69 - (والذين جاهدوا فينا) في حقنا (لنهدينهم سبلنا) طريق السير إلينا (وإن الله لمع المحسنين) المؤمنين بالنصر والعون
يقول تعالى ذكره: والذين قاتلوا هؤلاء المفترين على الله كذباً من كفار قريش، المكذبين بالحق لما جاءهم فينا، مبتغين بقتالهم علو كلمتنا، ونصره ديننا " لنهدينهم سبلنا " يقول: لنوفقنهم لإصابة الطرق المستقيمة، وذلك إصابة دين الله الذي هو الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم " وإن الله لمع المحسنين " يقول: وإن الله لمع من أحسن من خلقه، فجاهد فيه أهل الشرك، مصدقاً رسوله فيما جاء به من عند الله بالعون له، والنصرة على من جاهد من أعدائه.
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله " والذين جاهدوا فينا " قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " والذين جاهدوا فينا " فقلت له: قاتلوا فينا؟ قال: نعم.
قوله تعالى : " والذين جاهدوا فينا " أي جاهدوا الكفار فينا . أي في طلب مرضاتنا . وقال السدي وغيره : إن هذه الآية نزلت قبل فرض القتال . وقال ابن عطية : فهي قبل الجهاد العرفي ، وإنما هو جهاد عام في دين الله وطلب مرضاته . قال الحسن بن أبي الحسن :الآية في العباد . وقال ابن عباس وإبراهيم بن أدهم : هي في الذي يعمون لها يعلمون . وقد قال صلى الله عليه وسلم " من عمل بما علم علمه الله ما لم يعلم " ونزع بعض العلماء إلى قوله : " واتقوا الله ويعلمكم الله " [ البقرة : 282] وقال عمر بن عبد العزيز : إنما قصر بنا اعن علم ما جهلنا تقصيرنا في العمل بما علمنا ، ولو عملنا ببعض ما علمنا لأورثنا علماً لا تقولم به أبداننا ، قال الله تعالى " واتقوا الله ويعلمكم الله " [ البقرة 282] . وقال أبو سليمان الداراني ليس الجهاد في الآية قتال الكافر فقط بل هو نصر الدين ، والرد على المبطلين ، وقمع الظالمين ، وعظمه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومنه مجاهدة النفوس في طاعة الله وهو الجهاد الأكبر . وقال سفيان بن عيينة لابن المبارك : إذا رأيت الناس قد اختلفوا فعليك بالمجاهدين وأهل الثغور فإن الله تعالى يقول : " لنهدينهم " . وقال الضحاك : تمثل السمة في لادنيا كمثل الجنة في العقبى ، ومن دخل الجنة في العقبى سلم ، وكذلك من لزم السنة في الدنيا سلم . وقال عبد الله بن عباس : والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا. وهذا يتناول بعموم الطاعة جيمع الأقوال . ونحوه قول عبد الله بن الزبير قال : تقول الحكمة من ظلبني فلم يجدني فليطلبني في موضعين : أن يعمل بأحين ما يعلمه ، ويجتنب أسوأ ما يعلمه . وقال الحسن بن الفضل فيه تقديم وتأخير أي الذين هديناهم هم الذين جاهدوا فينا . " لنهدينهم سبلنا " أي طريقف الجنة ، قاله السدي . النقاش : يوفقهم لدين الحق . ,وقال يوسف بن أسباط : المعنى لنخلصن نياتهم وصدقاتهم وصلواتهم وصيامهم . " وإن الله لمع المحسنين " لام تأكيد ودخلت نفي ( مع ) على أحد وجهين : أن يكون اسماً ولام التوكيد إنما تدخل على الأسماء ، أو حرفاً فتدخل عليها ، لأن فيها معنى الاستقرار ، كما تقول إن زيداً لفي الدار . و( مع ) إذا سكنت فيه حرف لا غير . وإذا فتحت جاز أن تكون اسماً ، وأن تكون جرفاً ، والأكثر أن تكون حرفاً جاء لمعنى . وتقدم معنى الإحسان والمحسنين في ( البقرة ) وغيرها . وهو سبحانه معهم بالنصرة والمعونة ، الحفظ والهداية ، ومع الجميع بالإحاطة والقدرة . فبين المعيتين بون .
