81 - (أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر) مع عظمها (على أن يخلق مثلهم بلى) أي الأناسي في الصغر (وهو) أي هو قادر على ذلك أجاب نفسه (الخلاق العليم) الكثير الخلق (إنما) بكل شيء
وقوله " أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم " يقول تعالى ذكره منبهاً هذا الكافر الذي قال " من يحيي العظام وهي رميم " على خطأ قوله، وعظيم جهله " أوليس الذي خلق السماوات " السبع " والأرض بقادر على أن يخلق " مثلكم، فإن خلق مثلكم من العظام الرميم ليس بأعظم من خلق السماوات والأرض. يقول: فمن لم يتعذر عليه خلق ما هو أعظم من خلقكم، فكيف يتعذر عليه إحياء العظام بعد ما قد رمت وبليت؟ وقوله " بلى وهو الخلاق العليم " يقول: بلى هو قادر على أن يخلق مثلهم وهو الخلاق لما يشاء، الفعال لما يريد، العليم بكل ما خلق ويخلق، لا يخفى عليه خافية.
ثم قال تعالى محتجاً : " أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم " أي أمثال المنكرين للبعث . وقرأ سلام أبو المنذر و يعقوب الحضرمي : < يقدر على أن يخلق مثلهم > على أنه فعل . " بلى " أي إن خلق السماوات والأرض أعظم من خلقهم ، فالذي خلق السماوات والأرض يقدر على أن يبعثهم " وهو الخلاق العليم " وقرأ الحسن باختلاف عنه < الخالق > .
يقول تعالى مخبراً منبهاً على قدرته العظيمة في خلق السموات السبع بما فيها من الكواكب السيارة والثوابت والأرضين السبع, وما فيه من جبال ورمال وبحار وقفار, وما بين ذلك, ومرشداً إلى الاستدلال على إعادة الأجساد بخلق هذه الأشياء العظيمة, كقوله تعالى: "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس" وقال عز وجل ههنا: "أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ؟" أي مثل البشر, فيعيدهم كما بدأهم, قاله ابن جرير : وهذه الاية الكريمة كقوله عز وجل: " أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير " وقال تبارك وتعالى ههنا " بلى وهو الخلاق العليم * إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون " أي إنما يأمر بالشيء أمراً واحداً لا يحتاج إلى تكرار أو تأكيد:
إذا ما أراد الله أمراً فإنما يقول له كن فيكون
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن نمير , حدثنا موسى بن المسيب عن شهر عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى يقول: يا عبادي كلكم مذنب إلا من عافيت, فاستغفروني أغفر لكم, وكلكم فقير إلا من أغنيت, إني جواد ماجد واجد أفعل ما أشاء, عطائي كلام وعذابي كلام, إذا أردت شيئاً فإنما أقول له كن فيكون".
وقوله تعالى: "فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون" أي تنزيه وتقديس وتبرئة من السوء للحي القيوم الذي بيده مقاليد السموات والأرض, وإليه يرجع الأمر كله, وله الخلق والأمر وإليه يرجع العباد يوم المعاد, فيجازي كل عامل بعمله وهو العادل المنعم المتفضل. ومعنى قوله سبحانه وتعالى: "فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء" كقوله عز وجل "قل من بيده ملكوت كل شيء ؟" وكقوله تعالى: "تبارك الذي بيده الملك" فالملك والملكوت واحد في المعنى كرحمة ورحموت, ورهبة ورهبوت, وجبر وجبروت, ومن الناس من زعم أن الملك هو عالم الأجساد, والملكوت هو عالم الأرواح, والصحيح الأول, وهو الذي عليه الجمهور من المفسرين وغيرهم.
