71 - (قال قد وقع) وجب (عليكم من ربكم رجس) عذاب (وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها) أي سميتم بها (أنتم وآباؤكم) أصناما تعبدونها (ما نزل الله بها) أي بعبادتها (من سلطان) حجة وبرهان (فانتظروا) العذاب (إني معكم من المنتظرين) ذلكم بتكذيبكم لي فأرسلت عليهم الريح العقيم
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال هود لقومه : قد حل بكم عذاب وغضب من الله .
وكان أبو عمرو بن العلاء - فيما ذكر لنا عنه - يزعم أن الرجز و الرجس بمعنى واحد ، وأنها مقلوبة ، قلبت السين زايا، كما قلبت ست وهي من سداس بسين ، وكما قالوا قربوس و قربوت ، وكما قال الراجز:
ألا لحى الله بني السعلات عمرو بن يربوع لئام النات
ليسوا بأعفاف ولا أكيات
يريد الناس ، و أكياس ، فقلبت السين تاء، كما قال رؤبة :
كم قد رأينا من عديد مبزي حتى وقمنا كيده بالرجز
روي عن ابن عباس أنه كان يقول : الرجس ، السخط .
حدثني بذلك المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثنا معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " قد وقع عليكم من ربكم رجس " ، يقول : سخط .
وأما قوله : " أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم " ، فإنه يقول : أتخاصمونني في أسماء سئيتموها أصناماً ، لا تضر ولا تنفع ، " أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان " ، يقول : ما جعل الله لكم في عبادتكم إياها من حجة تحتجون بها، ولا معذرة تعتذرون بها، لأن العبادة إنما هي لمن ضر ونفع ، وأثاب على الطاعة وعاقب على المعصية ، ورزق ومنع . فأما الجماد من الحجارة والحديد والنحاس ، فإنه لا نفع فيه ولا ضر، إلا أن تتخذ منه آلةً ، ولا حجة لعابد عبده من دون الله في عبادته إياه ، لأن الله لم يأذن بذلك ، فيعتذر من عبده بأنه يعبده اتباعا منه أمر الله في عبادته إياه . ولا هو- إذ كان الله لم يأذن في عبادته - مما يرجى نفعه ، أو يخاف ضره ، في عاجل أو آجل ، فيعبد رجاء نفعه ، أو دفع ضره - " فانتظروا إني معكم من المنتظرين " ، يقول : فانتظروا حكم الله فينا وفيكم ، " إني معكم من المنتظرين " ، حكمه وفصل قضائه فينا وفيكم .
فقال لهم: "قد وقع عليكم". ومعنى وقع أي وجب. يقال: وقع القول والحكم أي وجب، ومثله: "ولما وقع عليهم الرجز" [الأعراف: 134]. أي نزل بهم. "وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض" [النمل: 82]. والرجس العذاب وقيل: عني بالرجس الرين على القلب بزيادة الكفر. "أتجادلونني في أسماء" يعني الأصنام التي عبدوها، وكان لها أسماء مختلفة. "ما نزل الله بها من سلطان" أي من حجة لكم في عبادتها. فالاسم هنا بمعنى المسمى. نظيره "ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها" [يوسف: 40] وهذه الأسماء مثل العزى من العز والأعز واللات، وليس لها من العز والإلهية شيء.
يخبر تعالى عن تمردهم وطغيانهم وعنادهم وإنكارهم على هود عليه السلام "قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده" الاية كقول الكفار من قريش "إذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم" وقد ذكر محمد بن إسحاق وغيره أنهم كانوا يعبدون أصناماً فصنم يقال له صمد وآخر يقال صمود وآخر يقال له الهباء ولهذا قال هود عليه السلام "قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب" أي قد وجب عليكم بمقالتكم هذه من ربكم رجس قيل هو مقلوب من رجز وعن ابن عباس معناه سخط وغضب "أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم" أي أتحاجوني في هذه الأصنام التي سميتموها أنتم وآباؤكم آلهة وهي لا تضر ولا تنفع ولا جعل الله لكم على عبادتها حجة ولا دليلاً ولهذا قال "ما نزل الله بها من سلطان ؟ فانتظروا إني معكم من المنتظرين" وهذا تهديد ووعيد من الرسول لقومه ولهذا عقبه بقوله "فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين".