يقول تعالى ممتناً على قريش فيما أحلهم من حرمه الذي جعله للناس سواء العاكف فيه والباد, ومن دخله كان آمناً فهم في أمن عظيم, والأعراب حوله ينهب بعضهم بعضاً, ويقتل بعضهم بعضاً, كما قال تعالى: " لإيلاف قريش * إيلافهم رحلة الشتاء والصيف * فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف " وقوله تعالى: "أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون" أي أفكان شكرهم على هذه النعمة العظيمة أن أشركوا به وعبدوا معه غيره من الأصنام والأنداد و"بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار" وكفروا بنبي الله وعبده ورسوله, فكان اللائق بهم إخلاص العبادة لله, وأن لا يشركوا به, وتصديق الرسول وتعظيمه وتوقيره, فكذبوه وقاتلوه, وأخرجوه من بين ظهرهم, ولهذا سلبهم الله تعالى ما كان أنعم به عليهم, وقتل من قتل منهم ببدر, ثم صارت الدولة لله ولرسوله وللمؤمنين, ففتح الله على رسوله مكة, وأرغم آنافهم وأذل رقابهم.
ثم قال تعالى: "ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بالحق لما جاءه" أي لا احد أشد عقوبة ممن كذب على الله, فقال: إن الله أوحى إليه ولم يوح إليه شيء. ومن قال: سأنزل مثل ما أنزل الله, وهكذا لا أحد أشد عقوبة ممن كذب بالحق لما جاءه, فالأول مفتر والثاني مكذب, ولهذا قال تعالى: "أليس في جهنم مثوى للكافرين" ثم قال تعالى: "والذين جاهدوا فينا" يعني الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين "لنهدينهم سبلنا" أي لنبصرنهم سبلنا, أي طرقنا في الدنيا والاخرة.
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أحمد بن أبي الحواري , أخبرنا عباس الهمداني أبو أحمد من أهل عكا في قول الله تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين" قال: الذين يعملون بما يعلمون يهديهم الله لما لا يعلمون. قال أحمد بن أبي الحواري : فحدثت به أبا سليمان الداراني , فأعجبه وقال: ليس ينبغي لمن ألهم شيئاً من الخير أن يعمل به حتى يسمعه في الأثر, فإذا سمعه في الأثر عمل به, وحمد الله حتى وافق ما في نفسه. وقوله "وإن الله لمع المحسنين" قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي , حدثنا عيسى بن جعفر قاضي الري, حدثنا أبو جعفر الرازي عن المغيرة عن الشعبي قال: قال عيسى ابن مريم عليه السلام: إنما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك, ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك, والله أعلم. آخر تفسير سورة العنكبوت. و للهالحمد والمنة.
ثم لما ذكر حال المشركين الجاحدين للتوحيد الكافرين بنعم الله أردفه بحال عباده الصالحين، فقال: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" أي جاهدوا في شأن الله لطلب مرضاته ورجاء ما عنده من الخير لنهدينهم سبلنا: أي الطريق الموصل إلينا. قال ابن عطية: هي مكية نزلت قبل فرض الجهاد العرفي، وإنما هو جهاد عام في دين الله وطلب مرضاته، وقيل: الآية هذه نزلت في العباد. وقال إبراهيم بن أدهم: هي في الذين يعملون بما يعلمون "وإن الله لمع المحسنين" بالنصر والعون، ومن كان معه لم يخذل، ودخلت لام التوكيد على مع بتأويل كونها اسماً، أو على أنها حرف ودخلت عليها لإفادة معنى الاستقرار كما تقول: إن زيداً لفي الدار، والبحث مقرر في علم النحو.
