8 - (إنه) تعالى (على رجعه) بعث الإنسان بعد موته (لقادر) فاذا اعتبر أصله علم أن القادر على ذلك قادر على بعثه
وقوله : ( إنه على جمعه لقادر ) يقول تعالى ذكره : إن هذا الذي خلقكم أيها الناس من هذا الماء الدافق ، فجعلكم بشراً سوياً ، بعد أن كنتم ماء مدفوقاً ، على رجعه لقادر .
واختلف أهل التأويل في الهاء في قوله " على رجعه " على ما هي عائدة ، فقال بعضهم : هي عائدة على الماء ، وقالوا : معنى الكلام : إن الله على رد النطفة في الموضع التي خرجت منه " لقادر " .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن عكرمة ، في قوله " إنه على رجعه لقادر " قال : إنه على رده في صلبه لقادر .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي رجاء ، عن عكرمة ، في قوله " إنه على رجعه لقادر " قال : للصلب .
حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري ، قال : ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله " إنه على رجعه لقادر " قال : على أن يرد الماء في الإحليل .
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي الوشاء قال : ثنا أبو قطن عمرو بن الهيثم ، عن ورقاء ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن مجاهد ، في قوله " إنه على رجعه لقادر " قال : على رد النطفة في الإحليل .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " إنه على رجعه لقادر " قال : في الإحليل .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد " إنه على رجعه لقادر " قال : رده في الإحليل .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنه على رد الإنسان ماء كما كان قبل أن يخلقه منه .
ذكر من قال ذلك :
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " إنه على رجعه لقادر " إن شئت رددته كما خلقته من ماء .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنه على حبس ذلك الماء لقادر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " إنه على رجعه لقادر " قال : على رجع ذلك الماء لقادر ، حتى لا يخرج ، كما قدر على أن يخلق منه ما خلق ، قادر على أن يرجعه .
وقال آخرون : بل معنى ذلك أنه قادر على رجع الإنسان من حال الكبر إلى حال الصغر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسين ، عن مقاتل بن حيان ، عن الضحاك قال : سمعته يقول في قوله " إنه على رجعه لقادر " يقول : إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب ، ومن الشباب إلى الصبا ، ومن الصبا إلى النطفة ، وعلى هذا التأويل تكون الهاء في قوله " على رجعه " من ذكر الإنسان .
وقال آخرون ممن زعم أن الهاء للإنسان : معنى ذلك إنه على إحيائه بعد مماته لقادر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " إنه على رجعه لقادر " إن الله تعالى ذكره على بعثه وإعادته قادر .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال معنى ذلك : إن الله على رد الإنسان المخلوق من ماء دافق من بعد مماته حياً كهيئته قبل مماته لقادر .
وإنما قلت هذا أولى الأقوال في ذلك بالصواب ، لقوله " يوم تبلى السرائر " فكان في إتباعه قوله " إنه على رجعه لقادر " نبأ من أنباء القيامة ، دلالة على أن السابق قبلها أيضاً منه ، " يوم تبلى السرائر " يقول تعالى ذكره : إنه على إحيائه بعد مماته لقادر ، يوم تبلى السرائر ، فاليوم من صفة الرجع ، لأن المعنى : إنه على رجعه يوم تبلى السرائر لقادر .
الأبيات المشهورة معروفة .قوله تعالى:" إنه على رجعه لقادر" أي إن الله جل ثناؤه" على رجعه" أي على رد الماء في الأحليل، " لقادر" كذا قال مجاهد والضحاك . وعنهما أيضاً أن المعنى: إنه على رد الماء في الصلب، وقاله عكرمة. وعن الضحاك أيضاً أن المعنى: إنه على رد الإنسان ماء كما كان لقادر. وعنه أيضاً أن المعنى: إنه على رد الإنسان من الكبر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الكبر، لقادر. وكذا في المهدوي . وفي الماوردي والثعلبي: إلى الصبا، ومن الصبا إلى النطفة. وقال ابن زيد:إنه على حبس ذلك الماء حتى لا يخرج، لقادر. وقال ابن عباس وقتادة والحين وعكرمة أيضاً: إنه على رد الإنسان بعد الموت لقادر. وهو اختيار الطبري. الثعلبي، وهو الأقوى، لقوله " يوم تبلى السرائر".
يقسم تبارك وتعالى بالسماء وما جعل فيها من الكواكب النيرة ولهذا قال تعالى: " والسماء والطارق " ثم قال: "وما أدراك ما الطارق" ثم فسره بقوله: "النجم الثاقب" قال قتادة وغيره: إنما سمي النجم طارقاً لأنه إنما يرى بالليل ويختفي بالنهار, ويؤيده ما جاء في الحديث الصحيح نهى أن يطرق الرجل أهله طروقاً أي يأتيهم فجأة بالليل, وفي الحديث الاخر المشتمل على الدعاء "إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن". وقوله تعالى: "الثاقب" قال ابن عباس : المضيء وقال السدي : يثقب الشياطين إذا أرسل عليها, وقال عكرمة : هو مضيء ومحرق للشيطان.
