8 - (ليسأل) الله (الصادقين عن صدقهم) في تبليغ الرسالة تبكيتا للكافرين بهم (وأعد) تعالى (للكافرين) بهم (عذابا أليما) مؤلما هو عطف على أخذنا
يقول تعالى ذكره: أخذنا من هؤلاء الأنبياء ميثاقهم كيما أسأل المرسلين عما أجابتهم به أممهم، وما فعل قومهم بما أبلغوهم عن ربهم من الرسالة.
وبنحو قولنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد " ليسأل الصادقين عن صدقهم " قال: المبلغين المؤدين من الرسل.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد " ليسأل الصادقين عن صدقهم " قال:المبلغين المؤدين من الرسل.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد " ليسأل الصادقين عن صدقهم " قال: الرسل المؤدين المبلغين.
قوله تعالى :" ليسأل الصادقين عن صدقهم " فيه أربعة أوجه:
أحدهما : ليسأل الأنبياء عن تبليغهم الرسالة إلى قومهم، حكاه النقاش وفي هذا تنبيه أ] إذا كان الأنبياء يسألون فكيف من سواهم .
الثاني: ليسأل الأنبياء عما أجابهم به قومهم، حكاه علي بن عيسى .
الثالث: ليسأل الأنبياء عليهم السلام عن الوفاء بالميثاق الذي أخذه عليهم حكاه ابن شجرة .
الرابع: ليسأل الأفواه الصادقة عن القلوب المخلصة ، وفي التنزيل " فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين " [ الأعراف: 6] وقد تقدم وقيل: فائدة سؤالهم توبيخ الكفار، كما قال تعالى : " أأنت قلت للناس" [المائدة: 116] " وأعد للكافرين عذابا أليما"
وهو عذاب جهنم.
يقول الله تعالى مخبراً عن أولي العزم الخمسة وبقية الأنبياء أنه أخذ عليهم العهد والميثاق في إقامة دين الله تعالى, وإبلاغ رسالته والتعاون والتناصر والاتفاق, كما قال تعالى: " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين " فهذا العهد والميثاق أخذ عليهم بعد إرسالهم, وكذلك هذا, ونص من بينهم على هؤلاء الخمسة وهم أولو العزم, وهو من باب عطف الخاص على العام, وقد صرح بذكرهم أيضاً في هذه الاية, وفي قوله تعالى: " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا " فذكر الطرفين, والوسط الفاتح, والخاتم, ومن بينهما على الترتيب, فهذه هي الوصية التي أخذ عليهم الميثاق بها, كما قال تعالى: " وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم " فبدأ في هذه الاية بالخاتم لشرفه صلوات الله عليه, ثم رتبهم بحسب وجودهم صلوات الله عليهم.
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة الدمشقي , حدثنا محمد بن بكار , حدثنا سعيد بن بشير , حدثني قتادة عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: "وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح" الاية. قال النبي صلى الله عليه وسلم "كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث فبدأ بي قبلهم" سعيد بن بشير فيه ضعف, وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة مرسلاً وهو أشبه, ورواه بعضهم عن قتاده موقوفاً: والله علم.
وقال أبو بكر البزار : حدثنا عمرو بن علي , حدثنا أبو أحمد حدثنا حمزة الزيات , حدثنا عدي بن ثابت عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خيار ولد آدم خمسة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين, وخيرهم محمد صلى الله عليه وسلم. موقوف و حمزة فيه ضعف, وقد قيل إن المراد بهذا الميثاق الذي أخذ منهم حين أخرجوا في صورة الذر من صلب آدم عليه الصلاة والسلام, كما قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب قال: ورفع أباهم آدم, فنظر إليهم يعني ذريته, وأن فيهم الغني والفقير وحسن الصورة ودون ذلك, فقال: رب لو سويت بين عبادك, فقال: إني أحببت أن أشكر, ورأى فيهم الأنبياء مثل السرج عليهم النور, وخصوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة, وهو الذي يقول الله تعالى: " وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم " وهذا قول مجاهد أيضاً, وقال ابن عباس : الميثاق الغليظ العهد.
وقوله تعالى: "ليسأل الصادقين عن صدقهم" قال مجاهد : المبلغين المؤدين عن الرسل. وقوله تعالى: "وأعد للكافرين" أي من أممهم "عذاباً أليماً" أي موجعاً فنحن نشهد أن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم, ونصحوا الأمم وأفصحوا لهم عن الحق الجلي الذي لا لبس فيه ولا شك ولا امتراء, وإن كذبهم من كذبهم من الجهلة والمعاندين والمارقين والقاسطين, فما جاءت به الرسل هو الحق, ومن خالفهم فهو على الضلال.
واللام في قوله: 8- "ليسأل الصادقين عن صدقهم" يجوز أن تكون لام كي: أي لكي يسأل الصادقين من النبيين عن صدقهم في تبليغ الرسالة إلى قومهم، وفي هذا وعيد لغيرهم، لأنهم إذا كانوا يسألون عن ذلك فكيف غيرهم. وقيل ليسأل الأنبياء عما أجابهم به قومهم كما في قوله: "فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين" ويجوز أن تتعلق بمحذوف: أي فعل ذلك ليسأل، "وأعد للكافرين عذاباً أليماً" معطوف على ما دل عليه "ليسأل الصادقين" إذ التقدير: أثاب الصادقين وأعد للكافرين، ويجوز أن يكون معطوفاً على أخذنا، لأن المعنى: أكد على الأنبياء الدعوة إلى دينه ليثيب المؤمنين وأعد للكافرين. وقيل إنه قد حذف من الثاني ما أثبت مقابله في الأول، ومن الأول ما أثبت مقابله في الثاني، والتقدير: ليسال الصادقين عن صدقهم فأثابهم، ويسأل الكافرين عما أجابوا به رسلهم وأعد لهم عذاباً أليماً. وقيل إنه معطوف على المقدر عاملاً في ليسأل كما ذكرنا، ويجوز أن يكون الكلام قد تم عند قوله: "ليسأل الصادقين عن صدقهم" وتكون جملة "وأعد لهم" مستأنفة لبيان ما أعده للكفار.
8- "ليسأل الصادقين عن صدقهم"، يقول: أخذنا ميثاقهم لكي نسأل الصادقين عن صدقهم، يعني النبيين عن تبليغهم الرسالة. والحكمة في سؤالهم، مع علمه أنهم صادقون، تبكيت من أرسلوا إليهم.
وقيل: ليسأل الصادقين عن عملهم لله عز وجل. وقيل: ليسأل الصادقين بأفواههم عن صدقهم في قلوبهم. "وأعد للكافرين عذاباً أليماً".
8 -" ليسأل الصادقين عن صدقهم " أي فعلنا ذلك ليسأل الله يوم القيامة الأنبياء الذين صدقوا عهدهم عما قالوه لقومهم ، أو تصديقهم إياهم تبكيتاً لهم أو المصدقين لهم عن تصديقهم فإن مصدق الصادق صادق ، أو المؤمنين الذين صدقوا عهدهم حين أشهدهم على أنفسهم عن صدقهم عهدهم . " وأعد للكافرين عذاباً أليماً " عطف على " أخذنا " من جهة أن بعثة الرسل وأخذ الميثاق منهم لإثابة المؤمنين ، أو على ما دل عليه ليسأل كأنه قال فأثاب المؤمنين وأعد للكافرين .
8. That He may ask the loyal of their loyalty. And He hath prepared a painful doom for the unfaithful.
8 - That (God) may question the (Custodians) of Truth concerning the Truth they (were charged with): and He has prepared for the Unbelievers a grievous Penalty.