(يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم)
قال أبو جعفر: يعني بقوله: "يختص برحمته من يشاء"، يفتعل من قول القائل : خصصت فلاناً بكذا، أخصه به.
وأما رحمته ، في هذا الموضع، فالإسلام والقرآن، مع النبوة، كما:
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "يختص برحمته من يشاء"، قال: النبوة، يخص بها من يشاء.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: "يختص برحمته من يشاء"، قال : يختص بالنبوة من يشاء.
حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك قراءةً، عن ابن جريج: "يختص برحمته من يشاء"، قال: القرآن والإسلام.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج مثله.
"والله ذو الفضل العظيم"، يقول : ذو فضل يتفضل به على من أحب وشاء من خلقه. ثم وصف فضله بالعظم فقال: فضله عظيم، لأنه غير مشبهه فى عظم موقعه ممن أفضله عليه [فضل] من إفضال خلقه ، ولا يقاربه في جلالة خطره ولا يدانيه.
أي بنبوته وهدايته ، عن الحسن ومجاهد وغيرهما . ابن جريج : بالإسلام والقرآن " من يشاء " . قال أبو عثمان : أجمل القول ليبقى معه رجاء الراجي وخوف الخائف ، " والله ذو الفضل العظيم " .
يخبر تعالى عن حسد اليهود للمؤمنين, وبغيهم إياهم الإضلال, وأخبر أن وبال ذلك إنما يعود على أنفسهم وهم لا يشعرون أنهم ممكور بهم, ثم قال تعالى منكراً عليهم "يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون" أي تعلمون صدقها وتتحققون حقها "يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون" أي تكتمون ما في كتبكم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأنتم تعرفون ذلك وتتحققونه "وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره" الاية, هذه مكيدة أرادوها ليلبسوا على الضعفاء من الناس أمر دينهم, وهو أنهم اشتوروا بينهم أن يظهروا الإيمان أول النهار, ويصلوا مع المسلمين صلاة الصبح, فإذا جاء النهار ارتدوا إلى دينهم ليقول الجهلة من الناس: إنما ردهم إلى دينهم اطلاعهم على نقيضة وعيب في دين المسلمين, ولهذا قالوا "لعلهم يرجعون". وقال ابن أبي نجيح : عن مجاهد في قوله تعالى إخباراً عن اليهود بهذه الاية, يعني يهوداً صلت مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح, وكفروا آخر النهار مكراً منهم, ليروا الناس أن قد بدت لهم الضلالة منه بعد أن كانوا اتبعوه. وقال العوفي عن ابن عباس : قالت طائفة من أهل الكتاب: إذ لقيتم أصحاب محمد أول النهار فآمنوا, وإذا كان آخره فصلوا صلاتكم لعلهم يقولون هؤلاء أهل الكتاب وهم أعلم منا, وهكذا روي عن قتادة والسدي والربيع وأبي مالك .
وقوله تعالى: "ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم" أي لا تطمئنوا أو تظهروا سركم وما عندكم إلا لمن تبع دينكم, ولا تظهروا ما بأيديكم إلى المسلمين فيؤمنوا به ويحتجوا به عليكم قال الله تعالى: "قل إن الهدى هدى الله" أي هو الذي يهدي قلوب المؤمنين إلى أتم الإيمان بما ينزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الايات البينات, والدلائل القاطعات, والحجج الواضحات، وإن كتمتم أيها اليهود ما بأيديكم من صفة محمد النبي الأمي في كتبكم التي نقلتموها عن الأنبياء الأقدمين. وقوله "أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم" يقولون: لا تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين, فيتعلموه منكم, ويساووكم فيه ويمتازوا به عليكم لشدة الإيمان به, أو يحاجوكم به عند ربكم, أي يتخذوه حجة عليكم بما في أيديكم, فتقوم به عليكم الدلالة, وتتركب الحجة في الدنيا والاخرة, قال الله تعالى: "قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء" أي الأمور كلها تحت تصرفه, وهو المعطي المانع, يمن على من يشاء بالإيمان والعلم والتصور التام, ويضل من يشاء فيعمي بصره وبصيرته, ويختم على قلبه وسمعه, ويجعل على بصره غشاوة, وله الحجة التامة والحكمة البالغة "والله واسع عليم * يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم" أي اختصكم أيها المؤمنون من الفضل بما لا يحد ولا يوصف بما شرف به نبيكم محمداً صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء, وهداكم به إلى أكمل الشرائع.
