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان : "فما لبث أن جاء بعجل حنيذ" ، قال : مشوي .
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال ، حدثني عبد الصمد : أنه سمع وهب بن منبه يقول : "حنيذ" ، يعني : شوي .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : الحناذ ، الإنضاج .
قال أبو جعفر : وهذه الأقوال التي ذكرناها عن أهل العربية وأهل التفسير ، متقاربات المعاني بعضها من بعض .
وموضع أن في قوله : "أن جاء بعجل حنيذ" ، نصب بقوله : "فما لبث أن جاء" .
قوله تعالى: " ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى " هذه قصة لوط عليه السلام، وهو ابن عم إبراهيم عليه السلام لحاً، وكانت قرى لوط بنواحي الشام، وإبراهيم ببلاد فلسطين، فلما أنزل الله الملائكة بعذاب قوم لوط مروا بإبراهيم ونزلوا عنده، وكان كل من نزل عنده يحسن قراه، وكانوا مروا ببشارة إبراهيم، فظنهم أضيافاً. وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام، قاله ابن عباس. الضحاك : كانوا تسعة. السدي : أحد عشر ملكاً على صورة الغلمان الحسان الوجوه، ذوو وضاءة وجمال بارع. ( بالبشرى) قيل: بالولد. وقيل: بإهلاك قوم لوط. وقيل: بشروه بأنهم رسل الله عز وجل، وأنه لا خوف عليه. " قالوا سلاما " نصب بوقوع الفعل عليه، كما تقول: قالوا خيراً. وهذا اختيار الطبري . وأما قوله: " سيقولون ثلاثة " ( الكهف: 22) فالثلاثة اسم غير ( قول) مقول. ولو رفعا جميعاً أونصبا جميعاً " قالوا سلاما قال سلام " جاز في العربية. وقيل: انتصب على المصدر. وقيل: ( قالوا سلاماً) أي فاتحوه بصواب من القول. كما قال: " وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " ( الفرقان: 63) أي صواباً، فسلاماً معنى قلوهم لا لفظه، قال معناه ابن العربي واختاره. قال: ألا ترى أن الله تعالى لما أراد ذكر اللفظ قاله بعينه فقال مخبراً عن الملائكة: " سلام عليكم بما صبرتم " ( الرعد: 24) " سلام عليكم طبتم " ( الزمر: 73). وقيل: دعوا له، والمعنى سلمت سلاماً. " قال سلام " في رفعه وجهان: أحدهما: على إضمار مبتدأ أي هو سلام، وأمري سلام. والآخر بمعنى سلام عليكم إذا جعل بمعنى التحية، فأضمر الخبر. وجاز سلام على التنكير لكثرة استعماله، فحذف الألف واللام كما حذفت من لا هم في قولك اللهم. وقريء ( سلم) قال الفراء: السلم والسلام بمعنى، مثل الحل والحلال.
قوله تعالى: " فما لبث أن جاء بعجل حنيذ " فيه أربع عشرة مسألة:
الأولى: قوله تعالى: " فما لبث أن جاء " ( أن) بمعنى حتى، قاله كبراء النحويين، حكاه ابن العربي : التقدير: فما لبث حتى جاء. وقيل: ( أن) في موضع نصب بسقوط حرف الجر، التقدير: فما لبث عن أن جاء، أي ما أبطأ عن مجيئه بعجل، فلما حذف حرف الجر بقي ( أن) في محل النصب. وفي ( لبث) ضمير اسم إبراهيم. و ( ما) نافية، قاله سيبويه . وقال الفراء: فما لبث مجيئه، أي ما أبطأ مجيئه، فأن في موضع رفع، ولا ضمير في ( لبث)، و ( ما) نافية، ويصح أن تكون ( ما) بمعنى الذي، وفي ( لبث) ضمير إبراهيم و ( أن جاء) خبر ( ما) أي فالذي لبث إبراهيم هو مجيئه بعجل حنيذ. و " حنيذ " مشوي. وقيل: هو المشوي بحر الحجارة من غير أن تمسه النار. يقال حنذت الشاة أحنذها حنذاً أي شويتها، وجعلت فوقها حجارة محماة لتنضجها فهي حنيذ. وحنذت الفرس أحنذها حنذاً، وهو أن تحضره شوطاً أو شوطين ثم تظاهر عليه الجلال في الشمس ليعرق، فهو محنوذ وحنيذ، فإن لم يعرق قيل: كبا. وحنذ موضع قريب من المدينة. وقيل: الحنيذ السميط. ابن عباس وغيره: حنيذ نضيج. وحنيذ بمعنى محنوذ، وإنما جاء بعجل لأن البقر كانت أكثر أمواله.
