8 - (أولم يتفكروا في أنفسهم ما) ليرجعوا عن غفلتهم (خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن) تفنى عند انتهائه وبعده البعث (كثيرا من الناس بلقاء) كفار مكة (ربهم لكافرون أولم) لا يؤمنون بالبعث بعد الموت
يقول تعالى ذكره: أولم يتفكر هؤلاء المكذبون بالبعث يا محمد من قومك في خلق الله إياهم، وأنه خلقهم ولم يكونوا شيئاً، ثم صرفهم أحوالاً وتارات حتى صاروا رجالاً، فيعلموا أن الذي فعل ذلك قادر أن يعيدهم بعد فنائهم خلقاً جديداً، ثم يجازى المحسن منهم بإحسانه، والمسيء بإساءته، لا يظلم أحداً منهم فيعاقبه بجرم غيره، ولا يحرم أحداً منهم جزاء عمله، لأن العدل الذي لا يجوز ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالعدل، وإقامة الحق. وأجل مسمى: يقول: وبأجل مؤقت مسمى، إذا بلغت ذلك الوقت أفنى ذلك كله، وبدل الأرض غير الأرض والسماوات، وبرزوا لله الواحد القهار، وإن كثيراً من الناس بقاء ربهم جاحدون منكرون، جهلاً منهم بأن معادهم إلى الله بعد فنائهم، وغفلة منهم عن الآخرة.
قوله تعالى: "أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون".
قوله تعالى:"في أنفسهم" ظرف للتكفر بمفعول، تعدى إليه يتفكروا بحرف جر، لأنهم لم يؤمروا أن يتفكروا في خلق أنفسهم، وإنما أمروا أن يستعملوا التكفر في خلق السماوات والأرض وأنفسهم، حتى يعلموا أن الله لم يخلق السماوات وغيرها إلا بالحق. قال الزجاج: في الكلام حذف، أي فيعلموا، لأن في الكلام دليلاً عليه. "إلا بالحق" قال الفراء: معناه إلا للحق، يعني الثواب والعقاب. وقيل: إلا لإقامة الحق وقيل: بالحق بالعدل. وقيل: بالحكمة، والمعنى متقارب. وقيل: بالحق أي أنه هو الحق وللحق خلقها، وهو الدلالة على توحيده وقدرته. "وأجل مسمى" أي للسماوات والأرض أجل ينتهيان إليه وهو يوم القيامة. وفي هذا تنبيه على الفناء، وعلى أن لكل مخلوق أجلاً، وعلى ثواب المحسن وعقاب المسيء. وقيل: وأجل مسمى أي خلق ما خلق في وقت سماه لأن بخلق ذلك الشيء فيه. "وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون" اللام للتوكيد، والتقدير: لكافرون بلقاء ربهم، على التقديم والتأخير، أي لكافرون بالبعث بعد الموت. وتقول: إن زيداً في الدار لجالس. ولو قلت: إن زيداً لفي الدار لجالس جاز. فإن قلت: إن زيداً جالس لفي الدار لم يجز، لأن اللام إنما يؤتى بها توكيداً لاسم إن وخبرها، وإذا جئت بهما لم يجز أن يأتي بها. وكذا قلت: إن زيداً لجالس لفي الدار لم يجز.
