69 - وقال المسلمون إن قمنا كلما خاضوا لم نستطع أن نجلس في المسجد وأن نطوف فنزل : (وما على الذين يتقون) الله (من حسابهم) أي الخائضين (من) زائدة (شيء) إذا جالسوهم (ولكن) عليهم (ذكرى) تذكرة لهم وموعظة (لعلهم يتقون) الخوض
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره : ومن اتقى الله فخافه ، فأطاعه فيما أمره به ، واجتنب ما نهاه عنه ، فليس عليه بترك الإعراض عن هؤلاء الخائضين في آيات الله في حال خوضهم في آيات الله ، شيء من تبعة فيما بينه وبين الله ، إذا لم يكن تركه الإعراض عنهم رضى بما هم فيه ، وكان لله بحقوقه متقياً، ولا عليه من إثمهم بذلك حرج ، ولكن ليعرضوا عنهم حينئذ ذكرى لأمر الله ، "لعلهم يتقون"، يقول : ليتقوا.
ومعنى الذكرى ، ا لذكر . و الذكر والذكرى بمعنىً.
وقد يجوز أن يكون "ذكرى" في موضع نصب ورفع.
فأما النصب ، فعلى ما وصفت من تأويل : ولكن ليعرضوا عنهم ذكرى.
وأما الرفع ، فعلى تأويل : وما على الذين يتقون من حسابهم شيء بترك الإعراض ، ولكن إعراضهم ذكرى لأمر الله لعلهم يتقون.
وقد ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالقيام عن المشركين إذا خاضوا في آيات الله ، لأن قيامه عنهم كان مما يكرهونه ، فقال الله له : إذا خاضوا في آيات الله فقم عنهم ، ليتقوا الخوض فيها ويتركوا ذلك.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، كان المشركون يجلسون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحبون أن يسمعوا منه ، فإذا سمعوا استهزأوا، فنزلت : "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره"، الآية ، قال : فجعل إذا استهزأوا قام ، فحذروا وقالوا لا تستهزأوا فيقوم ! فذلك قوله : "لعلهم يتقون"، أن يخوضوا فيقوم ، ونزل : "وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء"، إن قعدوا معهم ، ولكن لا تقعدوا . ثم نسخ ذلك قوله بالمدينة : "وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم" [النساء:140]، فنسخ قوله: "وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء"، الآية.
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : "وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء"، يقول: من حساب الكفار من شيء ، "ولكن ذكرى"، يقول : إذا ذكرت فقم ، "لعلهم يتقون" مساءتكم ، إذا رأوكم لا تجالسونهم استحيوا منكم ، فكفوا عنكم. ثم نسخها الله بعد، فنهاهم أن يجلسوا معهم أبداً، قال : "وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها" الآية، [النساء: 140].
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: "وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء"، إن قعدوا، ولكن لا تقعد.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن السدي ، عن أبي مالك : "وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى"، قال : وما عليك أن يخوضوا في آيات الله إذا فعلت ذلك.
قال ابن عباس: لما نزل لا تقعدوا مع المشركين وهو المراد بقوله: "فأعرض عنهم" قال المسلمون: لا يمكننا دخول المسجد والطواف، فنزلت هذه الآية. "ولكن ذكرى" أي فإن قعدوا يعني المؤمنين فليذكروهم. "لعلهم يتقون" الله في ترك ما هم فيه. ثم قيل: نسخ هذا بقوله: "وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره" [النساء: 140]. وإنما كانت الرخصة قبل الفتح وكان الوقت وقت تقية. وأشار بقوله: "وقد نزل عليكم في الكتاب" إلى قوله: "وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا" قال القشيري: والأظهر أن الآية ليست منسوخة. والمعنى: ما عليكم شيء من حساب المشركين، فعليكم بتذكيرهم وزجرهم فإن أبوا فحسابهم على الله. وذكرى في موضع نصب على المصدر، ويجوز أن تكون في موضع رفع، أي ولكن الذين يفعلونه ذكرى، أي ولكن عليهم ذكرى. وقال الكسائي: المعنى ولكن هذه ذكرى.