وقوله 74- "يختص برحمته من يشاء" قيل: هي النبوة، وقيل: أعم منها، وهو رد عليهم ودفع لما قالوه ودبروه.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سفيان قال: كل شيء في آل عمران من ذكر أهل الكتاب فهو في النصارى، ويدفع هذا أن كثيراً من خطابات أهل الكتاب المذكورة في هذه السورة لا يصح حملها على النصارى ألبتة، ومن ذلك هذه الآيات التي نحن بصدد تفسيرها، فإن الطائفة التي ودت إضلال المسلمين وكذلك الطائفة القائلة "آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار" هي من اليهود خاصة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله "يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون" قال: تشهدون أن نعت نبي الله محمد في كتابكم، ثم تكفرون به وتنكرونه ولا تؤمنون به وأنتم تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة والإنجيل النبي الأمي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع مثله. وأخرجا أيضاً عن السدي نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل نحوه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج "وأنتم تشهدون" على أن الدين عند الله الإسلام ليس لله دين غيره. وأخرجا عن الربيع في قوله "لم تلبسون الحق بالباطل" يقول: لم تخلطون اليهودية والنصرانية بالإسلام، وقد علمتم أن دين الله الذي لا يقبل من أحد غيره الإسلام "وتكتمون الحق" يقول: تكتمون شأن محمد وأنتم تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة والإنجيل. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة مثله. واخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قال عبد الله بن الصيف وعدي بن زيد والحارث بن عوف بعضهم لبعض: تعالوا نؤمن بما أنزل على محمد وأصحابه غدوة ونكفر به عشية حتى نلبس عليهم دينهم لعلهم يصنعون كما نصنع فيرجعون عن دينهم، فأنزل الله فيهم "يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل" إلى قوله "والله واسع عليم" وقد روي نحو هذا عن جماعة من السلف. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة من طريق أبي ظبيان عن ابن عباس في قوله "وقالت طائفة" الآية، قال: كانوا يكونون معهم أول النهار ويجالسونهم ويكلمونهم، فإذا أمسوا وحضرت الصلاة كفروا به وتركوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله "ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم" قال: هذا قول بعضهم لبعض. وأخرج ابن جرير عن الربيع مثله. وأخرج أيضاً عن السدي نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد "أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم" حسداً من يهود أن تكون النبوة في غيرهم، وإرادة أن يتابعوا على دينهم. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي مالك وسعيد بن جبير "أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم" قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم "إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم" يا أمة محمد "أو يحاجوكم عند ربكم" يقول اليهود: فعل الله بنا كذا وكذا من الكرامة حتى أنزل علينا المن والسلوى، فإن الذي أعطيتكم أفضل فقولوا "قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة "قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم" يقول: لما أنزل الله كتاباً مثل كتابكم وبعث نبياً كنبيكم حسدتموه على ذلك "قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء". وأخرج ابن جرير عن الربيع مثله. واخرج ابن جرير عن ابن جريج "قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم" يقول: هذا الأمر الذي أنعم الله عليه "أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم" قال: قال بعضهم لبعض لا تخبروهم بما بين الله لكم في كتابه "ليحاجوكم" قال: ليخاصموكم "به عند ربكم" فتكون لهم حجة عليكم "قل إن الفضل بيد الله" قال: الإسلام "يختص برحمته من يشاء" قال: القرآن والإسلام. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير و ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد "يختص برحمته من يشاء" قال: النبوة. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: رحمته الإسلام يختص بها من يشاء.
74-قوله تعالى:(" يختص برحمته" أي بنبوته" من يشاء والله ذو الفضل العظيم" .
74" يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم " رد وإبطال لما زعموه بالحجة الواضحة.
74. He selecteth for His mercy whom He will. Allah is of infinite bounty.
74 - For his mercy he specially chooseth whom he pleaseth; for God is the lord of bounties unbounded.