الثانية: في هذه الآية من أدب الضيف أن يعجل قراه، فيقدم الموجود الميسر في الحال، ثم يتبعه بغيره إن كان له جدة، ولا يتكلف ما يضر به. والضيافة من مكارم الأخلاق، ومن آداب الإسلام، ومن خلق النبيين والصالحين. وإبراهيم أول من أضاف على ما تقدم في ( البقرة) وليست بواجبة عند عامة أهل العلم، لقوله صلى الله عليه وسلم: " الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة فما كان وراء ذلك فهو صدقة ". والجائزة العطية والصلة التي أصلها على الندب. وقال صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ". وإكرام الجار ليس بواجب إجماعاً، فالضيافة مثله. والله أعلم. وذهبت الليث إلى وجوبها تمسكاً بقوله صلى الله عليه وسلم: " ليلة الضيف حق " إلى غير ذلك من الأحاديث. وفيما أشرنا إليه كفاية، الله الموافق للهداية. قال ابن العربي : وقد قال قوم: إن وجوب الضيافة كان في صدر الإسلام ثم نسخ، وهذا ضعيف، فإن الوجوب لم يثبت، والناسخ لم يرد، وذكر حديث أبي سعيد الخدري خرجه الأئمة، وفيه: " فاستضفناهم فأبوا أن يضيفونا فلدغ سيد ذلك الحي " الحديث. وقال: هذا ظاهر في أن الضيافة لو كانت حقاً للأم النبي صلى الله عليه وسلم القوم الذين أبوا، ولبين لهم ذلك.
الثالثة: اختلف العلماء فيمن يخاطب بها، فذهب الشافعي ومحمد بن عبد الحكم إلى أن المخاطب بها أهل الحضر والبادية. وقال مالك : ليس على أهل الحضر ضيافة. قال سحنون: إنما الضيافة على أهل القرى، وأما الحضر فالفندق ينزل فيه المسافر حكى اللغتين صاحب العين وغيره. واحتجوا بحديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الضيافة على أهل الوبر وليست على أهل المدر ". وهذا حديث لا يصح، وإبراهيم ابن أخي عبد الرازق متروك الحديث منسوب إلى الكذب، وهذا مما انفرد به، ونسب إلى وضعه، قاله أبو عمر بن عبد البر . قال ابن العربي : الضيافة حقيقة فرض على الكفاية، ومن الناس من قال: إنها واجبة في القرى حيث لا طعام ولا مأوى، بخلاف الحواضر فإنها مشحونة بالمأواة والأقوات، ولا شك أن الضيف كريم، والضيافة كرامة، فإن كان غريباً فهي فريضة.
الرابعة: قال ابن العربي قال بعض علمائنا: كانت ضيافة إبراهيم قليلة فشكرها الحبيب من الحبيب، وهذا حكم بالظن في موضع القطع، وبالقياس في موضع النقل، من أين علم أنه قليل؟! بل قد نقل المفسرون أن الملائكة كانوا ثلاثة، جبريل وميكائيل وإسرافيل صلى الله عليه وسلم، وعجل لثلاثة عظيم، فما هذا التفسير لكتاب الله بالرأي؟! هذا بأمانة الله هو التفسير المذموم فاجتنبوه فقد علمتموه.
يقول تعالى: "ولقد جاءت رسلنا" وهم الملائكة إبراهيم بالبشرى قيل تبشره بإسحاق وقيل بهلاك قوم لوط ويشهد للأول قوله تعالى: "فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط" "قالوا سلاماً قال سلام" أي عليكم قال علماء البيان: هذا أحسن مما حيوه به لأن الرفع يدل على الثبوت والدوام "فما لبث أن جاء بعجل حنيذ" أي ذهب سريعاً فأتاهم بالضيافة وهو عجل فتى البقر, حنيذ: مشوي على الرضف وهي الحجارة المحماة. هذا معنى ما روي عن ابن عباس وقتادة وغير واحد كما قال في الاية الأخرى " فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين * فقربه إليهم قال ألا تأكلون " وقد تضمنت هذه الاية آداب الضيافة من وجوه كثيرة وقوله: "فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم" تنكرهم "وأوجس منهم خيفة" وذلك أن الملائكة لا همة لهم إلى الطعام ولا يشتهونه ولا يأكلونه فلهذا رأى حالهم معرضين عما جاءهم به فارغين عنه بالكلية فعند ذلك نكرهم "وأوجس منهم خيفة" قال السدي: لما بعث الله الملائكة لقوم لوط أقبلت تمشي في صور رجال شبان حتى نزلوا على إبراهيم فتضيفوه, فلما رآهم أجلهم "فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين" فذبحه ثم شواه في الرضف وأتاهم به فقعد معهم وقامت سارة تخدمهم فذلك حين يقول ـ وامرأته قائمة وهو جالس ـ في قراءة ابن مسعود " فقربه إليهم قال ألا تأكلون " قالوا: يا إبراهيم إنا لا نأكل طعاماً إلا بثمن, قال فإن لهذا ثمناً, قالوا: وما ثمنه ؟ قال تذكرون اسم الله على أوله وتحمدونه على آخره فنظر جبريل إلى ميكائيل فقال حق لهذا أن يتخذه ربه خليلاً "فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم" يقول فلما رآهم لا يأكلون فزع منهم وأوجس منهم خيفة, فلما نظرت سارة أنه قد أكرمهم وقامت هي تخدمهم ضحكت وقالت: عجبا لأضيافنا هؤلاء نخدمهم بأنفسنا كرامة لهم وهم لا يأكلون طعامنا.
