77 - (ولما جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم) حزن بسببهم (وضاق بهم ذرعاً) صدراً لأنهم حسان الوجوه في صورة أضياف فخاف عليهم قومه (وقال هذا يوم عصيب) شديد
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ولما جاءت ملائكتنا لوطاً ، ساءه مجيئهم ـ وهو فعل من السوء ، "وضاق بهم" ، بمجيئهم ، "ذرعا" ، يقول : وضاقت نفسه غماً بمجيئهم . وذلك أنه لم يكن يعلم أنهم رسل الله في حال ما ساءه مجيئهم ، وعلم من قومه ما هم عليه من إتيانهم الفاحشة ، وخاف عليهم ، فضاق من أجل ذلك بمجيئهم ذرعاً ، وعلم أنه سيحتاج إلى المدافعة عن أضيافه ولذلك قال :"وقال هذا يوم عصيب" .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا" ، يقول : ساء ظناً بقومه ، وضاق ذرعاً بأضيافه .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن حذيفة ، أنه قال : لما جاءت الرسل لوطاً أتوه وهو في أرض له يعمل فيها ، وقد قيل لهم ، والله أعلم : لا تهلكوهم حتى يشهد لوط . قال : فأتوه فقالوا :إنا متضيفوك الليلة . فانطلق بهم ، فلما مشى ساعةً التفت ، وقال : أما تعلمون ما يعمل اهل هذه القرية ؟ والله ما أعلم على ظهر الأرض أناساً أخبث منهم ! قال : فمضى معهم ، ثم قال الثانية مثل ما قال ، فانطلق بهم . فلما بصرت بهم عجوز السوء امرأته ، انطلقت فأنذرتهم .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ،عن معمر ، عن قتادة قال ، قال حذيفة ، فذكر نحوه .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا الحكم بن بشير قال ،حدثنا عمرو بن قيس الملائي ، عن سعيد بن بشر ، عن قتادة قال : أتت الملائكة لوطاً وهو في مزرعة له ، وقال الله للملائكة : إن شهد لوط عليهم أربع شهادات ، فقد أذنت لكم في هلكتهم . فقالوا : يا لوط ، نريد أن نضيفك الليلة . فقال : وما بلغكم أمرهم ؟ قالوا : وما أمرهم ؟ قال : أشهد بالله إنها لشر قرية في الأرض عملاً ! يقول ذلك أربع مرات ، فشهد عليهم لوط أربع شهادات ، فدخلوا معه منزله .
حدثني موسى بن هرون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا اسباط ، عن السدي قال : خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط ، فأتوها نصف النهار ،فلما بلغوا نهر سدوم ، لقوا ابنة لوط تستقي من الماء لأهلها . وكانت له ابنتان : اسم الكبرى رثيا ، والصغرى زغرتا ، فقالوا لها : يا جارية ، هل من منزل ؟ قالت : نعم ، فمكانكم لا تدخلوا حتى آتيكم ! فرقت عليهم من قومها . فأتت أباها فقالت : يا أبتاه ، أرادك فتيان على باب المدينة ، ما رأيت وجوه قوم أحسن منهم ، لا يأخذهم قومك فيفضحوهم ! وقد كان قومه نهوه أن يضيف رجلاً ، فقالوا : خل عنا فلنضف الرجال . فجاء بهم ، فلم يعلم أحد إلا أهل بيت لوط ، فخرجت امرأته فأخبرت قومها ، قالت : إن في بيت لوط رجالاً ما رأيت مثل وجوههم قط ! فجاءه قومه يهرعون إليه .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : خرجت الرسل ، فيما يزعم أهل التوارة ، من عند إبراهيم إلى لوط بالمؤتفكة ، فلما جاءت الرسل لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً ، وذلك من تخوف قومه عليهم أن يفضحوه في ضيفه ، فقال : "هذا يوم عصيب" !
وأما قوله : "وقال هذا يوم عصيب" ، فإنه يقول : وقال لوط : هذا اليوم يوم شديد شره ، عظيم بلاؤه .
يقال منه : عصب يومنا هذا يعصب عصبا ، ومنه قول عدي بن زيد :
وكنت لزاز خصمك لم أعرد وقد سلكوك في يوم عصيب
وقال الراجز :
يوم عصيب يعصب الأبطالا عصب القوي السلم الطوالا
وقول الآخر :
وإنك إن لا ترض بكر بن وائل يكن لك يوم بالعراق عصيب
وقال كعب بن جعيل :
وملبون بالحضيض فئام عارفات منه بيوم عصيب
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "عصيب" ، شديد .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : "هذا يوم عصيب" ، يقول : شديد .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : "هذا يوم عصيب" ، أي : يوم بلاء وشدة .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : "يوم عصيب" ، شديد .
حدثني علي قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية ، عن علي ،عن ابن عباس قوله : "وقال هذا يوم عصيب" ، أي : يوم شديد .
