7 - (وإن تجهر بالقول) في ذكر أو دعاء فالله غني عن الجهر به (فإنه يعلم السر وأخفى) منه أي ما حدثت به النفس وما خطر ولم تحدث به فلا تجهد نفسك بالجهر
يقول تعالى ذكره : وإن تجهر يا محمد بالقول ، أو تخف به ، فسواء عند ربك الذي له ما في السماوات وما في الأرض "فإنه يعلم السر" يقول : فإنه لا يخفى عليه ما استسررته في نفسك ، فلم تبده بجوارحك ولم تتكلم بلسانك ، ولم تنطق به ؟ وأخفى.
ثم اختلف أهل التأويل في المعني بقوله "وأخفى" فقال بعضهم : معناه : وأخفى من السر، قال : والذي هو أخفى من السر ما حدث به المرء نفسه ولم يعلمه.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا حكام ، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس "يعلم السر وأخفى" قال : السر: ما علمته أنت وأخفى : ما قذف الله في قلبك مما لم تعمله.
حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله "يعلم السر وأخفى" يعني بأخفى : ما لم يعمله ، وهو عامله ، وأما السر: فيعني ما أسر في نفسه.
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "يعلم السر وأخفى" قال : السر: ما أسر ابن آدم في نفسه. وأخفى : قال : ما أخفى ابن آدم مما هو فاعله قبل أن يعمله ، فالله يعلم ذلك ، فعلمه فيما مضى من ذلك ، وما بقي علم واحد، وجميع الخلائق عنده في ذلك كنفس واحدة، وهو قوله "ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة" [لقمان : 28].
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال ؟ ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال سعيد بن جبير، عن ابن عباس : السر: ما أسر الإنسان في نفسه ، وأخفى : ما لا يعلم الإنسان مما هو كائن.
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ومحمد بن عمرو، قالا : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، في قول الله "يعلم السر وأخفى" قال : أخفى : الوسوسة. زاد ابن عمرو والحارث في حديثيهما : والسر: العمل الذي يسرون من الناس.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد "وأخفى" قال : الوسوسة.
حدثنا هناد، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة، في قوله "يعلم السر وأخفى" قال : أخفى حديث نفسك.
حدثنا ابن بشار، قال : ثنا الحسين بن الحسن الأشقر، قال : ثنا أبوكدينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، في قوله "يعلم السر وأخفى" قال : السر: ما يكون في نفسك اليوم. وأخفى : ما يكون في غد وبعد غد، لا يعلمه إلا الله.
وقال آخرون : بل معناه : وأخفى من السر ما لم تحدث به نفسك.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا الفضل بن الصباح ، قال : ثنا ابن فضيل ، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، في قوله "يعلم السر وأخفى" قال : السر: ما أسررت في نفسك ، وأخفى من ذلك : ما لم تحدث به نفسك.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى" كنا نحدث أن السر ما حدثت به نفسك ، وأن أخفى من السر: ما هو كائن مما لم تحدث به نفسك.
حدثنا محمد بن بشار، قال : ثنا سليمان بن حرب ، قال : ثنا هلال ، قال : ثنا أبو قتادة، في قوله "يعلم السر وأخفى" قال : يعلم ما أسررت في نفسك ، وأخفى : ما لم يكن و هو كائن.
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله "يعلم السر وأخفى" قال : أخفى من السر: ما حدثت به نفسك ، وما لم تحدث به نفسك أيضاً مما هو كائن.
حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ، قال : ثنا عبيد، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله "يعلم السر وأخفى" أما السر: فما أسررت في نفسك . وأما أخفى من السر: فما لم تعمله وأنت عامله ، يعلم الله ذلك كله.
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنه يعلم سر العباد، وأخفى سر نفسه ، فلم يطلع عليه أحداً.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "يعلم السر وأخفى" قال : يعلم أسرار العباد، وأخفى سره فلا يعلم.
