76 - (فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا) عن طاعة الله (وهم معرضون)
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله " الآية، ذكر لنا أن رجلاً من الأنصار أتى على مجلس من الأنصار، فقال: لئن آتاه الله مالاً ليؤدين إلى كل ذي حق حقه! فآتاه الله مالاً، فصنع فيه ما تسمعون قال: " فلما آتاهم من فضله بخلوا به "، إلى قوله: " وبما كانوا يكذبون "، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدث أن موسى عليه الصلاة والسلام لما جاء بالتوراة إلى بني إسرائيل قالت بنو إسرائيل: إن التوراة كثيرة، وإنا لا نفرغ لها، فسل لنا ربك جماعاً من الأمر نحافظ عليه، ونتفرغ فيه لمعاشنا! قال: يا قوم، مهلاً مهلاً! هذا كتاب الله، ونور الله، وعصمة الله! قال: فأعادوا عليه، فأعاد عليهم، قالها ثلاثاً. قال: فأوحى الله إلى موسى: ما يقول عبادي؟ قال: يا رب، يقولون كيت وكيت. قال: فإني آمركم بثلاث إن حافظوا عليهن دخلوا بهن الجنة، أن ينتهوا إلى قسمة الميراث فلا يظلموا فيها، ولا يدخلوا أبصارهم البيوت حتى يؤذن لهم، وأن لا يطعموا طعاماً حتى يتوضأوا وضوء الصلاة. قال: فرجع بهن نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه، ففرحوا، ورأوا أنهم سيقومون بهن. قال: فوالله ما لبث القوم إلا قليلاً حتى جنحوا وانقطع بهم. فلما حدث نبي الله بهذا الحديث عن بني إسرائيل، قال: تكفلوا لي بست، أتكفل لكم بالجنة! قالوا: ما هن، يا رسول الله؟ قال: ((إذا حدثتم فلا تكذبوا، وإذا وعدتم فلا تخلفوا، وإذا اؤتمنتم فلا تخونوا، وكفوا أبصاركم وأيديكم وفروجكم: أبصاركم عن الخيانة، وأيديكم عن السرقة، وفروجكم عن الزنا)).
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة ، عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: " ثلاث من كن فيه صار منافقاً وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا وعد أخلف ".
وقال آخرون: بل المعني بذلك رجلان: أحدهما ثعلبة، والآخر معتب بن قشير.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق ، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن : " ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله " الآية، وكان الذي عاهد الله منهم: ثعلبة بن حاطب، ومعتب بن قشير، وهما من بني عمرو بن عوف.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله "، قال رجلان خرجا على ملأ قعود، فقالا: والله لئن رزقنا الله لنصدقن! فلما رزقهم الله بخلوا به.
السادسة- قوله تعالى: "فلما آتاهم من فضله" أي أعطاهم. "بخلوا به" أي بإعطاء الصدقة وبإنفاق المال في الخير، وبالوفاء بما ضمنوا والتزموا. وقد مضى البخل في آل عمران. "وتولوا" أي عن طاعة الله "وهم معرضون" أي في الإسلام، أي مظهرون للإعراض عنه.
يقول تعالى ومن المنافقين من أعطى الله عهده وميثاقه لئن أغناه من فضله ليصدقن من ماله وليكونن من الصالحين, فما وفى بما قال ولا صدق فيما ادعى, فأعقبهم هذا الصنيع نفاقاً سكن في قلوبهم إلى يوم يلقون الله عز وجل يوم القيامة عياذاً بالله من ذلك, وقد ذكر كثير من المفسرين منهم ابن عباس والحسن البصري أن سبب نزول هذه الاية الكريمة في ثعلبة بن حاطب الأنصاري, وقد ورد فيه حديث رواه ابن جرير ههنا, وابن أبي حاتم من حديث معان بن رفاعة عن علي بن يزيد عن أبي عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن مولى عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية عن أبي أمامة الباهلي عن ثعلبة بن حاطب الأنصاري, أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن يرزقني مالاً, قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه" قال: ثم قال مرة أخرى فقال: "أما ترضى أن تكون مثل نبي الله ـ فو الذي نفسي بيده لو شئت أن تسير الجبال معي ذهباً وفضةً لسارت" قال: والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله فرزقني مالاً لأعطين كل ذي حق حقه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم ارزق ثعلبة مالاً" قال فاتخذ غنماً فنمت كما ينمو الدود فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها فنزل وادياً من أوديتها حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة ويترك ما سواهما, ثم نمت وكثرت فتنحى حتى ترك الصلوات إلا الجمعة, وهي تنمو كما ينمو الدود حتى ترك الجمعة, فطفق يتلقى الركبان يوم الجمعة ليسألهم عن الأخبار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما فعل ثعلبة ؟" فقالوا: يا رسول الله اتخذ غنماً فضاقت عليه المدينة, فأخبروه بأمره, فقال: "يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة".