قوله تعالى: " ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم " لما خرجت الملائكة من عند إبراهيم، وكان بين إبراهيم وقرية لوط أربعة فراسخ بصرت بنتا لوط - وهما تستقيمان - بالملائكة ورأتا هيئة حسنة، فقالتا: ما شأنكم؟ ومن أين أقبلتم؟ قالوا: من موضع كذا نريد هذه القرية قالتا: فإن أهلها أصحاب الفواحش، فقالوا: أبها من يضيفنا؟ قالتا: نعم! هذا الشيخ وأشارتا إلى لوط، فلما رأى لوط هيئتم خاف قومه عليهم. " سيء بهم " أي ساءه مجيئهم، يقال: ساء يسوء فهو لازم، وساءه يسوءه فهو متعد أيضاً، وإن شئت ضممت السين، لأن أصلها الضم، والأصل سوىء بهم من السوء، قلبت حركة الواو على السين فانقلبت ياء، وإن خففت الهمزة ألقيت حركتها على الياء فقلت: ( سي بهم) مخففاً، ولغة شاذة بالتشديد. " وضاق بهم ذرعا " أي ضاق صدره بمجيئهم وكرهه. وقيل: ضاق وسعه وطاقته. وأصله أن يذرع البعير بيديه في سيره ذرعاً على قدر سعة خطوة، فإذا حمل على أكثر من طوقه ضاق عن ذلك، وضعف ومد عنقه، فضيق الذرع عبارة عن ضيق الوسع. وقيل: هو من ذرعه القيء أي غلبه، أي ضاق عن حبسه المكروه في نفسه، وإنما ضاق ذرعه بهم لما رأى من جمالهم، وما يعلم من فسق قومه. " وقال هذا يوم عصيب " أي شديد في الشر. وقال الشاعر:
وأنك إلا ترض بكر بن وائل يكن لك يوم بالعراق عصيب
وقال آخر:
يوم عصيب يعصب الأبطالا عصب القوي السلم الطوالا
ويقال: عصيب وعصبصب على التكثير، أي مكروه مجتمع الشر وقد عصب، أي عصب بالشر عصابه، ومنه قيل: عصبة وعصابة أي مجتمعو الكلمة، أي مجتمعون في أنفسهم. وعصبة الرجل المجتمعون معه في النسب، وتعصبت لفلان صرت كعصبته، ورجل معصوب، أي مجتمع الخلق.
يخبر تعالى عن قدوم رسله من الملائكة بعد ما أعلموا إبراهيم بهلاكهم وفارقوه وأخبروه بإهلاك الله قوم لوط هذه الليلة فانطلقوا من عنده فأتوا لوطاً عليه السلام وهو على ما قيل في أرض له وقيل في منزله ووردوا عليه وهم في أجمل صورة تكون على هيئة شبان حسان الوجوه ابتلاء من الله وله الحكمة والحجة البالغة فساءه شأنهم وضاقت نفسه بسببهم وخشي إن لم يضيفهم أن يضيفهم أحد من قومه فينالهم بسوء "وقال هذا يوم عصيب" قال ابن عباس وغير واحد: شديد بلاؤه وذلك أنه علم أنه سيدافع عنهم ويشق عليه ذلك. وذكر قتادة أنهم أتوه وهو في أرض له فتضيفوه فاستحيا منهم فانطلق أمامهم وقال لهم في أثناء الطريق كالمعرض لهم بأن ينصرفوا عنه: إنه والله يا هؤلاء ما أعلم على وجه الأرض أهل بلد أخبث من هؤلاء. ثم مشى قليلاً ثم أعاد ذلك عليهم حتى كرره أربع مرات, قال قتادة وقد كانوا أمروا أن لا يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيهم بذلك.
وقال السدي خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط فبلغوا نهر سدوم نصف النهار ولقوا بنت لوط تستقي فقالوا يا جارية هل من منزل ؟ فقالت مكانكم حتى آتيكم وفرقت عليهم من قومها فأتت أباها فقالت يا أبتاه أدرك فتياناً على باب المدينة ما رأيت وجوه قوم أحسن منهم لا يأخذهم قومك وكان قومه نهوه أن يضيف رجلاً فقالوا خل عنا فلنضيف الرجال فجاء بهم فلم يعلم بهم أحد إلا أهل بيته فخرجت امرأته فأخبرت قومها فجاءوا يهرعون إليه وقوله: "يهرعون إليه" أي يسرعون ويهرولون من فرحهم بذلك وقوله: "ومن قبل كانوا يعملون السيئات" أي لم يزل هذا من سجيتهم حتى أخذوا وهم على ذلك الحال وقوله: "قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم" يرشدهم إلى نسائهم فإن النبي للأمة بمنزلة الوالد فأرشدهم إلى ما هو أنفع لهم في الدنيا والاخرة كما قال لهم في الاية الأخرى: " أتأتون الذكران من العالمين * وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون " وقوله في الاية الأخرى: "قالوا أولم ننهك عن العالمين" أي ألم ننهك عن ضيافة الرجال "قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين * لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون" وقال في هذه الاية الكريمة: "هؤلاء بناتي هن أطهر لكم" قال مجاهد لم يكن بناته ولكن كن من أمته وكل نبي أبو أمته وكذا روي عن قتادة وغير واحد.
