8 - (جزاؤهم عند ربهم جنات عدن) إقامة (تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم) بطاعته (ورضوا عنه) بثوابه (ذلك لمن خشي ربه) خاف عقابه فانتهى عن معصيته تعالى
يقول تعالى ذكره : ثواب هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات عند ربهم يوم القيامة " جنات عدن " يعني بساتين إقامة لا ظعن فيها ، تجري من تحت أشجارها الأنهار " خالدين فيها أبدا " يقول : ماكثين فيها أبداً ، لا يخرجون عنها ، ولا يموتون فيها " رضي الله عنهم " بما أطاعوه في الدنيا ، وعملوا لخلاصهم من عقابه في ذلك " ورضوا عنه " بما أعطاهم من الثواب يومئذ ، على طاعتهم ربهم في الدنيا وجزاهم عليها من الكرامة .
وقوله : " ذلك لمن خشي ربه " يقول تعالى ذكره : هذا الخير الذي وصفته ووعدته الذين آمنوا وعملوا الصالحات يوم القيامة ، لمن خشيء ربه : يقول : لمن خالف الله في الدنيا في سره وعلانيته ، فاتقاه بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه ، وبالله التوفيق .
قوله تعالى:" جزاؤهم" أي ثوابهم." عند ربهم" أي خالقهم ومالكهم.
" جنات" أي بساتين " عدن" أي إقامة. والمفسرون يقولون: (جنات عدن) بطنان الجنة، أي وسطها، تقول: عدن بالمكان يعدن عدنا وعدونا: أقام. ومعدن الشيء: مركزه مستقره. قال الأعشى:
وإن يستضافوا إلى حكمه يضافوا إلى راجح قد عدن
" تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا " لايظعنون ولايموتون.
" رضي الله عنهم" أي رضي أعمالهم، كذا قال ابن عباس. " ورضوا عنه" أي رضوا هم بثواب الله عز وجل " ذلك " أي الجنة. "لمن خشي ربه" أي خاف ربه، فتناهى عن المعاصي.
يخبر تعالى عن مآل الفجار من أهل الكتاب والمشركين المخالفين لكتب الله المنزلة وأنبياء الله المرسلة أنهم يوم القيامة في نار جهنم خالدين فيها أي ماكثين لا يحولون عنها ولا يزولون "أولئك هم شر البرية" أي شر الخليقة التي برأها الله وذرأها ثم أخبر تعالى عن حال الأبرار الذين آمنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بأبدانهم بأنهم خير البرية, وقد استدل بهذه الاية أبو هريرة وطائفة من العلماء على تفضيل المؤمنين من البرية على الملائكة لقوله: "أولئك هم خير البرية" ثم قال تعالى: "جزاؤهم عند ربهم" أي يوم القيامة "جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً" أي بلا انفصال ولا انقضاء ولا فراغ "رضي الله عنهم ورضوا عنه" ومقام رضاه عنهم أعلى مما أوتوه من النعيم المقيم "ورضوا عنه" فيما منحهم من الفضل العميم.
وقوله تعالى: "ذلك لمن خشي ربه" أي هذا الجزاء حاصل لمن خشي الله واتقاه حق تقواه, وعبده كأنه يراه وعلم أنه إن لم يره فإنه يراه. وقال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى , حدثنا أبو معشر عن أبي وهب مولى أبي هريرة , عن أبي هريرة . قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بخير البرية ؟ قالوا بلى يا رسول الله. قال: رجل آخذ بعنان فرسه في سبيل الله كلما كانت هيعة استوى عليه. ألا أخبركم بخير البرية ؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: رجل في ثلة من غنمه يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة. ألا أخبركم بشر البرية ؟ قالوا: بلى قال: الذي يسأل بالله ولا يعطي به". آخر تفسير سورة لم يكن, ولله الحمد والمنة.
