82 - قال تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا) يخلطوا (إيمانهم بظلم) أي شرك كما فسر بذلك في حديث الصحيحين (أولئك لهم الأمن) من العذاب (وهم مهتدون)
ك قوله تعالى الذين آمنوا الآية أخرج ابن ابي حاتم عن عبيد الله بن زحر عن بكر بن سوادة قال حمل رجل من العدو على المسلمين فقتل رجلا ثم حمل فقتل آخر ثم حمل فقتل آخر ثم قال اينفعني الإسلام بعد هذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فضرب فرسه فدخل فيهم ثم حمل على أصحابه فقتل رجلا ثم آخر ثم آخر ثم قتل قال فيرون أن هذه الآية نزلت فيه الذين آمنوا ولم يلبسوا أيمانهم بظلم الآية
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في الذي أخبر تعالى ذكره عنه أنه قال هذا القول، أعني: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، الآية.
فقال بعضهم: هذا فصل القضاء من الله بين إبراهيم خليله صلى الله عليه وسلم، وبين من حاجه من قومه من أهل الشرك بالله، إذ قال لهم إبراهيم: "وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون"؟ فقال الله تعالى ذكره، فاصلاً بينه وبينهم: الذين صدقوا الله وأخلصوا له العبادة، ولم يخلطوا عبادتهم إياه وتصديقهم له بظلم -يعني: بشرك - ولم يشركوا في عبادته شيئاً، ثم جعلوا عبادتهم لله خالصاً، أحق بالأمن من عقابه مكروه عبادته ربه، من الذين يشركون في عبادتهم إياه الأوثان والأصنام، فإنهم الخائفون من عقابه مكروه عبادتهم، أما في عاجل الدنيا فإنهم وجلون من حلول سخط الله بهم، وأما في الآخرة، فإنهم الموقنون بأليم عذاب الله.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل قال، حدثنا محمد بن إسحق قال: يقول الله تعالى ذكره: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، أي: الذين أخلصوا كإخلاص إبراهيم صلى الله عليه وسلم لعبادة الله وتوحيده، "ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، أي: بشرك، "أولئك لهم الأمن وهم مهتدون"، الأمن من العذاب، والهدى في الحجة بالمعرفة والاستقامة. يقول الله تعالى ذكره: "وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم".
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون"، قال فقال الله وقضى بينهم: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، قال بشرك. قال: "أولئك لهم الأمن وهم مهتدون". فأما الذنوب فليس يبرأ منها أحد.
وقال آخرون: هذا جواب من قوم إبراهيم صلى الله عليه وسلم لإبراهيم، حين قال لهم: أي الفريقين أحق بالأمن ؟ فقالوا له: الذين آمنوا بالله فوحدوه أحق بالأمن، إذ لم يلبسوا إيمانهم بظلم.
ذكر من قال ذلك.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون"، أمن يعبد رباً واحداً أم من يعبد أرباباً كثيرة؟ يقول قومه: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، بعبادة الأوثان، وهي حجة إبراهيم، "أولئك لهم الأمن وهم مهتدون".
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: هذا خبر من الله تعالى ذكره عن أولى الفريقين بالأمن، وفصل قضاء منه بين إبراهيم صلى الله عليه وسلم وبين قومه. وذلك أن ذلك لو كان من قول قوم إبراهيم الذين كانوا يعبدون الأوثان ويشركونها في عبادة الله، لكانوا قد أقروا بالتوحيد واتبعوا إبراهيم على ما كانوا يخالفونه فيه من التوحيد، ولكنه كما ذكرت من تأويله بدياً.
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي عناه الله تعالى بقوله: "ولم يلبسوا إيمانهم بظلم". فقال بعضهم: بشرك.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: لما نزلت هذه الآية: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا ترون إلى قول لقمان: "إن الشرك لظلم عظيم" [لقمان: 11].
قال أبو كريب قال، ابن إدريس، حدثنيه أولاً أبي، عن أبان بن تغلب، عن الأعمش، ثم سمعته قيل له: من الأعمش؟ قال: نعم.
حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي قال، حدثني عمي يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: لما نزلت: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، شق ذلك على المسلمين، فقالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلا وهو يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس بذلك، ألا تسمعون إلى قول لقمان لابنه "إن الشرك لظلم عظيم"؟ [لقمان: 3]. حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: لما نزلت هذه الآية: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس كما تظنون، وإنما هو ما قال لقمان لابنه: "لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم" [لقمان: 13].