وقال ابن جريج: أمرهم أن يتزوجوا النساء ولم يعرض عليهم سفاحاً, وقال سعيد بن جبير: يعني نساءهم هن بناته وهو أب لهم ويقال في بعض القراءات " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم " وكذا روي عن الربيع بن أنس وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق وغيرهم وقوله: "فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي" أي اقبلوا ما آمركم به من الاقتصار على نسائكم "أليس منكم رجل رشيد" أي فيه خير يقبل ما آمره به ويترك ما أنهاه عنه "قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق" أي إنك لتعلم أن نساءنا لا أرب لنا فيهن ولا نشتهيهن "وإنك لتعلم ما نريد" أي ليس لنا غرض إلا في الذكور وأنت تعلم ذلك فأي حاجة في تكرار القول علينا في ذلك ؟ قال السدي "وإنك لتعلم ما نريد" إنما نريد الرجال.
لما خرجت الملائكة من عند إبراهيم وكان بين إبراهيم وقرية لوط أربعة فراسخ جاءوا إلى لوط، فلما رآهم لوط وكانوا في صورة غلمان حسان مرد 77- "سيء بهم" أي ساءه مجيئهم، يقال: ساءه يسوءه، وأصل سيء بهم سويء بهم نقلت حركة الواو إلى السين فقلبت الواو ياء، ولما خففت الهمزة ألقيت حركتها على الياء. وقرأ نافع وابن عامر والكسائي وأبو عمرو بإشمام السين الضم "وضاق بهم ذرعاً" قال الأزهري: الذرع يوضع موضع الطاقة، وأصله أن البعير يذرع بيده في سيره على قدر سعة خطوه: أي يبسطها، فإذا حمل عليه أكثر من طاقته ضاق ذرعه عن ذلك، فجعل ضيق الذرع كناية عن قلة الوسع والطاقة وشدة الأمر، وقيل: هو من ذرعه القيء: إذا غلبه وضاق عن حبسه. والمعنى أنه ضاق صدره لما رأى الملائكة في تلك الصورة خوفاً عليهم من قومه لما يعلم من فسقهم وارتكابهم لفاحشة اللواط "وقال هذا يوم عصيب" أي شديد. قال الشاعر:
وإنك إن لم ترض بكر بن وائل يكن لك يوم بالعراق عصيب
يقال: عصيب وعصيصب وعصوصب على التكثير: أي يوم مكروه يجتمع فيه الشر، ومنه قيل: عصبة وعصابة: أي مجتمعو الكلمة، ورجل معصوب: أي مجتمع الخلق.
77-قوله تعالى: "ولما جاءت رسلنا"، يعني: هؤلاء الملائكة، "لوطا"، على صورة غلمان مرد حسان الوجوه، "سيء بهم"، أي: حزن لوط بمجيئهم، يقال: سؤته فسيء، كما يقال: سررته فسر. "وضاق بهم ذرعاً"، أي: قلبا. ويقال: ضاق ذرع فلان بكذا: إذا وقع في مكروه لا يطيق الخروج منه، وذلك أن لوطا عليه السلام لما نظر إلى حسن وجوههم وطيب روائحهم أشفق عليهم من قومه أن يقصدوهم بالفاحشة، وعلم أنه سيحتاج إلى المدافعة عنهم.
"وقال هذا يوم عصيب"، أي: شديد كأنه عصب به الشر والبلاء، أي: شد.
قال قتادة و السدي: خرجت الملائكة من عند إبراهيم عليه السلام نحو قرية لوط فأتوا لوطا نصف النهار، وهو في أرض له يعمل فيها.
وقيل: إنه كان يحتطب. وقد قال الله تعالى لهم: لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات، فاستضافوه فانطلق بهم، فلما مشى ساعة قال لهم: ما بلغكم أمر أهل هذه القرية: قالوا: وما أمرهم؟ قال: أشهد بالله إنها لشر قرية في الأرض عملا. يقول ذلك أربع مرات، فدخلوا معه منزله.
وروي: أن الملائكة جاؤوا إلى بيت لوط فوجدوه في داره ولم يعلم بذلك أحد إلا أهل بيت لوط، فخرجت امرأته فأخبرت قومها، وقالت: إن في بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم قط.
77."ولما جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم"ساءه مجيئهم لأنهم جاؤوه في صورة فلمان فظن أنهم أناس فخاف عليهم أن يقصدهم قومه فيعجز عن مدافعتهم."وضاق بهم ذرعاً"وضاق بمكانهم صدره ،وهو كناية عن شدة الانقباض للعجز عن مدافعة المكروه والاحتيال فيه."وقال هذا يوم عصيب"شديد من عصبه إذا شده.
77. And when Our messengers came unto Lot, he was distressed and knew not how to protect them. He said: This is a distressful day.
77 - When our messengers came to Lut, he was grieved on their account and felt himself powerless (to protect) them. he said: this is a distressful day.