70 - (فألقي السحرة سجدا) خروا ساجدين لله تعالى (قالوا آمنا برب هارون وموسى)
وفي هذا الكلام متروك قد استغني بدلالة ما ترك عليه وهو: فألقى موسى عصاه ، فتلقفت ما صنعوا "فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى" وذكر أن موسى لما ألقى ما في يده تحول ثعباناً، فالتقم كل ما كانت السحرة ألقته من الحبال والعصي.
ذكر الرواية عمن قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: لما اجتمعوا وألقوا ما في أيديهم من السحر، "خيل إليه من سحرهم أنها تسعى * فأوجس في نفسه خيفة موسى * قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى * وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا" فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين قال: فتحت فماً لها مثل الدحل، ثم وضعت مشفرها على الأرض ورفعت الآخر، ثم استوعبت كل شيء ألقوه من السحر، ثم جاء إليها فقبض عليها، فإذا هي عصا، فخر السحرة سجداً "قالوا آمنا برب هارون وموسى * قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف" قال : فكان أول من قطع الأيدي والأرجل من خلاف فرعون "ولأصلبنكم في جذوع النخل" قال: فكان أول من صلب في جذوع النخل فرعون.
حدثنا موسى بن هارون، قال : ثنا عمرو، قال : ثنا أسباط، عن السدي "فأوجس في نفسه خيفة موسى" فأوحى الله إليه "لا تخف" - "وألق ما في يمينك" - "تلقف ما يأفكون" - "فألقى عصاه" فأكلت كل حية لهم، فلما رأوا ذلك سجدوا و"قالوا آمنا برب العالمين" "رب هارون وموسى".
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، عن ابن إسحاق ، قال : حدثت عن وهب بن منبه "فأوجس في نفسه خيفة موسى" لما رأى ما ألقوا من الحبال والعصي وخيل إليه أنها تسعى، وقال : والله إن كانت لعصا في أيديهم، ولقد عادت حيات ، وما تعدو عصاي هذه ، أو كما حدث نفسه ، فأوحى الله إليه أن "ألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى" وفرح موسى فألقى عصاه من يده ، فاستعرضت ما ألقوا من حبالهم وعصيهم ، وهي حيات في عين فرعون وأعين الناس تسعى، فجعلت تلقفها، تبتلعها حية حية، حتى ما يرى بالوادي قليل ولا كثير مما ألقوا، ثم أخذها موسى فإذا هي عصا في يده كما كانت، ووقع السحرة سجدا، قالوا : آمنا برب هارون وموسى ، لو كان هذا سحر ما غلبنا.
قوله تعالى: " فألقي السحرة سجدا " لما رأوا من عظيم الأمر وخرق العادة في العصا، فإنها ابتلعت جميع ما احتالوا به من الحبال والعصي، وكانت حمل ثلاثمائة بعير ثم عادت عصاً لا يعلم أحد أين ذهبت الحبال والعصي إلا الله تعالى. وقد مضى في ((الأعراف)) هذا المعنى وأمر العصا مستوفى. " قالوا آمنا برب هارون وموسى "
يقول تعالى مخبراً عن السحرة حين توافقوا هم وموسى عليه السلام, أنهم قالوا لموسى "إما أن تلقي" أي أنت أولاً "وإما أن نكون أول من ألقى * قال بل ألقوا" أي أنتم أولاً لنرى ماذا تصنعون من السحر, وليظهر للناس جلية أمرهم "فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى" وفي الاية الأخرى أنهم لما ألقوا "قالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون" وقال تعالى: " سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم " وقال ههنا: "فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى" وذلك أنهم أودعوها من الزئبق ما كانت تتحرك بسببه وتضطرب وتميد, بحيث يخيل للناظر أنها تسعى باختيارها, وإنما كان حيلة, وكانوا جماً غفيراً وجمعاً كثيراً, فألقى كل منهم عصاً وحبلاً حتى صار الوادي ملان حيات يركب بعضها بعضاً.
