79 - (سلام) منا (على نوح في العالمين)
وقوله "سلام على نوح في العالمين" يقول : أمنة من الله لنوح في العالمين أن يذكره أحد بسوء، وسلام مرفوع بعلى . وقد كان بعض أهل العربية من أهل الكوفة يقول : معناه : وتركنا عليه في الآخرين ، "سلام على نوح" أي تركنا عليه هذه الكلمة، كما تقول قرأت من القرآن الحمد لله رب العالمين فتكون الجملة في معنى نصب ، وترفعها باللام ، كذلك سلام على نوح ترفعه بعلى، وهو في تأويل نصب ، قال : ولو كان : تركنا عليه سلاماً، كان صواباً.
يقال : < سلام على نوح > أي تركنا عليه هذا الثناء الحسن . وهذا مذهب أبي العباس المبرد . أي تركنا عليه هذه الكلمة باقية ، يعني يسلمون عليه تسليماً ويدعون له ، وهو من الكلام المحكي ، كقوله تعالى : " سورة أنزلناها " [ النور : 1 ] والقول الآخر أن يكون المعنى وأبقينا عليه ، وتم الكلام ثم ابتدأ فقال : < سلام على نوح > أي سلامة له من أن يذكر بسوء < في الآخرين > قال الكسائي : وفي قراءة ابن مسعود < سلاماً > منصوب بـ < تركنا > أي تركنا عليه ثناء حسناً سلاماً ، وقيل : < في الآخرين > أي في أمة محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : في الأنبياء إذ لم يبعث بعده نبي إلا أمر بالاقتداء به ، قال الله تعالى : " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً " [ الشورى : 13 ] وقال سعيد بن المسيب : وبلغني أنه من قاله حين يمسي " سلام على نوح في العالمين " لم تلدغه عقرب . ذكره أبو عمر في التمهيد . وفي الموطأ " عن خولة بن حكيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أن رجلاً من أسلم قال : ما نمت هذه الليلة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أي شيء فقال : لدغتني عقرب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك " .
" من نزل منزلاً فليقل أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق فإنه لن يضره شيء حتى يرتحل " وفيه عن أبي هريرة .
لما ذكر تعالى عن أكثر الأولين أنهم ضلوا عن سبيل النجاة شرع يبين ذلك مفصلاً فذكر نوحاً عليه الصلاة والسلام وما لقي من قومه من التكذيب, وأنه لم يؤمن منهم إلا القليل مع طول المدة لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً فلما طال عليه ذلك واشتد عليه تكذيبهم, وكلما دعاهم ازدادوا نفرة فدعا ربه أني مغلوب فانتصر, فغضب الله تعالى لغضبه عليهم, ولهذا قال عز وجل: "ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون" أي فلنعم المجيبون له "ونجيناه وأهله من الكرب العظيم" وهو التكذيب والأذى "وجعلنا ذريته هم الباقين" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما يقول: لم تبق إلا ذرية نوح عليه السلام. وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تبارك وتعالى: "وجعلنا ذريته هم الباقين" قال الناس كلهم من ذرية نوح عليه السلام, وقد روى الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم من حديث سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: "وجعلنا ذريته هم الباقين" قال سام وحام ويافث وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم" ورواه الترمذي عن بشر بن معاذ العقدي عن يزيد بن زريع عن سعيد وهو ابن أبي عروبة عن قتادة به, قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر, وقد روي عن عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله, والمراد بالروم ههنا هم الروم الأول وهم اليونان المنتسبون إلى رومي بن ليطي بن يونان بن يافث بن نوح عليه السلام ثم روي من حديث إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: ولد نوح عليه السلام ثلاثة: سام ويافث وحام, وولد كل واحد من هؤلاء الثلاثة فولد سام العرب وفارس والروم, وولد يافث الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج, وولد حام القبط والسودان والبربر, وروي عن وهب بن منبه نحو هذا والله أعلم. وقوله تبارك وتعالى: " وتركنا عليه في الآخرين " قال ابن عباس رضي الله عنهما يذكر بخير, وقال مجاهد يعني لسان صدق للأنبياء كلهم, وقال قتادة والسدي أبقى الله عليه الثناء الحسن في الاخرين. وقال الضحاك السلام والثناء الحسن, وقوله تعالى: "سلام على نوح في العالمين" مفسر لما أبقى عليه الذكر الجميل والثناء الحسن أنه يسلم عليه في جميع الطوائف والأمم "إنا كذلك نجزي المحسنين" أي هكذا نجزي من أحسن من العباد في طاعة الله تعالى ونجعل له لسان صدق يذكر به بعده بحسب مرتبته في ذلك ثم قال تعالى: "إنه من عبادنا المؤمنين" أي المصدقين الموحدين الموقنين " ثم أغرقنا الآخرين " أي أهلكناهم فلم يبق منهم عين تطرف ولا ذكر ولا عين ولا أثر, ولا يعرفون إلا بهذه الصفة القبيحة.
والمتروك هذا هو قوله: 79- "سلام على نوح" أي تركنا هذا الكلام بعينه وارتفاعه على الحكاية، والسلام هو الثناء الحسن: أي يثنون عليه ثناءً حسناً ويدعون له ويترحمون عليه. قال الزجاج: تركنا عليه الذكر الجميل إلى يوم القيامة، وذلك الذكر هو قوله: "سلام على نوح". قال الكسائي: في ارتفاع سلام وجهان: أحدهما وتركنا عليه في الآخرين يقال سلام على نوح. والوجه الثاني أن يكون المعنى: وأبقينا عليه، وتم الكلام، ثم ابتدأ فقال: سلام على نوح: أي وسلامة له من أن يذكر بسوء في الآخرين. قال المبرد: أي تركنا عليه هذه الكلمة باقية: يعني يسلمون عليه تسليماً ويدعون له، وهو من الكلام المحكي كقوله: "سورة أنزلناها" وقيل إنه ضمن تركنا معنى قلنا. قال الكوفيون: جملة سلام على نوح في العالمين في محل نصب مفعول تركنا، لأنه ضمن معنى قلنا. قال الكسائي: وفي قراءة ابن مسعود سلاماً منصوب بتركنا: أي تركنا عليه ثناءً حسناً، وقيل المراد بالآخرين أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وفي العالمين متعلق بما تعلق به الجار والمجرور الواقع خبراً، وهو على نوح: أي سلام ثابت أو مستمر أو مستقر على نوح في العالمين من الملائكة والجن والإنس، وهذا يدل على عدم اختصاص ذلك بأمة محمد صلى الله عليه وسلم كما قيل.
79. " سلام على نوح في العالمين "، [أي: سلام عليه منا في العالمين]. وقيل: أي تركنا عليه في الآخرين أن يصلى عليه إلى يوم القيامة.
79-" سلام على نوح " هذا الكلام جيء به على الحكاية والمعنى يسلمون عليه تسليماً .وقيل هو سلام من الله عليه ومفعول " تركنا " محذوف مثل الثناء . " في العالمين " متعلق بالجار والمجرور ومعناه الدعاء بثبوت هذه التحية في الملائكة والثقلين جميعاً .
79. Peace be unto Noah among the peoples!
79 - Peace and salutation to Noah among the nations.