وقد ذكر الله سبحانه صفة إهلاكهم في أماكن أخر من القرآن بأنه أرسل عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم كما قال في الاية الأخرى "وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية * سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية * فهل ترى لهم من باقية" لما تمردوا وعتوا أهلكهم الله بريح عاتية فكانت تحمل الرجل منهم فترفعه في الهواء ثم تنكسه على أم رأسه فتثلغ رأسه حتى تبينه من بين جثته ولهذا قال "كأنهم أعجاز نخل خاوية" وقال محمد بن إسحاق كانوا يسكنون باليمن بين عمان وحضرموت وكانوا مع ذلك قد فشوا في الأرض وقهروا أهلها بفضل قوتهم التي آتاهم الله وكانوا أصحاب أوثان يعبدونها من دون الله فبعث الله إليهم هوداً عليه السلام وهو من أوسطهم نسباً وأفضلهم موضعاً فأمرهم أن يوحدوا الله ولا يجعلوا معه إلهاً غيره وأن يكفوا عن ظلم الناس فأبوا عليه وكذبوه وقالوا من أشد منا قوة واتبعه منهم ناس وهم يسير يكتمون إيمانهم فلما عتت عاد على الله وكذبوا نبيه وأكثروا في الأرض الفساد وتجبروا وبنوا بكل ريع آية عبثاً بغير نفع كلمهم هود فقال "أتبنون بكل ريع آية تعبثون * وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون * وإذا بطشتم بطشتم جبارين * فاتقوا الله وأطيعون" "قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين * إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء" أي بجنون "قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم".
قال محمد بن إسحاق: فلما أبوا إلا الكفر به أمسك الله عنهم القطر ثلاث سنين فيما يزعمون حتى جهدهم ذلك قال: وكان الناس إذا جهدهم أمر في ذلك الزمان وطلبوا من الله الفرج فيه إنما يطلبونه بحرمة ومكان بيته وكان معروفاً عند أهل ذلك الزمان وبه العماليق مقيمون وهم من سلالة عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح وكان سيدهم إذ ذاك رجلاً يقال هل معاوية بن بكر وكانت له أم من قوم عاد واسمها كلهدة ابنة الخيبري قال فبعثت عاد وفداً قريباً من سبعين رجلاً إلى الحرم ليستسقوا لهم عند الحرم فمروا بمعاوية بن بكر بظاهر مكة فنزلوا عليه فأقاموا عنده شهراً يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان: قينتان لمعاوية وكانوا قد وصلوا إليه في شهر فلما طال مقامهم عنده وأخذته شفقة على قومه واستحيا منهم أن يأمرهم بالانصراف عمل شعراً يعرض لهم بالانصراف وأمر القينتين أن تغنياهم به فقال:
ألا يا قيل ويحك قم فهينـــــــــــم لعل الله يصبحنا غماما
فيسقي أرض عاد إن عــــــــــاداً قد أمسوا لا يبينون الكلاما
من العطش الشديد وليس نرجو به الشيخ الكبير ولا الغلاما
وقد كانت نساؤهم بخيــــــــــــر فقد أمست نساؤهم عيامى
وإن الوحش تأتيهم جهــــــــاراً ولا تخشى لعادي سهاما
وأنتم ههنا فيما اشتهيتـــــــــم نهاركم وليلكم التماما
فقبح وفدكم من وفد قــــــــوم ولا لقوا التحية والسلاما
قال: فعند ذلك تنبه القوم لما جاؤوا له فنهضوا على الحرم ودعوا لقومهم فدعا داعيهم وهو قيل بن عنز فأنشأ الله سحابات ثلاثاً بيضاء وسوداء وحمراء ثم ناداه مناد من السماء اختر لنفسك أو لقومك من هذا السحاب فقال: اخترت هذه السحابة السوداء فإنها أكثر السحاب ماء فناداه مناد اخترت رماداً رمدداً, لا تبقي من عاد أحداً لا والداً تترك ولا ولداً, إلا جعلته همداً, إلا بني اللوذية المهندا, قال وبنو اللوذية بطن من عاد يقيمون بمكة فلم يصبهم ما أصاب قومهم قال وهم من بقي من أنسالهم وذراريهم عاد الاخرة قال: وساق الله السحابة السوداء فيما يذكرون التي اختارها قيل بن عنز بما فيها من النقمة إلى عاد حتى تخرج عليهم من واد يقال له المغيث فلما رأوها استبشروا وقالوا هذا عارض ممطرنا يقول "بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم * تدمر كل شيء" أي تهلك كل شيء مرت به فكان أول من أبصر ما فيها وعرف أنها ريح فيما يذكرون امرأة من عاد يقال لها مميد فلما تبينت ما فيها صاحت ثم صعقت فلما أفاقت قالوا ما رأيت يا مميد ؟ قالت ريحاً فيها شبه النار أمامها رجال يقودونها فسخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً كما قال الله تعالى. والحسوم الدائمة فلم تدع من عاد أحداً إلا هلك, واعتزل هود عليه السلام فيما ذكر لي ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبه ومن معه إلا ما تلين عليه الجلود وتلذ الأنفس وإنها لتمر على عاد بالظعن ما بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة وذكر تمام القصة بطولها وهو سياق غريب فيه فوائد كثيرة وقد قال الله تعالى: "ولما جاء أمرنا نجينا هوداً والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ".
وقد ورد في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده قريب مما أورده محمد بن إسحاق بن يسار رحمه الله, وقال الإمام أحمد حدثنا زيد بن الحباب حدثني أبو المنذر سلام بن سليمان النحوي حدثنا عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن الحارث البكري قال: خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررت بالربذة فإذا بعجوز من بني تميم منقطع بها فقالت لي: يا عبد الله إن لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة هل أنت مبلغي إليه قال فحملتها فأتيت المدينة فإذا المسجد غاص بأهله وإذا راية سوداء تخفق وإذا بلال متقلد سيفاً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما شأن الناس ؟ قالوا: يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجهاً قال فجلست فدخل منزله أو قال رحله فاستأذنت عليه فأذن لي فدخلت وسلمت فقال: هل بينكم وبين تميم شيء قلت: نعم وكانت لنا الدائرة عليهم.
ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها فسألتني أن أحملها إليك وها هي بالباب فأذن لها فدخلت فقلت يا رسول الله إن رأيت أن تجعل بيننا وبين تميم حاجزاً فاجعل الدهناء فحميت العجوز واستوفزت وقالت يا رسول الله فإلى أين يضطر مضطرك قال قلت: إن مثلي مثل ما قال الأول: معزى حملت حتفها, حملت هذه ولا أشعر أنها كانت لي خصماً أعوذ بالله وبرسوله أن أكون كوافد عاد قال لي "وما وافد عاد ؟" وهو أعلم بالحديث منه ولكن يستطعمه قلت إن عاداً قحطوا فبعثوا وافداً لهم يقال له قيل فمر بمعاوية بن بكر فأقام عنده شهراً يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما الجرادتان فلما مضى الشهر خرج إلى جبال مهرة فقال اللهم إنك تعلم أني لم أجىء إلى مريض فأداويه, ولا إلى أسير فأفاديه. اللهم اسق عاداً ما كنت تسقيه, فمرت به سحابات سود فنودي منها اختر فأومأ إلى سحابة منها سوداء فنودي منها خذها رماداً رمدداً, لا تبقي من عاد أحداً قال: فما بلغني أنه بعث الله عليهم من الريح إلا قدر ما يجري في خاتمي هذا حتى هلكوا. قال أبو وائل وصدق قال: وكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وافداً لهم قالوا لا تكن كوافد عاد هكذا رواه الإمام أحمد في المسند, ورواه الترمذي عن عبد بن حميد عن زيد بن الحباب به نحوه, ورواه النسائي من حديث سلام بن أبي المنذر عن عاصم وهو ابن بهدلة ومن طريقه رواه ابن ماجه أيضاً عن أبي وائل عن الحارث بن حسان البكري به ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن زيد بن حباب به ووقع عنده عن الحارث بن يزيد البكري فذكره ورواه أيضاً عن أبي كريب عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن الحارث بن حسان البكري فذكره ولم أر في النسخة أبا وائل والله أعلم.