قال أبو جعفر: وكان الذين وجهوا تأويل ذلك إلى أن السر هو ما حدث به الإنسان غيره سراً. وأن أخفى : معناه : ما حدث به نفسه ، وجهوا تأويل أخفى إلى الخفي . وقال بعضهم : قد توضع أفعل موضع الفاعل ، واستشهدوا لقيلهم ذلك بقول الشاعر:
تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك طريق لست فيها بأوحد
والصواب من القول في ذلك ، قول من قال : معناه : يعلم السر وأخفى من السر، لأن ذلك هو الظاهر من الكلام ، ولو كان معنى ذلك ما تأوله ابن زيد، لكان الكلام : وأخفى الله سره ، لأن أخفى : فعل واقع متعد، إذ كان بمعنى فعل على ما تأوله ابن زيد، وفي انفراد أخفى من مفعوله ، والذي يعمل فيه لو كان بمعنى فعل الدليل الواضح على أنه بمعنى أفعل. وأن تأويل الكلام : فإنه يعلم السر وأخفى منه . فإذ كان ذلك تأويله ، فالصواب من القول في معنى أخفى من السر أن يقال : هو ما علم الله مما أخفى عن العباد، ولم يعلموه مما هو كائن ولما يكن ، لأن ما ظهر وكان فغير سر، وأن ما لم يكن وهو غير كائن فلا شيء ، وأن ما لم يكن وهو كائن فهو أخفى من السر، لأن ذلك لا يعلمه إلا الله ، ثم من أعلمه ذلك من عباده.
قوله تعالى: " وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى " قال ابن عباس: السر ما حدث به الإنسان غيره في خفاء، وأخفى منه ما أضمر في نفسه مما لم يحدث به غيره. وعنه أيضاً: السر حديث نفسك، وأخفى من السر ما ستحدث به نفسك مما لم يكن وهو كائن، أنت تعلم ما تسر به نفسك اليوم، ولا تعلم ما تسر به غداً، والله يعلم ما أسررت اليوم وما تسره غداً، والمعنى: الله يعلم السر وأخفى من السر. وقال ابن عباس أيضاً " السر " ما أسر ابن آدم في نفسه، " وأخفى " ما خفي على ابن آدم مما هو فاعله وهو لا يعلمه، فالله تعالى يعلم ذلك كله، وعلمه فيما مضى من ذلك وما يستقبل علم واحد، وجميع الخلائق في علمه كنفس واحدة. وقال قتادة وغيره: " السر " ما أضمره الإنسان في نفسه، " وأخفى " منه ما لم يكن ولا أضمره أحد. وقال ابن زيد: " السر " من الخلائق، " وأخفى " منه سره عز وجل، وأنكر ذلك الطبري ، وقال: إن الذي " أخفى " ما ليس في سر الإنسان وسيكون في نفسه كما قال ابن عباس.
قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسين بن محمد بن شيبة الواسطي , حدثنا أبو أحمد ـ يعني الزبيري ـ أنبأنا إسرائيل عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: طه يا رجل, وهكذا روي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء ومحمد بن كعب وأبي مالك وعطية العوفي والحسن وقتادة والضحاك والسدي وابن أبزى أنهم قالوا: طه بمعنى يا رجل.. وفي رواية عن ابن عباس وسعيد بن جبير والثوري أنها كلمة بالنبطية معناها يا رجل. وقال أبو صالح : هي معربة.
وأسند القاضي عياض في كتابه الشفاء من طريق عبد بن حميد في تفسيره: حدثنا هاشم بن القاسم عن ابن جعفر عن الربيع بن أنس قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام على رجل ورفع الأخرى " , فأنزل الله تعالى: "طه" يعني: طأ الأرض يا محمد "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" ثم قال: ولا يخفى بما في هذا الإكرام وحسن المعاملة وقوله: " ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " قال جويبر عن الضحاك : لما أنزل الله القرآن على رسوله صلى الله عليه وسلم قام به هو وأصحابه, فقال المشركون من قريش: ما أنزل هذا القرآن على محمد إلا ليشقى, فأنزل الله تعالى: " طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى * إلا تذكرة لمن يخشى " فليس الأمر كما زعمه المبطلون, بل من آتاه الله العلم فقد أراد به خيراً كثيراً, كما ثبت في الصحيحين عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين".
