75 - (ولقد نادانا نوح) بقوله رب إني مغلوب فانتصر (فلنعم المجيبون) له نحن أي دعانا على قومه فأهلكناهم بالغرق
يقول تعالى ذكره : لقد نادانا نوح بمسئلته إيانا هلاك قومه ، فقال : "رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا * فلم يزدهم دعائي إلا فرارا" [نوح :16]. . إلى قوله "رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا" [نوح : 26]. وقوله "فلنعم المجيبون" يقول : فلنعم المجيبون كنا له إذا دعانا، فأجبنا له دعاءه ، فأهلكنا قومه "ونجيناه وأهله" يعني : أهل نوح الذين ركبوا معه السفينة. وقد ذكرناهم فيما مضى قبل ، وبينا اختلاف العلماء في عددهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون" قال : أجابه الله.
قوله تعالى : " ولقد نادانا نوح " من النداء هو الاستغاثة ، ودعا قيل بمسألة هلاك قومه . فقال : " رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً " [ نوح : 26 ] . " فلنعم المجيبون " قال الكسائي : أي < فلنعم المجيبون > له كنا .
لما ذكر تعالى عن أكثر الأولين أنهم ضلوا عن سبيل النجاة شرع يبين ذلك مفصلاً فذكر نوحاً عليه الصلاة والسلام وما لقي من قومه من التكذيب, وأنه لم يؤمن منهم إلا القليل مع طول المدة لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً فلما طال عليه ذلك واشتد عليه تكذيبهم, وكلما دعاهم ازدادوا نفرة فدعا ربه أني مغلوب فانتصر, فغضب الله تعالى لغضبه عليهم, ولهذا قال عز وجل: "ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون" أي فلنعم المجيبون له "ونجيناه وأهله من الكرب العظيم" وهو التكذيب والأذى "وجعلنا ذريته هم الباقين" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما يقول: لم تبق إلا ذرية نوح عليه السلام. وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تبارك وتعالى: "وجعلنا ذريته هم الباقين" قال الناس كلهم من ذرية نوح عليه السلام, وقد روى الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم من حديث سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: "وجعلنا ذريته هم الباقين" قال سام وحام ويافث وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم" ورواه الترمذي عن بشر بن معاذ العقدي عن يزيد بن زريع عن سعيد وهو ابن أبي عروبة عن قتادة به, قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر, وقد روي عن عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله, والمراد بالروم ههنا هم الروم الأول وهم اليونان المنتسبون إلى رومي بن ليطي بن يونان بن يافث بن نوح عليه السلام ثم روي من حديث إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: ولد نوح عليه السلام ثلاثة: سام ويافث وحام, وولد كل واحد من هؤلاء الثلاثة فولد سام العرب وفارس والروم, وولد يافث الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج, وولد حام القبط والسودان والبربر, وروي عن وهب بن منبه نحو هذا والله أعلم. وقوله تبارك وتعالى: " وتركنا عليه في الآخرين " قال ابن عباس رضي الله عنهما يذكر بخير, وقال مجاهد يعني لسان صدق للأنبياء كلهم, وقال قتادة والسدي أبقى الله عليه الثناء الحسن في الاخرين. وقال الضحاك السلام والثناء الحسن, وقوله تعالى: "سلام على نوح في العالمين" مفسر لما أبقى عليه الذكر الجميل والثناء الحسن أنه يسلم عليه في جميع الطوائف والأمم "إنا كذلك نجزي المحسنين" أي هكذا نجزي من أحسن من العباد في طاعة الله تعالى ونجعل له لسان صدق يذكر به بعده بحسب مرتبته في ذلك ثم قال تعالى: "إنه من عبادنا المؤمنين" أي المصدقين الموحدين الموقنين " ثم أغرقنا الآخرين " أي أهلكناهم فلم يبق منهم عين تطرف ولا ذكر ولا عين ولا أثر, ولا يعرفون إلا بهذه الصفة القبيحة.
لما ذكر سبحانه أنه أرسل في الأمم الماضية منذرين ذكر تفصيل بعض ما أجمله فقال: "ولقد نادانا نوح" واللام هي الموطئة للقسم، وكذا اللام في قوله: "فلنعم المجيبون" أي نحن، والمراد أن نوحاً دعا ربه على قومه لما عصوه، فأجاب الله دعاءه وأهلك قومه بالطوفان. فالنداء هنا هو نداء الدعاء لله والاستغاثة به، كقوله: "رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً" وقوله: " أني مغلوب فانتصر " قال الكسائي: أي فلنعم المجيبون له كنا.
75. قوله عز وجل: " ولقد نادانا نوح "، دعا ربه على قومه فقال: " أني مغلوب فانتصر " (القمؤ-10) " فلنعم المجيبون " نحن، يعني: أجبنا دعاءه وأهلكنا قومه.
75-" ولقد نادانا نوح " شروع في تفصيل القصص بعد إجمالها ، أي ولقد دعانا حين أيس من قومه . " فلنعم المجيبون " أي فأجبناه أحسن الإجابة فوالله لنعم المجيبون نحن ، فحذف منها ، ما حذف لقيام ما يدل عليه .
75. And Noah verily prayed unto Us, and gracious was the Hearer of his prayer
75 - (In the days of old), Noah cried to Us, and We are the Best to hear prayer.