حدثنا هناد قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: لما نزلت هذه الآية: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، شق ذلك على الناس، فقالوا: يا رسول الله، وأينا لا يظلم نفسه؟ فقال: إنه ليس كما تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: "يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم" [لقمان: 3]؟ إنما هو الشرك.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة في قوله: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، قال: بشرك.
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال، حدثنا فضيل، عن منصور، عن إبراهيم في قوله: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، قال: بشرك.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: لما نزلت هذه الآية: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس بذلك، ألم تسمعوا قول لقمان: "إن الشرك لظلم عظيم" [لقمان: 3]؟
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير وابن إدريس، عن الشيباني، عن أبي بكر بن أبي موسى، عن الأسود بن هلال، عن أبي بكر: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، قال: بشرك.
حدثنا هناد قال، حدثنا قبيصة، عن يونس بن أبي إسحق، عن أبي إسحق، عن أبي بكر: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، قال: بشرك. حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن سعيد بن عبيد الطائي، عن أبي الأشعر العبدي، عن أبيه: أن زيد بن صوحان سأل سلمان فقال: يا أبا عبدالله، آية من كتاب الله قد بلغت مني كل مبلغ: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" فقال سلمان: هو الشرك بالله تعالى ذكره. فقال زيد: ما يسرني بها أني لم أسمعها منك، وأن لي مثل كل شيء أمسيت أملكه.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سعيد بن عبيد، عن أبي الأشعر، عن أبيه، عن سلمان قال: بشرك.
حدثنا ابن بشار وابن وكيع قالا، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا سفيان قال، حدثنا نسير بن ذعلوق، عن كردوس، عن حذيفة في قوله: "ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، قال: بشرك.
حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن أبي إسحق الكوفي، عن رجل، عن عيسى، عن حذيفة في قوله: "ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، قال بشرك.
حدثني المثنى قال، حدثنا عارم أبو النعمان قال، حدثنا حماد بن زيد، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير وغيره: أن ابن عباس كان يقول: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، قال: بشرك.
حدثني المثنى قال، حدثنا عبدالله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، يقول: بكفر.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، يقول: لم يلبسوا إيمانهم بالشرك. وقال : "إن الشرك لظلم عظيم" [لقمان: 13].
حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال، حدثني أبي قال، حدثنا جرير بن حازم، عن علي بن زيد، عن المسيب: أن عمر بن الخطاب قرأ: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، فلما قرأها فزع، فأتى أبي بن كعب فقال: يا أبا المنذر، قرأت آية من كتاب الله، من يسلم؟ فقال: ما هي؟ فقرأها عليه، فأينا لا يظلم نفسه؟ فقال: غفر الله لك أما سمعت الله تعالى ذكره يقول: "إن الشرك لظلم عظيم" [لقمان: 3]؟ إنما هو: ولم يلبسوا إيمانهم بشرك.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس: أن عمر دخل منزله فقرأ في المصحف، فمر بهذه الآية: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، فأتى أبيه فأخبره، فقال: يا أمير المؤمنين، إنما هو الشرك .
حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن مهران: أن عمر بن الخطاب كان إذا دخل بيته نشر المصحف فقرأه، فدخل ذات يوم فقرأ، فأتى على هذه الآية: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون"، فانفتل وأخذ رداءه، ثم أتى أبي بن كعب فقال: يا أبا المنذر- فتلا هذه الآية: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"- وقد ترى أنا نظلم، ونفعل ونفعل فقال: يا أمير المؤمنين، إن هذا ليس بذاك، يقول الله تعالى ذكره: "إن الشرك لظلم عظيم" [لقمان: 3]، إنما ذلك الشرك . حدثنا هناد قال، حدثنا ابن فضيل، عن مطرف ، عن أبي عثمان عمرو بن سالم قال: قرأ عمر بن الخطاب هذه الآية: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، فقال عمر: قد أفلح من لم يلبس إيمانه بظلم فقال أبي: يا أمير المؤمنين، ذاك الشرك
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أسباط، عن محمد بن مطرف، عن ابن سالم قال : قرأ عمربن الخطاب، فذكر نحوه.
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحق، عن أبي ميسرة في قوله: "ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، قال: بشرك.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحق، عن أبي ميسرة، مثله.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حسين، عن علي، عن زائدة، عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم: "ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، قال: بشرك.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، أي: بشرك .
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد، عن أبيه، عن أبي إسحق، عن أبي ميسرة، مثله.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، قال: بعبادة الأوثان.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد،مثله.