وما أحسن الحديث الذي رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني في ذلك حيث قال: حدثنا أحمد بن زهير , حدثنا العلاء بن سالم , حدثنا إبراهيم الطالقاني , حدثنا ابن المبارك عن سفيان عن سماك بن حرب , عن ثعلبة بن الحكم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى للعلماء يوم القيامة إذا قعد على كرسيه لقضاء عباده: إني لم أجعل علمي وحكمتي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان منكم ولا أبالي" إسناده جيد, وثعلبة بن الحكم هذا هو الليثي , ذكره أبو عمر في استيعابه, وقال: نزل البصرة ثم تحول إلى الكوفة, وروى عنه سماك بن حرب .
وقال مجاهد في قوله: "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" هي كقوله: " فاقرؤوا ما تيسر منه " وكانوا يعلقون الحبال بصدورهم في الصلاة. وقال قتادة : " ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " لا والله ما جعله شقاء, ولكن جعله رحمة ونوراً ودليلاً إلى الجنة "إلا تذكرة لمن يخشى" إن الله أنزل كتابه وبعث رسوله رحمة رحم بها عباده ليتذكر ذاكر, وينتفع رجل بما سمع من كتاب الله وهو ذكر أنزل الله فيه حلاله وحرامه.
وقوله: "تنزيلاً ممن خلق الأرض والسموات العلى" أي هذا القرآن الذي جاءك يا محمد هو تنزيل من ربك, رب كل شيء ومليكه القادر على ما يشاء, الذي خلق الأرض بانخفاضها وكثافتها, وخلق السموات العلى في ارتفاعها ولطافتها, وقد جاء في الحديث الذي صححه الترمذي وغيره أن سمك كل سماء مسيرة خمسمائة عام, وبعد ما بينها والتي تليها مسيرة خمسمائة عام, وقد أورد ابن أبي حاتم ههنا حديث الأوعال من رواية العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه. وقوله: "الرحمن على العرش استوى" تقدم الكلام على ذلك في سورة الأعراف بما أغنى عن إعادته أيضاً, وأن المسلك الأسلم في ذلك طريقة السلف إمرار ما جاء في ذلك من الكتاب والسنة من غير تكييف ولا تحريف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل.
وقوله: "له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى" أي الجميع ملكه, وفي قبضته, وتحت تصرفه ومشيئته وإرادته وحكمه, وهو خالق ذلك ومالكه وإلهه لا إله سواه ولا رب غيره. وقوله: "وما تحت الثرى" قال محمد بن كعب : أي ما تحت الأرض السابعة. وقال الأوزاعي : إن يحيى بن أبي كثير حدثه أن كعباً سئل فقيل له: ما تحت هذه الأرض ؟ فقال: الماء. قيل: وما تحت الماء ؟ قال: الأرض. قيل: وما تحت الأرض ؟ قال: الماء قيل: وما تحت الماء ؟ قال: الأرض. قيل: وما تحت الأرض ؟ قال: الماء, قيل: وما تحت الماء ؟ قال: الأرض, قيل: وما تحت الأرض ؟ قال: الماء, قيل: وما تحت الماء ؟ قال: الأرض, قيل: وما تحت الأرض ؟ قال: الصخرة, قيل: وما تحت الصخرة ؟ قال: ملك, قيل: وما تحت الملك ؟ قال: حوت معلق طرفاه بالعرش, قيل: وما تحت الحوت ؟ قال: الهواء والظلمة وانقطع العلم.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبيد الله بن أخي بن وهب , حدثنا عمي , حدثنا عبد الله بن عياش , حدثنا عبد الله بن سليمان عن دراج عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الأرضين بين كل أرض والتي تليها مسيرة خمسمائة عام, والعليا منها على ظهر حوت قد التقى طرفاه في السماء, والحوت على صخرة, والصخرة بيد الملك, والثانية سجن الريح, والثالثة فيها حجارة جهنم, والرابعة فيها كبريت جهنم, والخامسة فيها حيات جهنم, والسادسة فيها عقارب جهنم, والسابعة فيها سقر وفيها إبليس مصفد بالحديد يد أمامه ويد خلفه, فإذا أراد الله أن يطلقه لما يشاء أطلقه" وهذا حديث غريب جداً, ورفعه فيه نظر.
وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده : حدثنا أبو موسى الهروي عن العباس بن الفضل قال: قلت ابن الفضل الأنصاري ؟ قال: نعم, عن القاسم بن عبد الرحمن عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله قال: " كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك, فأقبلنا راجعين في حر شديد, فنحن متفرقون بين واحد واثنين منتشرين, قال وكنت في أول العسكر إذا عارضنا رجل فسلم, ثم قال: أيكم محمد ؟ ومضى أصحابي ووقفت معه, فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقبل في وسط العسكر على جمل أحمر مقنع بثوبه على رأسه من الشمس, فقلت: أيها السائل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتاك, فقال: أيهم هو ؟ فقلت: صاحب البكر الأحمر, فدنا منه فأخذ بخطام راحلته, فكف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنت محمد ؟ قال: نعم. قال: إني أريد أن أسألك عن خصال لا يعلمهن أحد من أهل الأرض إلا رجل أو رجلان ؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم سل عما شئت قال: يا محمد أينام النبي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تنام عيناه ولا ينام قلبه قال: صدقت ثم قال: يا محمد من أين يشبه الولد أباه وأمه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماء الرجل أبيض غليظ, وماء المرأة أصفر رقيق, فأي الماءين غلب على الاخر نزع الولد فقال: صدقت, فقال: ما للرجل من الولد, وما للمرأة منه ؟ فقال للرجل العظام والعروق والعصب, وللمرأة اللحم والدم والشعر قال: صدقت, ثم قال: يا محمد ما تحت هذه ؟ ـ يعني الأرض ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلق فقال: فما تحتهم ؟ قال أرض. قال: فما تحت الأرض ؟ قال: الماء. قال: فما تحت الماء ؟ قال: ظلمة. قال: فما تحت الظلمة ؟ قال: الهواء. قال: فما تحت الهواء ؟ قال: الثرى. قال: فما تحت الثرى ؟ ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء, وقال: انقطع علم الخلق عند علم الخالق, أيها السائل ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال: فقال صدقت, أشهد أنك رسول الله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس هل تدرون من هذا ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال هذا جبريل عليه السلام". هذا حديث غريب جداً, وسياق عجيب, تفرد به القاسم بن عبد الرحمن هذا, وقد قال فيه يحيى بن معين : ليس يساوي شيئاً, وضعفه أبو حاتم الرازي , وقال ابن عدي : لا يعرف. قلت: وقد خلط في هذا الحديث, ودخل عليه شيء في شيء وحديث في حديث, وقد يحتمل أنه تعمد ذلك أو أدخل عليه فيه, والله أعلم.
وقوله: " وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى " أي أنزل هذا القرآن الذي خلق الأرض والسموات العلى الذي يعلم السر وأخفى, كما قال تعالى: "قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفوراً رحيماً" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : "يعلم السر وأخفى" قال: السر ما أسره ابن آدم في نفسه "وأخفى" ما أخفي على ابن آدم مما هو فاعله قبل أن يعلمه, فالله يعلم ذلك كله, فعلمه فيما مضى من ذلك وما بقي علم واحد, وجميع الخلائق في ذلك عنده كنفس واحدة, وهو قوله: "ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة" وقال الضحاك "يعلم السر وأخفى" قال: السر ما تحدث به نفسك, وأخفى ما لم تحدث به نفسك بعد.