وقال ابن حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا نصر بن علي حدثنا نوح بن قيس عن عثمان بن محصن في ضيف إبراهيم قال كانوا أربعة: جبريل وميكائيل وإسرافيل ورفائيل. قال نوح بن قيس فزعم نوح بن أبي شداد أنهم لما دخلوا على إبراهيم فقرب إليهم العجل مسحه جبريل بجناحه فقام يدرج حتى لحق بأمه وأم العجل في الدار, وقوله تعالى إخباراً عن الملائكة: "قالوا لا تخف" أي قالوا لا تخف منا إنا ملائكة أرسلنا إلى قوم لوط لنهلكهم, فضحكت سارة استبشاراً بهلاكهم لكثرة فسادهم وغلظ كفرهم فلهذا جوزيت بالبشارة بالولد بعد الإياس, وقال قتادة ضحكت وعجبت أن قوماً يأتيهم العذاب وهم في غفلة, وقوله: "ومن وراء إسحاق يعقوب" قال العوفي عن ابن عباس فضحكت أي حاضت, وقول محمد بن قيس: إنها إنما ضحكت من أنها ظنت أنهم يريدون أن يعملوا كما يعمل قوم لوط. وقول الكلبي: إنها إنما ضحكت لما رأت من الروع بإبراهيم ضعيفان ووجداً وإن كان ابن جرير قد رواهما بسنده إليهما فلا يلتفت إلى ذلك والله أعلم. وقال وهب بن منبه: إنما ضحكت لما بشرت بإسحاق وهذا مخالف لهذا السياق فإن البشارة صريحة مرتبة على ضحكها "فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب" أي بولد لها يكون له ولد وعقب ونسل فإن يعقوب ولد إسحاق كما قال في آية البقرة " أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون ".
ومن ههنا استدل من استدل بهذه الاية على أن الذبيح إنما هو إسماعيل, وأنه يمتنع أن يكون هو إسحاق لأنه وقعت البشارة به وأنه سيولد له يعقوب فكيف يؤمر إبراهيم بذبحه وهو طفل صغير ولم يولد له بعد يعقوب الموعود بوجوده ووعد الله حق لا خلف فيه فيمتنع أن يؤمر بذبح هذا والحالة هذه, فتعين أن يكون إسماعيل وهذا من أحسن الاستدلال وأصحه وأبينه و لله الحمد "قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً" الاية حكى قولها في هذه الاية كما حكى فعلها في الاية الأخرى فإنها "قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز" وفي الذاريات "فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم" كما جرت به عادة النساء في أقوالهن وأفعالهن عند التعجب "قالوا أتعجبين من أمر الله" أي قالت الملائكة لها لا تعجبي من أمر الله فإنه إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون. فلا تعجبي من هذا وإن كنت عجوزاً عقيماً وبعلك شيخاً كبيراً فإن الله على ما يشاء قدير "رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد" أي هو الحميد في جميع أفعاله وأقواله محمود ممجد في صفاته وذاته, ولهذا ثبت في الصحيحين أنهم قالوا:" قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك يا رسول الله ؟ قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم, وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد".