وقوله تعالى: "إن كل نفس لما عليها حافظ" أي كل نفس عليها من الله حافظ يحرسها من الافات كما قال تعالى: "له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله". وقوله تعالى: " فلينظر الإنسان مم خلق " تنبيه للإنسان على ضعف أصله الذي خلق منه وإرشاد له إلى الاعتراف بالمعاد, لأن من قدر على البداءة فهو قادر على الإعادة بطريق الأولى كما قال تعالى: "وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه" وقوله تعالى: "خلق من ماء دافق" يعني المني يخرج دفقاً من الرجل والمرأة, فيتولد منهما الولد, بإذن الله عز وجل, ولهذا قال: "يخرج من بين الصلب والترائب" يعني صلب الرجل وترائب المرأة وهو صدرها. وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس "يخرج من بين الصلب والترائب " صلب الرجل وترائب المرأة أصفر رقيق لا يكون الولد إلا منهما, وكذا قال سعيد بن جبير وعكرمة وقتادة والسدي وغيرهم, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا أبو أسامة عن مسعر , سمعت الحكم ذكر عن ابن عباس "يخرج من بين الصلب والترائب" قال: هذه الترائب, ووضع يده على صدره.
وقال الضحاك وعطية عن ابن عباس : تريبة المرأة موضع القلاده, وكذا قال عكرمة وسعيد بن جبير , وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : الترائب بين ثدييها, وعن مجاهد : الترائب ما بين المنكبين إلى الصدر, وعنه أيضاً: الترائب أسفل من التراقي, وقال سفيان الثوري : فوق الثديين, وعن سعيد بن جبير : الترائب أربعة أضلاع من هذا الجانب الأسفل وعن الضحاك : الترائب بين الثديين والرجلين والعينين, وقال الليث بن سعد عن معمر بن أبي حبيبة المدني أنه بلغه في قول الله عز وجل: "يخرج من بين الصلب والترائب" قال: هو عصارة القلب من هناك يكون الولد, وعن قتادة "يخرج من بين الصلب والترائب" من بين صلبه ونحره.
وقوله تعالى: "إنه على رجعه لقادر" فيه قولان (أحدهما) على رجع هذا الماء الدافق, إلى مقره الذي خرج منه لقادر على ذلك. قاله مجاهد وعكرمة وغيرهما. (والقول الثاني) إنه على رجع هذا الإنسان المخلوق من ماء دافق أي إعادته وبعثه إلى الدار الاخرة لقادر لأن من قدر على البداءة قدر على الإعادة, وقد ذكر الله عز وجل هذا الدليل في القرآن في غير ما موضع, وهذا القول قال به الضحاك واختاره ابن جرير ولهذا قال تعالى: "يوم تبلى السرائر" أي يوم القيامة تبلى فيه السرائر أي تظهر وتبدو ويبقى السر علانية والمكنون مشهوراً, وقد ثبت في الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يرفع لكل غادر لواء عند استه يقال هذه غدرة فلان بن فلان" وقوله تعالى: "فما له" أي الإنسان يوم القيامة "من قوة" أي في نفسه "ولا ناصر" أي من خارج منه أي لا يقدر على أن ينقذ نفسه من عذاب الله ولا يستطيع له أحد ذلك.
8- "إنه على رجعه لقادر" الضمير في إنه يرجع إلى الله سبحانه لدلالة قوله: خلق عليه، فإن الذي خلقه هو الله سبحانه، والضمير في رجعه عائد إلى الإنسان، والمعنى: أن الله سبحانه على رجعل الإنسان: أي إعادته بالبعث بعد الموت لقادر هكذا قال جماعة من المفسرين: وقال مجاهد: على أن يرد الماء في الإحليل. وقال عكرمة والضحاك: على أن يرد الماء في الصلب. وقال مقاتل ابن حيان يقول: إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الصبا، ومن الصبا إلى النطفة. وقال ابن زيد: إنه على حبس ذلك الماء حتى لا يخرج لقادر، والأول أظهر، ورجحه ابن جرير والثعلبي والقرطبي.
8- "إنه على رجعه لقادر"، قال مجاهد: على رد النطفة في الإحليل. وقال عكرمة: على رد الماء في الصلب الذي خرج منه. وقال الضحاك: إنه على رد الإنسان ماءً كما كان من قبل لقادر. وقال مقاتل بن حيان: إن شاء رده من الكبر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الصبا، ومن الصبا إلى النطفة، وقال ابن زيد: إنه على حبس ذلك الماء لقادر حتى لا يخرج وقال قتادة: إن الله تعالى على بعث الإنسان وإعادته قادر.
8-" إنه على رجعه لقادر " والضمير للخالق ويدل عليه " خلق "
8. Lo! He verily is Able to return him (unto life)
8 - Surely (God) is able to bring him back (to life)!