وقوله: "فأوجس في نفسه خيفة موسى" أي خاف على الناس أن يفتنوا بسحرهم ويغتروا بهم قبل أن يلقي ما في يمينه, فأوحى الله تعالى إليه في الساعة الراهنة أن ألق ما في يمينك يعني عصاك, فإذا هي تلقف ما صنعوا وذلك أنها صارت تنيناً عظيماً هائلاً ذا قوائم وعنق ورأس وأضراس, فجعلت تتبع تلك الحبال والعصي حتى لم تبق منها شيئاً إلا تلقفته وابتلعته, والسحرة والناس ينظرون إلى ذلك عياناً جهرة نهاراً ضحوة, فقامت المعجزة واتضح البرهان, ووقع الحق وبطل السحر, ولهذا قال تعال: "إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى" وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد بن موسى الشيباني حدثنا حماد بن خالد حدثنا ابن معاذ أحسبه الصائغ عن الحسن عن جندب عن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أخذتم يعني الساحر فاقتلوه ثم قرأ "ولا يفلح الساحر حيث أتى" قال: لا يؤمن به حيث وجد" وقد روى أصله الترمذي موقوفاً ومرفوعاً. فلما عاين السحرة ذلك وشاهدوه, ولهم خبرة بفنون السحر وطرقه ووجوهه علموا علم اليقين أن هذا الذي فعله موسى ليس من قبيل السحر والحيل, وأنه حق لا مرية فيه, ولا يقدر على هذا إلا الذي يقول للشيء كن فيكون, فعند ذلك وقعوا سجداً لله, وقالوا: آمنا برب العالمين رب موسى وهارون, ولهذا قال ابن عباس وعبيد بن عمير : كانوا أول النهار سحرة, وفي آخر النهار شهداء بررة. وقال محمد بن كعب : كانوا ثمانين ألفاً, وقال القاسم بن أبي بزة : كانوا سبعين ألفاً, وقال السدي : بضعة وثلاثين ألفاً, وقال الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي ثمامة : كان سحرة فرعون تسعة عشر ألفاً, وقال محمد بن إسحاق : كانوا خمسة عشر ألفاً, وقال كعب الأحبار : كانوا اثني عشر ألفاً.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , حدثنا محمد بن علي بن حمزة , حدثنا علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: كانت السحرة سبعين رجلاً, أصبحوا سحرة, وأمسوا شهداء. قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا المسيب بن واضح بمكة, حدثنا ابن المبارك قال: قال الأوزاعي : لما خر السحرة سجداً, رفعت لهم الجنة حتى نظروا إليها, قال: وذكر عن سعيد بن سلام , حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن سليمان عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قوله: "فألقي السحرة سجداً" قال: رأوا منازلهم تبنى لهم وهم في سجودهم, وكذا قال عكرمة والقاسم بن أبي بزة .
70- "فألقي السحرة سجداً" أي فألقى ذلك الأمر الذي شاهدوه من موسى والعصا والعصا السحرة سجداً لله تعالى، وقد مر تحقيق هذا في سورة الأعراف "قالوا آمنا برب هارون وموسى" إنما قدم هارون على موسى في حكاية كلامهم رعاية لفواصل الآي وعناية بتوافق رؤوسها.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "فيسحتكم بعذاب" قال: يهلككم. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة "فيسحتكم" قال: يستأصلكم. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي صالح قال: فيذبحكم. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي "ويذهبا بطريقتكم المثلى" قال: يصرفا وجوه الناس إليهما. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: يقول أمثلكم، وهم بنو إسرائيل. وأخرج عبد بن حميد وعبد الرزاق في قوله: "تلقف ما صنعوا" ما يأفكون، عن قتادة قال: ألقاها موسى فتحولت حية تأكل حبالهم وما صنعوا. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة أن سحرة فرعون كانوا تسعمائة، فقالوا لفرعون: إن يكن هذان ساحران فإنا نغلبهما فإنه لا أسحر منا، وإن كانا من رب العالمين فإنه لا طاقة لنا برب العالمين، فلما كان من أمرهم أن خروا سجداً أراهم الله في سجودهم منازلهم التي إليها يصيرون فعندها "قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات" إلى قوله: "والله خير وأبقى".
70. " فألقي السحرة سجداً قالوا آمنا برب هارون وموسى "
70ـ " فألقي السحرة سجداً " أي فألقى فتلقفت فتحقق عند السحرة أنه ليس بسحر وإنما هو آية من آيات الله ومعجزة من معجزاته ، فألقاهم ذلك على وجوههم سجداً لله توبة عما صنعوا وإعتاباً وتعظيماً لما رأوا . " قالوا آمنا برب هارون وموسى " قدم هارون لكبر سنه أو لروي الآية ، أو لأن فرعون ربى موسى في صغره فلو اقتصر على موسى أو قدم ذكره لربما توهم أن المراد فرعون وذكر هارون على الاستتباع . روي أنهم رأوا في سجودهم الجنة ومنازلهم فيها .
70. Then the wizards were (all) flung down prostrate, crying: We believe in the Lord of Aaron and Moses.
70 - So the magicians were thrown down to prostration: they said, We believe in the Lord of Aaron and Moses.