هذه قصة لوط عليه السلام وقومه، وهو ابن عم إبراهيم عليه السلام، وكانت قرى لوط بنواحي الشام وإبراهيم ببلاد فلسطين. فلما أنزل الله الملائكة بعذاب قوم لوط، مروا بإبراهيم ونزلوا عنده، وكان كل من نزل عنده يحسن قراه، وكان مرورهم عليه لتبشيره بهذه البشارة المذكورة، فظنهم أضيافاً، وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل. وقيل كانوا تسعة، وقيل أحد عشر، والبشرى التي بشروه بها هي بشارته بالولد، وقيل بإهلاك قوم لوط، والأولى أولى 69- "قالوا سلاماً" منصوب بفعل مقدر: أي سلمنا عليك سلاماً "قال سلام" ارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي أمركم سلام، أو مرتفع على أنه مبتدأ والخبر محذوف، والتقدير: عليكم سلام "فما لبث" أي إبراهيم "أن جاء بعجل حنيذ" قال أكثر النحويين "أن" هنا بمعنى حتى: أي فما لبث حتى جاء، وقيل: إنها في محل نصب بسقوط حرف الجر، والتقدير فما لبث عن أن جاء: أي ما أبطأ إبراهيم عن مجيئه بعجل وما نافية قاله سيبويه. وقال الفراء: فما لبث مجيئه: أي ما أبطأ مجيئه، وقيل: إن ما موصولة وهي مبتدأ والخبر أن جاء بعجل حنيذ والتقدير: فالذي لبث إبراهيم هو مجيئه بعجل حنيذ، والحنيذ: المشوي مطلقاً، وقيل: المشوي بحر الحجارة من غير أن تمسه النار، يقال: حنذ الشاة يحنذها: جعلها فوق حجارة محماة لتنضجها فهي حنيذ، وقيل معنى حنيذ: سمين، وقيل الحنيذ هو السميط، وقيل النضيج، وهو فعيل بمعنى مفعول، وإنما جاءهم بعجل، لأن البقر كانت أكثر أمواله.
69- قوله تعالى: "ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى"، أراد بالرسل الملائكة: واختلفوا في عددهم، فقال ابن عباس وعطاء: كانوا ثلاثة: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل.
وقال الضحاك: كانوا تسعة.
وقال مقاتل: كانوا إثنى عشر ملكا.
وقال محمد بن كعب: كان جبريل ومعه سبعة.
وقال السدي: كانوا عشر ملكا على صورة الغلمان الوضاء وجوههم.
"بالبشرى" بالبشارة بإسحاق ويعقوب. وقيل: بإهلاك قوم لوط.
"قالوا سلاماً"، أي: سلموا سلاما، "قال" إبراهيم "سلام"، أي: عليكم سلام: وقيل: هو رفع على الحكاية، كقوله تعالى: "وقولوا حطة" (البقرة-85 والأعراف 161)، وقرأ حمزة والكسائي سلم هاهنا وفى سورة الذاريات بكسر السين بلا ألف. قيل: هو بمعنى السلام. كما يقال: حل وحلال، وحرم وحرام. قيل: هو بمعنى الصلح، أي: نحن سلم أي صلح لكم غير حرب.
" فما لبث أن جاء بعجل حنيذ "، والحنيذ والمحنوذ: هو المشوي على الحجارة في خد من الأرض وكان سمينا يسيل دسما، كما قال في موضع آخر: "فجاء بعجل سمين" (الذاريات-26): قال قتادة: كان عامه مال إبراهيم البقر.
69."ولقد جاءت رسلنا إبراهيم"يعني الملائكة ،قيل :كانوا تسعة،وقيل ثلاثة جبريل و ميكائيل و إسرافيل ."بالبشرى"ببشارة الولد ،وقيل بهلاك قوم لوط."قالوا سلاماً"سلمنا عليك سلاماً ويجوز نصبه بـ"قالوا"على معنى ذكروا سلاماً."قال سلام"أي أمركم أو جوابي سلام أو وعليكم سلام ، رفعه إدابة بأحسن من تحيتهم . وقرأحمزة والكسائيسلم وكذلك في الذاريات وهما لغتان كحرم وحرام وقيل المراد به الصلح."فما لبث أن جاء بعجل حنيذ"فما أبطأ مجيئه به ، أو فما أبطأ في المجيء به ، أو فما تأخر عنه والجار في"أن"مقدر أو محذوف والحنيذ المشوي بالرضف. وقيل الذي يقطر ودكه من حنذت الفرس إذا عرقته بالجلال لقوله:"بعجل سمين".
69. And Our messengers came unto Abraham with good news. They said: Peace! He answered: Peace! and delayed not to bring a roasted calf.
69 - There came our messengers to Abraham with glad tidings. they said, peace he answered, peace and hastened to entertain them with a roasted calf.