فأجابهم بقوله: 71- "قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب" جعل ما هو متوقع كالواقع تنبيهاً على تحقق وقوعه، كما ذكره أئمة المعاني والبيان، وقيل معنى وقع وجب: والرجس العذاب، وقيل: هو هنا الرين على القلب بزيادة الكفر، ثم استنكر عليهم ما وقع منهم من المجادلة، فقال: "أتجادلونني في أسماء" يعني أسماء الأصنام التي كانوا يعبدونها جعلها أسماء، لأن مسمياتها لا حقيقة لها بل تسميتها بالآلهة باطلة فكأنها معدومة لم توجد بل الموجود أسماؤها فقط "سميتموها أنتم وآباؤكم" أي سميتم بها معبوداتكم من جهة أنفسكم أنتم وآباؤكم ولا حقيقة لذلك "ما نزل الله بها من سلطان" أي من حجة تحتجون بها على ما تدعونه لها من الدعاوى الباطلة ثم توعدهم بأشد وعيد فقال: "فانتظروا إني معكم من المنتظرين" أي فانتظروا ما طلبتموه من العذاب فإني معكم من المنتظرين له، وهو واقع بكم لا محالة ونازل عليكم بلا شك.
71 - " قال " ، هود ، " قد وقع " ، وجب ونزل ، " عليكم من ربكم رجس " أي : عذاب ، والسين مبدلة من الزاي ، " وغضب " ، أي : سخط ، " أتجادلونني في أسماء سميتموها " ، وضعتموها ، " أنتم وآباؤكم " ، قال أهل التفسير : كانت لهم أصنام يعبدونها سموها أسماء مختلفة ، " ما نزل الله بها من سلطان " ، حجة وبرهان ، " فانتظروا " ، نزول العذاب ،" إني معكم من المنتظرين " .
71. " قال قد وقع عليكم " قد وجب وحق عليكم ، أو نزل عليكم على أن المتوقع كالواقع . " من ربكم رجس " عذاب من الإرتجاس وهو الاضطراب . " وغضب " إرادة انتقام . " أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان " أي في أشياء سميتموها آلهة وليس فيها معنى الإلهية ، لأن المستحق للعبادة بالذات هو الموجد للكل ، وأنها لو استحقت كان استحقاقها بجعله تعالى إما بإنزال آية أو بنصب حجة ، بين أن منتهى حجتهم وسندهم أن الأصنام تسمى آلهة من غير دليل يدل على تحقق المسمى ، وإسناد الاطلاق إلى من لا يؤبه بقوله إظهاراً لغاية جهالتهم وفرط غباوتهم ، واستدل به على أن الاسم هو المسمى وأن اللغات توقيفية إذ لو لم يكن كذلك لم يتوجه الذم والإبطال بأنها أسماء مخترعة لم ينزل الله بها سلطاناً وضعفهما ظاهر . " فانتظروا " لما وضح الحق وأنتم مصرون على العناد نزول العذاب بكم . " إني معكم من المنتظرين "
71. He said: Terror and wrath from your Lord have already fallen on you. Would ye wrangle with me over names which ye have named, ye and your fathers, for which no warrant from Allah hath been revealed? Then await (the consequence), Lo! I (also) am of those awaiting (it).
71 - He said: punishment and wrath have already come upon you from your Lord: dispute ye with me over names which ye have devised ye and your fathers, without authority from God? then wait: I am amongst you, also waiting.