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثت أسباط، عن السدي: "ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، قال: بشرك.
حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، قال: بشرك.
حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الأعمش: أن ابن مسعود قال: لما نزلت: "ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، كبر ذلك على المسلمين، فقالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلا وهو يظلم نفسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما سمعتم قول لقمان: "إن الشرك لظلم عظيم" [لقمان: 13]؟ حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في قوله: "ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، قال: عبادة الأوثان.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بشر، عن مسعر، عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن، قال: بشرك.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، قال ابن إسحق: "ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، قال: بشرك.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولم يخلطوا إيمانهم بشيء من معاني الظلم ، وذلك: فعل ما نهى الله عن فعله، أو ترك ما أمر الله بفعله. وقالوا: الآية على العموم، لأن الله لم يخص به معنى من معاني الظلم.
قالوا: فإن قال لنا قائل: أفلا أمن في الآخرة، إلا لمن لم يعص إلله في صغيرة ولا كبيرة، لا لمن لقي الله ولا ذنب له؟
قلنا: إن الله عنى بهذه الآية خاصاً من خلقه دون الجميع منهم، والذي عنى بها وأراده بها، خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم، فأما غيره، فإنه إذا لقي الله لا يشرك به شيئاً فهو في مشيئته إذا كان قد أتى بعض معاصيه التي لا تبلغ أن تكون كفراً، فإن شاء لم يؤمنه من عذابه، لان شاء تفضل عليه فعفا عنه.
قالوا: وذلك قول جماعة من السلف ، لان كانوا مختلفين في المعنى بالآية.
فقال بعضهم: عني بها إبراهيم.
وقال بعضهم: عني بها المهاجرون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر من قال: عني بهذه الآية إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان وحميد بن عبد الرحمن، عن قيس بن الربيع، عن زياد بن علاقة، عن زياد بن حرملة، عن علي قال: هذه الآية لإبراهيم صلى الله عليه وسلم خاصة، ليس لهذه الأمة منها شيء.
ذكر من قال: عني بها المهاجرون خاصة.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان وحميد بن عبد الرحمن، عن قيس بن الربيع، عن سماك، عن عكرمة: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، قال: هي لمن هاجر إلى المدينة.
قال أبو جعفر: وأولى القولين بالصحة في ذلك، ما صح به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الخبر الذي رواه ابن مسعود عنه أنه قال: الظلم الذي ذكره الله تعالى ذكره في هذا الموضع، هو الشرك.
وأما قوله: "أولئك لهم الأمن وهم مهتدون"، فإنه يعني: هؤلاء الذين آمنوا ولم يخلطوا إيمانهم بشرك، "لهم الأمن" يوم القيامة من عذاب الله، "وهم مهتدون"، يقول: وهم المصيبون سبيل الرشاد، والسالكون طريق النجاة.
فقال الله قاضياً بينهم: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" أي بشرك، قاله أبو بكر الصديق وعلي وسلمان وحذيفة، رضي الله عنهم. وقال ابن عباس: هو من قول إبراهيم، كما يسأل العالم ويجيب نفسه. وقيل: هو من قول قوم إبراهيم، أي أجابوا بما هو حجة عليهم، قاله ابن جريج. وفي الصحيحين "عن ابن مسعود لما نزلت: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" شق ذلك على أصحاب رسول الله وقالوا:
أينا يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه "يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم"" [لقمان: 13]. "وهم مهتدون" أي في الدنيا.
يقول تعالى مخبراً عن خليله إبراهيم, حين جادله قومه فيما ذهب إليه من التوحيد وناظروه بشبه من القول, أنه قال "أتحاجوني في الله وقد هدان" أي تجادلونني في أمر الله, وأنه لا إله إلا هو, وقد بصرني وهداني إلى الحق, وأنا على بينة منه, فكيف ألتفت إلى أقوالكم الفاسدة وشبهكم الباطلة, وقوله "ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً" أي ومن الدليل على بطلان قولكم فيما ذهبتم إليه, أن هذه الالهة التي تعبدونها لا تؤثر شيئاً, وأنا لا أخافها ولا أباليها, فإن كان لها كيد فكيدوني بها, ولا تنظرون بل عاجلوني بذلك. وقوله تعالى: "إلا أن يشاء ربي شيئاً" استثناء منقطع, أي لا يضر ولا ينفع إلا الله عز وجل "وسع ربي كل شيء علماً" أي أحاط علمه بجميع الأشياء فلا يخفى عليه خافية "أفلا تتذكرون" أي فيما بينته لكم أفلا تعتبرون أن هذه الالهة باطلة فتنزجروا عن عبادتها, وهذه الحجة نظير ما احتج بها نبي الله هود عليه السلام على قومه عاد, فيما قص عنهم في كتابه, حيث يقول " قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين * إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها " الاية. وقوله "وكيف أخاف ما أشركتم" أي كيف أخاف من هذه الأصنام التي تعبدونها من دون الله, "ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً" قال ابن عباس وغير واحد من السلف: أي حجة وهذا كقوله تعالى: "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله" وقوله تعالى: "إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان" وقوله "فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون" أي فأي طائفتين أصوب, الذي عبد من بيده الضر والنفع, أو الذي عبد من لا يضر ولا ينفع, بلا دليل أيهما أحق بالأمن من عذاب الله يوم القيامة, قال الله تعالى: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون" أي هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له, ولم يشركوا به شيئاً, هم الامنون يوم القيامة, المهتدون في الدنيا والاخرة .
قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار, حدثنا ابن أبي عدي, عن شعبة عن سليمان, عن إبراهيم, عن علقمة, عن عبد الله, قال: لما نزلت "ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" قال أصحابه وأينا لم يظلم نفسه ؟ فنزلت "إن الشرك لظلم عظيم" وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية, حدثنا الأعمش, عن إبراهيم, عن علقمة, عن عبد الله, قال: لما نزلت هذه الاية "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" شق ذلك على الناس, فقالوا: يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه ؟ قال "إنه ليس الذي تعنون ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح "يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم" إنما هو الشرك.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا وكيع وابن إدريس, عن الأعمش, عن علقمة, عن عبد الله, قال: لما نزلت "ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: وأينا لم يظلم نفسه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليس كما تظنون, إنما قال لابنه "يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم" وحدثنا عمر بن تغلب النمري, حدثنا أبو أحمد, حدثنا سفيان عن الأعمش, عن إبراهيم, عن علقمة, عن عبد الله بن مسعود, قال: لما نزلت هذه الاية, شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت "إن الشرك لظلم عظيم" رواه البخاري, وفي لفظ قالوا: أينا لم يظلم نفسه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم "ليس بالذي تعنون, ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح "إن الشرك لظلم عظيم" إنما هو الشرك" ولابن أبي حاتم عن عبد الله مرفوعاً, قال "ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" قال "بشرك" قال وروي عن أبي بكر الصديق, وعمر, وأبي بن كعب, وسلمان, وحذيفة, وابن عباس, وابن عمر, وعمرو بن شرحبيل, وأبي عبد الرحمن السلمي, ومجاهد, وعكرمة, والنخعي, والضحاك, وقتادة, والسدي, وغير واحد نحو ذلك, وقال ابن مردويه: حدثنا الشافعي, حدثنا محمد بن شداد المسمعي, حدثنا أبو عاصم, حدثنا سفيان الثوري, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن علقمة, عن عبد الله, قال: لما نزلت "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قيل لي أنت منهم" وقال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن يوسف, حدثنا أبو جناب, عن زاذان, عن جرير بن عبد الله, قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما برزنا من المدينة, إذا راكب يوضع نحونا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن هذا الراكب إياكم يريد فانتهى إلينا الرجل, فسلم فرددنا عليه, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم من أين أقبلت ؟ قال من أهلي وولدي وعشيرتي, قال: فأين تريد ؟ قال: أريد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فقد أصبته قال: يا رسول الله علمني ما الإيمان ؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة, وتصوم رمضان وتحج البيت قال: قد أقررت, قال ثم إن بعيره دخلت يده في جحر جرذان, فهوى بعيره وهوى الرجل, فوقع على هامته فمات, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بالرجل فوثب إليه عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان فأقعداه فقالا: يا رسول الله قبض الرجل قال فأعرض عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أما رأيتما إعراضي عن الرجل, فإني رأيت ملكين يدسان في فيه من ثمار الجنة, فعلمت أنه مات جائعاً ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا من الذين قال الله عز وجل فيهم "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" الاية, ثم قال دونكم أخاكم فاحتملناه إلى الماء, فغسلناه وحنطناه وكفناه, وحملناه إلى القبر, فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس على شفير القبر, فقال ألحدوا ولا تشقوا فإن اللحد لنا والشق لغيرنا " ثم رواه أحمد عن أسود بن عامر, عن عبد الحميد بن جعفر الفراء, عن ثابت, عن زاذان, عن جرير بن عبد الله, فذكر نحوه وقال فيه: هذا ممن عمل قليلاً وأجر كثيراً, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا يوسف بن موسى القطان, حدثنا مهران بن أبي عمر, حدثنا علي بن عبد الله, عن أبيه عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير ساره, إذ عرض له أعرابي فقال: يا رسول الله والذي بعثك بالحق, لقد خرجت من بلادي وتلادي ومالي لأهتدي بهداك, وآخذ من قولك, وما بلغتك حتى ما لي طعام إلا من خضر الأرض, فاعرض علي, فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل, فازدحمنا حوله فدخل خف بكره في بيت جرذان, فتردى الأعرابي فانكسرت عنقه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صدق والذي بعثني بالحق لقد خرج من بلاده وتلاده وماله, ليهتدي بهداي ويأخذ من قولي وما بلغني حتى ماله طعام إلا من خضر الأرض, أسمعتم بالذي عمل قليلاً وأجر كثيراً ؟ هذا منهم. أسمعتم بالذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم, أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ؟ فإن هذا منهم" وفي لفظ قال "هذا عمل قليلاً وأجر كثيراً" وروى ابن مردويه من حديث محمد بن يعلى الكوفي, وكان نزل الري, حدثنا زياد بن خيثمة, عن أبي داود, عن عبد الله بن سخبرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أعطي فشكر, ومنع فصبر, وظلم فاستغفر, وظلم فغفر" وسكت, قال: فقالوا يا رسول الله ما له ؟ قال "أولئك لهم الأمن وهم مهتدون" وقوله "وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه" أي وجهنا حجته عليهم, قال مجاهد وغيره: يعني بذلك قوله "وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً فأي الفريقين أحق بالأمن" الاية, وقد صدقه الله وحكم له بالأمن والهداية فقال "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون" ثم قال بعد ذلك كله "وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء" قرىء بالإضافة وبلا إضافة, كما في سورة يوسف, وكلاهما قريب في المعنى, وقوله "إن ربك حكيم عليم" أي حكيم في أقواله وأفعاله, عليم أي بمن يهديه ومن يضله, وإن قامت عليه الحجج والبراهين, كما قال " إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم " ولهذا قال ههنا "إن ربك حكيم عليم".
82- "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" أي هم الأحق بالأمن من الذين أشركوا، وقيل هو من تمام قول إبراهيم، وقيل هو من قول قوم إبراهيم. ومعنى "لم يلبسوا إيمانهم بظلم" لم يخلطوه بظلم. والمراد بالظلم الشرك، لما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن مسعود قال:" لما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:ليس هو كما تظنون، إنما هو كما قال لقمان: "يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم"" والعجب من صاحب الكشاف حيث يقول في تفسير هذه الآية: وأبى تفسير الظلم بالكفر لفظ اللبس وهو لا يدري أن الصادق المصدوق قد فسرها بهذا، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل والإشارة بقوله "أولئك" إلى الموصول المتصف بما سبق، و "لهم الأمن" جملة وقعت خبراً عن اسم الإشارة، هذا أوضح ما قيل مع احتمال غيره من الوجوه "وهم مهتدون" إلى الحق ثابتون عليه، وغيرهم على ضلال وجهل.
82- " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم "، لم يخلطوا.إيمانهم بشرك، " أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ".
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا إسحاق ثنا عيسى بن يونس أنا الأعمش أنا إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال:"لما نزلت: " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم "شق ذلك على المسلمين فقالوا: يا رسول الله فأينا لا يظلم نفسه ؟ فقال: ليس ذلك إنما هو الشرك، ألم تسمعوا إلى ما قال لقمان لابنه وهو يعظه: " يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم " ؟ (لقمان،13)"
82 " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون " استئناف منه أو من الله بالجواب عما استفهم عنه ، والمراد بالظلم ها هنا الشرك لما روي "أن الآية لما نزلت شق ذلك على الصحابة وقالوا : أينا لا يظلم نفسه فقال عليه الصلاة والسلام : ليس ما تظنون إنما هو ما قال لقمان لابنه " يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم " " وليس الإيمان به أن يصدق بوجود الصانع الحكيم ويخلط بهذا التصديق الإشراك به . وقيل المعصية .
82. Those who believe and obscure not their belief by wrong doing, theirs is safety; and they are rightly guided.
82 - It is those who believe and confuse not their beliefs with wrong that are (truly) in security, for they are on (right) guidance.