وأنزل الله جل ثناؤه "خذ من أموالهم صدقة" الاية, ونزلت فرائض الصدقة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين على الصدقة من المسلمين رجلاً من جهينة ورجلاً من سليم وكتب لهما كيف يأخذان الصدقة من المسلمين, وقال لهما: "مرا بثعلبة وبفلان ـ رجل من بني سليم ـ فخذا صدقاتهما" فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة وأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: ما هذه إلا جزية ما هذه إلا أخت الجزية ما أدري ما هذا ؟ انطلقا حتى تفرغا ثم عودا إلي فانطلقا وسمع بهما السلمي فنظر إلى خيار أسنان إبله فعزلها للصدقة ثم استقبلهما بهما, فلما رأوها قالوا ما يجب عليك هذا وما نريد أن نأخذ هذا منك, فقال: بلى فخذوها فإن نفسي بذلك طيبة وإنما هي لله, فأخذاها منه ومرا على الناس فأخذا الصدقات ثم رجعا إلى ثعلبة فقال: أروني كتابكما فقرأه فقال ما هذه إلا جزية ما هذه إلا أخت الجزية انطلقا حتى أرى رأيي, فانطلقا حتى أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآهما قال: "يا ويح ثعلبة" قبل أن يكلمهما ودعا للسلمي بالبركة فأخبراه بالذي صنع ثعلبة والذي صنع السلمي, فأنزل الله عز وجل "ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن" الاية, قال وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة فسمع ذلك فخرج حتى أتاه فقال: ويحك يا ثعلبة قد أنزل الله فيك كذا وكذا, فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يقبل منه صدقته, فقال:" ويحك إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك" فجعل يحثو على رأسه التراب, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني" فلما أبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبل صدقته رجع إلى منزله, فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبل منه شيئاً, ثم أتى أبا بكر رضي الله عنه حين استخلف فقال قد علمت منزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضعي من الأنصار فاقبل صدقتي, فقال أبو بكر لم يقبلها منك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى أن يقبلها, فقبض أبو بكر ولم يقبلها.
فلما ولي عمر رضي الله عنه أتاه فقال: يا أمير المؤمنين اقبل صدقتي فقال: لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر وأنا أقبلها منك ؟ فقبض ولم يقبلها, فلما ولي عثمان رضي الله عنه أتاه فقال: اقبل صدقتي فقال لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر وأنا أقبلها منك ؟ فلم يقبلها منه فهلك ثعلبة في خلافة عثمان, وقوله تعالى: "بما أخلفوا الله ما وعدوه" الاية, أي أعقبهم النفاق في قلوبهم بسبب إخلافهم الوعد وكذبهم كما في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان" وله شواهد كثيرة, والله أعلم. وقوله: "ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم" الاية, يخبر تعالى أنه يعلم السر وأخفى, وأنه أعلم بضمائرهم وإن أظهروا أنه إن حصل لهم أموال تصدقوا منها وشكروا عليها فإن الله أعلم بهم من أنفسهم, لأنه تعالى علام الغيوب أي يعلم كل غيب وشهادة وكل سر ونجوى ويعلم ما ظهر وما بطن.
76- " فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون " أي لما أعطاهم ما طلبوا من الرزق بخلوا به: أي بما آتاهم من فضله فلم يتصدقوا بشيء منه كما حلفوا به "وتولوا" أي أعرضوا عن طاعة الله وإخراج صدقات ما أعطاهم الله من فضله، "و" الحال أنـ " وهم معرضون " في جميع الأوقات قبل أن يعطيهم الله ما أعطاهم من الرزق وبعده.
76-"فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون".
76."فلما آتاهم من فضله بخلوا به"منعوا حق الله منه ."وتولوا"عن طاعة الله "وهم معرضون "وهم قوم عادتهم الإعراض عنها .
76. Yet when He. gave them of His bounty, they boarded it and turned away, averse;
76 - But when he did bestow of his bounty, they became covetous, and turned back (from their covenant), averse (from its fulfillment).