وقال سعيد بن جبير : أنت تعلم ما تسر اليوم ولا تعلم ما تسر غداً, والله يعلم ما تسر اليوم وما تسر غداً, وقال مجاهد "وأخفى" يعني الوسوسة, وقال أيضاً هو و سعيد بن جبير "وأخفى" أي ما هو عالمه مما لم يحدث به نفسه. وقوله: "الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى" أي الذي أنزل عليك القرآن, هو الله الذي لا إله إلا هو ذو الأسماء الحسنى والصفات العلى, وقد تقدم بيان الأحاديث الواردة في الأسماء الحسنى في أواخر سورة الأعراف ولله الحمد والمنة.
7- "وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى" الجهر بالقول هو رفع الصوت به والسر ما حدث به الإنسان غيره وأسره إليه، والأخفى من السر هو ما حدث به الإنسان نفسه وأخطره بباله. والمعنى: إن تجهر بذكر الله ودعائه فاعلم أنه غني عن ذلك، فإنه يعلم السر وما هو أخفى من السر، فلا حاجة لك إلى الجهر بالقول، وفي هذا معنى النهي عن الجهر كقوله سبحانه: "واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة" وقيل السر ما أسر الإنسان في نفسه، والأخفى منه هو ما خفي على ابن آدم مما هو فاعله وهو لا يعلمه، وقيل السر ما أضمره الإنسان في نفسه، والأخفى منه ما لم يكن ولا أضمره أحد، وقيل السر سر الخلائق، والأخفى منه سر الله عز وجل، وأنكر ذلك ابن جرير وقال: إن الأخفى ما ليس في سر الإنسان وسيكون في نفسه.
7 - " وإن تجهر بالقول " ، [ أي : تعلن به ] ، " فإنه يعلم السر وأخفى " ، قال الحسن : ( السر ) ما أسر الرجل إلى غيره ، ( وأخفى ) من ذلك : ما أسر في نفسه .
وعن ابن عباس ، و سعيد بن جبير : ( السر ) ما تسر في نفسك ( وأخفى ) من السر : ما يلقيه الله عز وجل في قلبك من بعد ، ولا تعلم أنك ستحدث به نفسك ، لأنك تعلم ما تسر به اليوم ولا تعلم ما تسر به غداً ، والله يعلم ما أسررت اليوم وما تسر به غداً .
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباسم : ( السر ) : ما أسر ابن آدم في نفسه ، ( وأخفى ) ما خفي عليه مما هو فاعله قبل أن يعلمه .
وقال مجاهد : ( السر ) العمل الذي تسرون من الناس ،( وأخفى ) : الوسوسة .
وقيل : ( السر ) : هو العزيمة [ ( وأخفى ) : ما يخطر على القلب ولم يعزم عليه .
وقال زيد بن أسلم : ( يعلم السر ] وأخفى ) : أي يعلم أسرار العباد ، وأخفى سره من عباده ، فلا يعلمه أحد .
ثم وحد نفسه فقال :
7ـ " وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى " أي وإن تجهر بذكر الله ودعائه فاعلم أنه غني عن جهرك فإنه سبحانه يعلم السر وأخفى منه ، وهو ضمير النفس . وفيه تنبيه على أن شرع الذكر والدعاء و الجهر فيهما ليس لإعلام الله بل لتصوير النفي بالذكر ورسوخه فيها ومنعها عن الاشتغال بغيره وهضمها بالتضرع والجؤار ، ثم إنه لما ظهر بذلك أنه المستجمع لصفات الألوهية بين أنه المتفرد بها والمتوحد بمقتضاها فقال :
7. And if thou speakest aloud, then Lo! He knoweth the secret (thought) and (that which is yet) more hidden.
7 - If thou pronounce the word aloud, (it is no matter): for verily he knoweth what is secret and what is yet more hidden.