يقول تعالى: "وكذب به" أي بالقرآن الذي جئتهم به, والهدى والبيان, "قومك" يعني قريشاً "وهو الحق" أي الذي ليس وراءه حق "قل لست عليكم بوكيل" أي لست عليكم بحفيظ, ولست بموكل بكم, كقوله "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" أي إنما علي البلاغ, وعليكم السمع والطاعة, فمن اتبعني سعد في الدنيا والاخرة, ومن خالفني فقد شقي في الدنيا والاخرة, ولهذا قال "لكل نبإ مستقر" قال ابن عباس وغير واحد: أي لكل نبأ حقيقة, أي لكل خبر وقوع, ولو بعد حين, كما قال "ولتعلمن نبأه بعد حين" وقال "لكل أجل كتاب" وهذا تهديد ووعيد أكيد, ولهذا قال بعده "وسوف تعلمون". وقوله "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا" أي بالتكذيب والاستهزاء, "فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره" أي حتى يأخذوا في كلام آخر غير ما كانوا فيه من التكذيب, "وإما ينسينك الشيطان" والمراد بذلك كل فرد, من آحاد الأمة, أن لا يجلس مع المكذبين الذين يحرفون آيات الله ويضعونها على غير مواضعها, فإن جلس أحد معهم ناسياً, "فلا تقعد بعد الذكرى" بعد التذكر "مع القوم الظالمين" ولهذا ورد في الحديث "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". وقال السدي عن أبي مالك وسعيد بن جبير في قوله "وإما ينسينك الشيطان" قال: إن نسيت فذكرت "فلا تقعد" معهم, وكذا قال مقاتل بن حيان, وهذه الاية هي المشار إليها في قوله "وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم" الاية أي إنكم إذا جلستم معهم, وأقررتموهم على ذلك, فقد ساويتموهم فيما هم فيه, وقوله "وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء" أي إذا تجنبوهم, فلم يجلسوا معهم في ذلك, فقد برئوا من عهدتهم وتخلصوا من إثمهم, قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا عبيد الله بن موسى, عن إسرائيل, عن السدي, عن أبي مالك, عن سعيد بن جبير, قوله "وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء" قال: ما عليك أن يخوضوا في آيات الله إذا فعلت ذلك, أي إذا تجنبتهم وأعرضت عنهم, وقال آخرون: بل معناه وإن جلسوا معهم, فليس عليهم من حسابهم من شيء, وزعموا أن هذا منسوخ بآية النساء المدنية, وهي قوله "إنكم إذاً مثلهم" قاله مجاهد والسدي وابن جريج وغيرهم. وعلى قولهم يكون قوله "ولكن ذكرى لعلهم يتقون" أي ولكن أمرناكم بالإعراض عنهم, حينئذ تذكيراً لهم عما هم فيه, لعلهم يتقون ذلك ولا يعودون إليه.
قوله: 69- "وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء" أي ما على الذين يتقون مجالسة الكفار عند خوضهم في آيات الله من حساب الكفار من شيء. وقيل المعنى: ما على الذين يتقون ما يقع منهم من الخوض في آيات الله في مجالستهم لهم من شيء: وعلى هذا التفسير ففي الآية الترخيص للمتقين من المؤمنين في مجالسة الكفار إذا اضطروا إلى ذلك كما سيأتي عند ذكر السبب. قيل: وهذا الترخيص كان في أول الإسلام، وكان الوقت وقت تقية، ثم نزل قوله تعالى: "وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره" فنسخ ذلك. قوله: " ولكن ذكرى لعلهم "، ذكرى في موضع نصب على المصدر، أو رفع على أنها مبتدأ، وخبرها محذوف: أي ولكن عليهم ذكرى. وقال الكسائي: المعنى ولكن هذه ذكرى. والمعنى على الاستدراك من النفي السابق: أي ولكن عليهم الذكرى للكافرين بالموعظة والبيان لهم بأن ذلك لا يجوز. أما على التفسير الأول فلأن مجرد اتقاء مجالس هؤلاء الذين يخوضون في آيات الله لا يسقط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأما على التفسير الثاني فالترخيص في المجالسة لا يسقط التذكير "لعلهم يتقون" الخوض في آيات الله إذا وقعت منكم الذكرى لهم. وأما جعل الضمير للمتقين فبعيد جداً.
69- " وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء "، روي عن ابن عباس أنه قال: لما نزلت هذه الآية: " وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم "، قال المسلمون: كيف نقعد في المسجد الحرام ونطوف بالبيت وهم يخوضون أبداً ؟ وفي رواية قال المسلمون: فإنا نخاف الإثم حين نتركهم ولا ننهاهم، فأنزل الله عز وجل: " وما على الذين يتقون "، الخوض،" من حسابهم "، أي: من آثام الخائضين " من شيء ولكن ذكرى "، أي: ذكروهم وعظوهم بالقرآن، والذكر والذكرى واحد، يريد ذكروهم ذكرى، فتكون في محل النصب، " لعلهم يتقون "، الخوض إذا وعظتموهم فرخص في مجالستهم على الوعظ لعله يمنعهم ذلك من الخوض،وقيل: لعلهم يستحيون.
69 " وما على الذين يتقون " وما يلزم المتقين من قبائح أعمالهم وأقوالهم الذين يجالسونهم . " من حسابهم من شيء " شيء مما يحاسبون عليه . " ولكن ذكرى " ولكن عليهم أن يذكروهم ذكرى ويمنعوهم عن الخوض وغيره من القبائح ويظهروا كراهتها وهو يحتمل النصب على المصدر والرفع ولكن عليهم ذكرى ، ولا يجوز عطفه على محل من شيء لأن من حسابهم يأباه ولا على شيء لذلك ولأن من لا تزاد في الإثبات . " لعلهم يتقون " يجتنبون ذلك حياء أو كراهة لمساءتهم ، ويحتمل أن يكون الضمير للذين يتقون والمعنى : لعلهم يثبتون على تقواهم ولا تنثلم بمجالستهم ، وروي : أن المسلمين قالوا لئن كنا نقوم كلما استهزءوا بالقرآن لم نستطع أن نجلس في المسجد الحرام ، ونطوف فنزلت .
69. Those who ward off (evil) are not accountable for them in aught, but the Reminder (must be given them) that haply they (too) may ward off (evil).
69 - On their account no responsibility falls on the righteous, but (their duty) is to remind them, that they may (learn to) fear God.