وقد أخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب "قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما نزلت هذه الآية "إنك ميت وإنهم ميتون"، قلت يا رب أيموت الخلائق كلهم ويبقى الأنبياء؟ فنزلت "كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون"". وينظر كيف صحة هذا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن يسمع قول الله سبحانه "إنك ميت وإنهم ميتون" يعلم أنه ميت، وقد علم أن من قبله من الأنبياء قد ماتوا، وأنه خاتم الأنبياء فكيف ينشأ عن هذه الآية ما سأل عنه علي رضي الله عنه من قوله أيموت الخلائق ويبقى الأنبياء فلعل هذه الرواية لا تصح مرفوعة ولا موقوفة. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي وابن عساكر، قال السيوطي بسند ضعيف عن ابن عمر قال " خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل بعض حيطان المدينة، فجعل يلتقط التمر ويأكل، فقال لي مالك لا تأكل؟ قلت: لا أشتهيه يا رسول الله، قال: لكني أشتهيه وهذه صبح رابعة منذ لم أذق طعاماً ولم أجده، ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر، فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يحبون رزق سنتهم ويضعف اليقين. قال: فوالله ما برحنا ولا رمنا حتى نزلت "وكأين من دابة لا تحمل رزقها" الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يأمرني بكنز الدنيا ولا باتباع الشهوات، ألا وإني لا أكنز ديناراً ولا درهماً، ولا أخبأ رزقاً لغد". وهذا الحديث فيه نكارة شديدة لمخالفته لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان يعطي نساءه قوت العام كما ثبت ذلك في كتب الحديث المعتبرة. وفي إسناده أبو العطوف الجوزي وهو ضعيف. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس " وإن الدار الآخرة لهي الحيوان " قال: باقية. وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب عن أبي جعفر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عجباً كل العجب للمصدق بدار الحيوان وهو يسعى لدار الغرور" وهو مرسل.
69- "والذين جاهدوا فينا"، الذين جاهدوا المشركين لنصرة ديننا، "لنهدينهم سبلنا"، لنثبتنهم على ما قاتلوا عليه.
وقيل: لنزيدنهم هدىً كما قال: "ويزيد الله الذين اهتدوا هدىً" (مريم-76)، وقيل: لنوفقنهم لإصابة الطريق المستقيمة، والطريق المستقيمة هي التي يوصل بها إلى رضا الله عز وجل.
قال سفيان بن عيينة: إذا اختلف الناس فانظروا ما عليه أهل الثغور، فإن الله قال: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا".
وقيل: المجاهدة هي الصبر على الطاعات. قال الحسن: أفضل الجهاد مخالفة الهوى.
وقال الفضيل بن عياض: والذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينهم سبل العمل به. وقال سهل بن عبد الله: والذين جاهدوا في إقامة السنة لنهدينهم سبل الجنة. وروي عن ابن عباس: والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا.
"وإن الله لمع المحسنين"، بالنصر والمعونة في دنياهم وبالثواب والمغفرة في عقباهم.
69ـ " والذين جاهدوا فينا " في حقنا وإطلاق المجاهدة ليعم جهاد الأعادي الظاهرة والباطنة بأنواعه . " لنهدينهم سبلنا " سبل السير إلينا والوصول إلى جنابنا ، أو لنزيدنهم هداية إلى سبيل الخير وتوفيقاً لسلوكها كقوله تعالى : " والذين اهتدوا زادهم هدى " وفي الحديث " من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم " . " وإن الله لمع المحسنين " بالنصر والإعانة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة العنكبوت كان له من الأجر عشر حسنات بعدد كل المؤمنين والمنافقين " .
69. As for those who strive in Us, We surely guide them to Our paths, and lo! Allah is with the good.
69 - And those who strive in Our (Cause), We will certainly guide them to Our Paths for verily God is with those who do right.