يقول تعالى منبهاً على التفكر في مخلوقاته الدالة على وجوده وانفراده بخلقها, وأنه لا إله غيره ولا رب سواه, فقال "أولم يتفكروا في أنفسهم" يعني به النظر والتدبر والتأمل لخلق الله الأشياء من العالم العلوي والسفلي وما بينهما من المخلوقات المتنوعة والأجناس المختلفة, فيعلموا أنها ما خلقت سدى ولا باطلاً بل بالحق, وأنها مؤجلة إلى أجل مسمى وهو يوم القيامة, ولهذا قال تعالى: "وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون" ثم نبههم على صدق رسله فيما جاؤوا به عنه, بما أيدهم من المعجزات والدلائل الواضحات من إهلاك من كفر بهم ونجاة من صدقهم, فقال تعالى: "أولم يسيروا في الأرض" أي بأفهامهم وعقولهم ونظرهم وسماع أخبار الماضين, ولهذا قال "فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة" أي كانت الأمم الماضية والقرون السالفة أشد منكم أيها المبعوث إليهم محمد صلى الله عليه وسلم وأكثر أموالاً وأولاداً, وما أوتيتم معشار ما أوتوا, ومكنوا في الدنيا تمكيناً لم تبلغوا إليه وعمروا فيها أعماراً طوالاً, فعمروها أكثر منكم, واستغلوها أكثر من استغلالكم, ومع هذا فلما جاءتهم رسلهم بالبينات وفرحوا بما أوتوا, أخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق, ولا حالت أموالهم ولا أولادهم بينهم وبين بأس الله, ولا دفعوا عنهم مثقال ذرة, وما كان الله ليظلمهم فيما أحل بهم من العذاب والنكال "ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" أي وإنما أوتوا من أنفسهم حيث كذبوا بآيات الله واستهزؤوا بها, وما ذاك إلا بسبب ذنوبهم السالفة وتكذيبهم المتقدم, ولهذا قال تعالى: " ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون " كما قال تعالى: "ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون" وقال تعالى: "فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم" وقال تعالى: "فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم" وعلى هذا تكون السوأى منصوبة مفعولاً لأساؤوا, وقيل بل المعنى في ذلك "ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى" أي كانت السوأى عاقبتهم لأنهم كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون. فعلى هذا تكون السوأى منصوبة خبر كان, هذا توجيه ابن جرير , ونقله عن ابن عباس وقتادة , ورواه ابن أبي حاتم عنهما وعن الضحاك بن مزاحم , وهو الظاهر ـ والله أعلم ـ لقوله "وكانوا بها يستهزئون".
8- " أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما " الهمزة للإنكار عليهم والواو للعطف على مقدر كما في نظائره، وفي أنفسهم ظرف للتفكر وليس مفعولاً للتفكر والمعنى: أن أسباب التفكر حاصلة لهم، وهي أنفسهم لو تفكروا فيها كما ينبغي لعلموا وحدانية الله وصدق أنبيائه. وقيل إنها مفعول للتفكر. والمعنى: أو لم يتفكروا في خلق الله إياهم ولم يكونوا شيئاً، و ما في ما خلق الله نافية: أي لم يخلقها إلا بالحق الثابت الذي يحق ثبوته أو هي اسم في محل نصبعلى إسقاط الخافض: أي بما خلق الله والعامل فيها إما العلم الذي يؤدي إليه التفكر وقال الزجاج في الكلام حذف: أي فيعلموا، فجعل ما معمولة للفعل المقدر لا للعلم المدلول عليه، والباء في "إلا بالحق" إما للسببية، أو هي ومجرورها في محل نصب على الحال: أي ملتبسة بالحق. قال الفراء: معناه إلا للحق: أي للثواب والعقاب، وقيل بالحق بالعدل، وقيل بالحكمة، وقيل بالحق: أي أنه هو الحق وللحق خلقها "وأجل مسمى" معطوف على الحق: أي وبأجل مسمى للسموات والأرض وما بينهما تنتهي إليه، وهو يوم القيامة، وفي هذا تنبيه على الفناء، وأن لكل مخلوق أجلاً لا يجاوزه. وقيل معنى "وأجل مسمى" أنه خلق ما خلق في وقت سماه لخلق ذلك الشيء "وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون" أي لكافرون بالبعث بعد الموت، واللام هي المؤكدة، والمراد بهؤلاء الكفار على الإطلاق، أو كفار مكة.
8- "أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق"، أي: للحق، وقيل: لإقامة الحق، "وأجل مسمى"، أي: لوقت معلوم إذا انتهت إليه فنيت، وهو القيامة، "وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون".
8 -" أولم يتفكروا في أنفسهم " أو لم يحدثوا التفكر فيها ، أو أولم يتفكروا في أمر أنفسهم فإنها أقرب إليهم من غيرها ومرآة يجتلى فيها للمستبصر ما يجتلى له في الممكنات بأسرها ليتحقق لهم قدرة مبدعها على إعادتها مثل قدرته على إبدائها . " ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق " متعلق بقول أو علم محذوف يدل عليه الكلام . " وأجل مسمى " تنتهي عنده ولا تبقى بعده . " وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم " بلقاء جزائه عند انقضاء الأجل المسمى أو قيام الساعة . " لكافرون " جاحدون يحسبون أن الدنيا أبدية وأن الآخرة لا تكون .
8. Have they not pondered upon themselves? Allah created not the heavens and the earth, and that which is between them, save with truth and for a destined end. But truly many of mankind are disbelievers in the meeting with their Lord.
8 - Do they not reflect in their own minds? not but for just ends and for a term appointed, did God create the heavens and the earth, and all between them: yet are there truly many among men who deny the meeting with their Lord (At the Resurrection)!