قال الإمام أحمد : حدثنا سريج بن النعمان , حدثنا حماد عن عبد الملك بن عمير , حدثني ابن عم لحذيفة عن حذيفة وهو ابن اليمان ـ رضي الله عنه, قال: " قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة, فقرأ السبع الطوال في سبع ركعات, وكان صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه, من الركوع قال: سمع الله لمن حمده ثم قال: الحمد لله ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة" وكان ركوعه مثل قيامه, وسجوده مثل ركوعه, فأنصرف وقد كادت تنكسر رجلاي. وقد روى أبو داود والترمذي في الشمائل و النسائي من حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة مولى الأنصار, عن رجل من بني عبس عن حذيفة رضي الله عنه " أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل, وكان يقول: الله أكبر ـ ثلاثاً ـ ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة ثم استفتح فقرأ البقرة, ثم ركع فكان ركوعه نحواً من قيامه, وكان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم ثم رفع رأسه من الركوع, فكان قيامه نحواً من ركوعه وكان يقول في قيامه لربي الحمد ثم سجد فكان سجوده نحواً من قيامه, وكان يقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى ثم رفع رأسه من السجود وكان يقعد فيما بين السجدتين نحواً من سجوده, وكان يقول رب اغفر لي, رب اغفر لي فصلى أربع ركعات فقرأ فيهن البقرة, وآل عمران , والنساء والمائدة أو الأنعام " ـ شك شعبة ـ هذا لفظ أبي داود وقال النسائي : أبو حمزة عندنا طلحة بن يزيد , وهذا الرجل يشبه أن يكون صلة, كذا قال, والأشبه أن يكون ابن عم حذيفة , كما تقدم في رواية الإمام أحمد , والله أعلم. وأما رواية صلة بن زفر عن حذيفة رضي الله عنه, فإنها في صحيح مسلم , ولكن ليس فيها ذكر الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة.
وقال أبو داود : حدثنا أحمد بن صالح , حدثنا ابن وهب , حدثني معاوية بن صالح عن عمرو بن قيس عن عاصم بن حميد عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: " قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة, فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل, ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ, قال: ثم ركع بقدر قيامه يقول في ركوعه سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ثم سجد بقدر قيامه, ثم قال في سجوده مثل ذلك, ثم قام فقرأ بآل عمران, ثم قرأ سورة سورة" , ورواه الترمذي في الشمائل و النسائي من حديث معاوية بن صالح به.
ثم ذكر سبحانه ما هو أعظم خلقاً من الإنسان فقال: 81- " أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم " والهمزة للإنكار، والواو للعطف على مقدر كنظائره، ومعنى الآية: أن من قدر على خلق السموات والأرض وهما في غاية العظم وكبر الأجزاء يقدر على إعادة خلق البشر الذي هو صغير الشكر ضعيف القوة، ما قال سبحانه: "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس". قرأ الجمهور "بقادر" بصيغة اسم الفاعل. وقرأ الجحدري وابن أبي إسحاق والأعرج وسلام بن المنذر وأبو يعقوب الحضمري يقدر بصيغة الفعل المضارع. ثم أجاب سبحانه عما أفاده الاستفهام من الإنكار التقريري بقوله: "بلى وهو الخلاق العليم" أي بلى هو قادر على ذلك وهو المبالغ في الخلق والعلم على أكمل وجه وأتمه. وقرأ الحسن والجحدري ومالك بن دينار وهو الخالق.
81.فقال: " أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر "، قرأ يعقوب : (( يقدر )) بالياء على الفعل، " على أن يخلق مثلهم بلى "، أي: قل: بلى، هو قادر على ذلك، " وهو الخلاق "، [يخلق خلقاً بعد خلق]، " العليم " بجميع ما خلق.
81 -" أوليس الذي خلق السماوات والأرض " مع كبر جرمهما وعظم شأنهما . " بقادر على أن يخلق مثلهم " في الصغر والحقارة بالإضافة إليهما ، أو مثلهم في أصول الذات وصفاتها وهو المعاد ، وعن يعقوب (( يقدر )) . " بلى " جواب من الله تعالى لتقرير ما بعد النفي مشعر بأنه لا جواب سواه . " وهو الخلاق العليم " كثير المخلوقات والمعلومات .
81. Is not He Who created the heavens and the earth Able to create the like of them? Aye, that He is! for He is the All Wise Creator,
81 - Is not He Who created the heavens and the earth able to create the like thereof? Yea, indeed for he is the Creator Supreme, of skill and knowledge (infinite).