8- "جزاؤهم عند ربهم" أي ثوابهم عند خالقهم بمقابلة ما وقع منهم من الإيمان والعمل الصالح "جنات عدن تجري من تحتها الأنهار" والمراد بجنات عدن هي أوسط الجنات وأفضلها، يقال عدن بالمكان يعدن عدناً: أي أقام، ومعدن الشيء: مركزه ومستقره، ومنه قول الأعشى:
وإن يتضافوا إلى علمه يضافوا إلى راجح قد عدن
وقد قدمنا في غير موضع أنه إن أريد بالجنات الأشجار الملتفة، فجريان الأنهار من تحتها ظاهر، وإن أريد مجموع قرار الأرض والشجر، فجري الأنهار من تحتها باعتبار جزئها الظاهر، وهو الشجر "خالدين فيها أبداً" لا يخرجون منها ولا يظعنون عنها، بل هم دائمون في نعيمها مستمرون في لذاتها "رضي الله عنهم ورضوا عنه" الجملة مستأنفة لبيان ما تفضل الله به عليهم من الزيادة على مجر الجزاء، وهو رضوانه عنهم حيث أطاعوا أمره وقبلوا شرائعه، ورضاهم عنه حيث بلغوا من المطالب ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ويجوز أن تكون الجملة خبراً ثانياً، وأن تكون في محل نصب على الحال بإضمار قد "ذلك لمن خشي ربه" أي ذلك الجزاء والرضوان لمن وقعت منه الخشية لله سبحانه في الدنيا وانتهى عن معاصيه بسبب تلك الخشية التي وقعت التي وقعت له لا مجرد الخشية مع الأنهماك في معاصي الله سبحانه فإنها ليست بخشية على الحقيقة.
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "منفكين" قال: برحين. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: أتعجبون من منزلة الملائكة من الله، والذي نفسي بيده لمنزلة العبد المؤمن عند الله يوم القيامة أعظم من منزلة ملك، وقرأوا إن شئتم "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية". وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت: "قلت يا رسول الله من أكرم الخلق على الله؟ قال: يا عائشة أما تقرئين "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية"". وأخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال: "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل علي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، ونزلت "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية" فكان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا أقبل قالوا: قد جاء خير البرية". وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعاً "على خير البرية". وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: "لما نزلت هذه الآية "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين". وأخرج ابن مردويه عن علي مرفوعاً نحوه. وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بخير البرية؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: رجل أخذ بعنان فرسه في سبيل الله كلما كانت هيعة استوى عليه، ألا أخبركم بشر البرية؟ قالوا بلى، قال: الذي يسأل بالله ولا يعطي به". قال أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى، حدثنا أبو معشر عن أبي وهب مولى أبو هريرة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره.
8- "جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه"، وتناهى عن المعاصي.
وقيل: الرضا ينقسم إلى قسمين: رضاً به ورضاً عنه، فالرضا به: رباً ومدبراً، والرضا عنه: فيما يقضي ويقدر.
قال السدي رحمه الله: إذا كنت لا ترضى عن الله فكيف تسأله الرضا عنك؟
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة عن أنس بن مالك "قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي: إن الله تعالى أمرني أن أقرأ عليك: "لم يكن الذين كفروا"، قال: وسماني؟ قال: نعم فبكى".
وقال همام عن قتادة: "أمرني أن أقرأ عليك القرآن".
8-" جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً " فيه مبالغات تقديم المدح ، وذكر الجزاء المؤذن بأن ما منحوا في مقابلة ما وصفوا به والحكم عليه بأن من " عند ربهم " ، وجمع " جنات " استئناف بما يكون لهم زيادة على جزائهم . ووصفوا عنه لأنه بلغهم أقصى أمانيهم . " ذلك " أي المذكور من الجزاء والرضوان . "لمن خشي ربه " فإن الخشية ملاك الأمر والباعث على كل خير .
عن النبي صلى الله عليه وسلم" من قرأ سورة لم يكن الذين كفروا كان يوم القيامة مع خير البرية مساء ومقيلاً " .
8. Their reward is with their Lord: Gardens of Eden underneath which rivers flow, wherein they dwell for ever. Allah hath pleasure in them and they have pleasure in Him. This is (in store) for him who feareth his Lord.
8 - Their reward is with God: Gardens of Eternity, beneath which rivers flow; they will dwell therein for ever; God well pleased with them, and they with Him: all this for such as fear their Lord and Cherisher.