88 - (وترى الجبال) تبصرها وقت النفخة (تحسبها) تظنها (جامدة) واقفة مكانها لعظمها (وهي تمر مر السحاب) المطر إذا ضربته الريح تسير سيره حتى تقع على الأرض فتستوي بها مبثوثة ثم تصير كالعهن ثم تصير هباء منثورا (صنع الله) مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله أضيف إلى فاعله بعد حذف عامله صنع الله ذلك صنعا (الذي أتقن) أحكم (كل شيء) صنعه (إنه خبير بما تفعلون) بالياء والتاء أي أعداؤه من المعصية وأولياؤه من الطاعة
يقول تعالى ذكره: " وترى الجبال " يا محمد " تحسبها " قائمة " وهي تمر ".
كالذي حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله " وترى الجبال تحسبها جامدة " يقول: قائمة: وإنما قيل: " وهي تمر مر السحاب " لأنها تجمع ثم تسير، فيحسب رائيها لكثرتها أنها واقفة، وهي تسير سيراً حثيثاً، كما قال الجعدي:
بأرعن مثل الطود تحسب أنهم وقوف لحاج والركاب تهملج
قوله " صنع الله الذي أتقن كل شيء " وأوثق خلقه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله " صنع الله الذي أتقن كل شيء " يقول: أحكم كل شيء.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله " صنع الله الذي أتقن كل شيء " يقول: أحسن كل شيء خلقه وأوثقه.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله " الذي أتقن كل شيء " قال: أوثق كل شيء وسوى.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد " أتقن " أوثق.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( إنه خبير بما يفعلون) يقول تعالى ذكره: إن الله ذو علم وخبرة بما يفعل عباده من خير وشر وطاعة له ومعصية، وهو مجازي جميعهم على جميع ذلك على الخير الخير، وعلى الشر الشر نظيره.
قوله تعالى : " وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب " قال ابن عباس : أي قائمة وهي تسير سيراً حثيثاً . قال القتبي : وذلك أن الجبال تجمع وتسير ، فهي فيرؤية العين كالقائمة وهي تسير ، وكذلك كل شيء عظيم وجمع كثير يقصر عنه النظر ، لكثرته وبعد ما بين أطرافه ، وهو في حسبان الناظر كالواقف وهو يسير . قال النابغة في وصف جيش :
بأرعن مثل الطود أنهم وقوف لحاج والركاب تهملج
قال القشيري : وهذا يوم القيامة ، أي هي لكثرتها كأنها جامدة ، أي واقفة في مرأى العين وإن كانت في أنفسها تسير سير السحاب ، والسحاب المتراكم يظن أنها واقفة وهي تسير ، أي تمر مر السحاب حتى لا يبقى منها شيء فقال الله تعالى : " وسيرت الجبال فكانت سرابا " [ النبأ : 20 ] ويقال : إن الله تعالى وصف الجبال بصفات مختلفة ترجع كلها إلى تفريغ الأرض منها ، وإبراز ما كانت توارية ، فأول الصفات الاندكاك وذلك قبل الزلزلة ، ثم تصير كالعهن المنفوش ، وذلك إذا صارت السماء كالمهر ، وقد جمع الله بينهما فقال: " يوم تكون السماء كالمهل * وتكون الجبال كالعهن " [ المعارج : 8_9] . والحالة الثالثة أن تصير كالهباء وذلك أن تتقطع بعد أن كانت كالعهن . والحالة الرابعة أن تنسف لأنها مع الأحوال المتقدمة قارة في مواضعها والأرض تحتها غير بارزة فتنسف عنها لتبرز ، فإذا نسفت فبإرسال الرياح عليها . والحالة الخامسة أن الرياح ترفعها على وجه الأرض فتظهرها شعاعاً في الهواء كأناه غبراء ، فمن تنظر إليها من بعد حسبها لتكاثفها أجساداً جامدة ، وهي بالحقيقة مارة إلا أن مرورها من وراء الرياح كأنها مندكة متفتتة . والحالة السادسة أن تكون سراباً فمن نظر إلى مواضعها لم يجد فيها شيئاً منها كالسراب . قال مقاتل : تقع على الأرض فتسوى بها . قم قيل هذا مثل . قال الماوردي : وفيما ضرب له ثلاثة أقوال : أحدها أنه مثل ضربه الله تعالى للدنيا يظن الناظر إليها أنها واقفة كالجبال ، وهي آخذة بحظها من الزوال كالسحاب ، قاله سهل بن عبد الله . الثاني : أنه مثل ضربه الله للإيمان تحسبه ثابتاً في القلب وعمله صاعد إلى السماء . الثالث : أنه مثل ضربه الله للنفس عند خروج الروح والروح تسير إلى العرش . " صنع الله الذي أتقن كل شيء " أي هذا من فعل الله ، وما هو فعل منه فهو متقن . و(( ترى )) من رؤية العين ولو كانت من رؤية القلب لتعدت إلى مفعولين . والأصل ترأى فألقيت حركة الهمزة على الراء فتحركت الراء وحذف الهمزة ، وهذا سبيل تخفيف الهمزة إذا كان قبلها ساكن ، إلا أن التخفيف لازم لترى . وأهل الكوفة يقرؤن : (( تحسبها )) بفتح السين وهو القياس ، لأنه من حسب يحسب إلا أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافها أنه قرأ بالكسر في المستقبل ، فتكون على فعل يفعل مثل نعم ينعم وبئس يبئس وحكي يئس يئس من السالم ، لا يعر ف في كلام العرب غير هذه الأحرف . (( وهي تمر مر السحاب )) تقدير ه مراً مثل مر السحاب ، فقأقيمت الصفة مقام اموصوف والمضاف مقام المضاف إليه ن فالجبال تزال من أماكنها من على وجه الأرض ، وتجمع وتسير كما تسير السحاب ، ثم تكير فتعود إلى الأرض كما قال : " وبست الجبال بسا " [ الواقعة : 5] (( صنع الله )) عند الخليل و سيبويه منصوب على أنه مصدر ، لأنه لما قال عز وجل :" وهي تمر مر السحاب " دل على أنه قد صنع ذلك صنعاً ويجوز الهنصب على الإغراء ، أي انظروا صنع الله . فيوقف على هذا على (( السحاب )) ولا يوفق عليه على التقد
ير الأول . ويجوز رفعه على تقدير ذلك صنع الله . " الذي أتقن كل شيء " أي أحكمه ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " رحم الله من عمل عملاً فأتقنه " وقال قتادة : معناه أحسن كل شيء والإتقان الإحكام ، يقال : رجل تقن أي حاذق بالأشياء . وقال الأزهري : أحله من ابن تقن ، وهو رجل من عاد لم يكن يسقط له سهم فضرب به المثل ، يقال : أرمى من ابن تقن ثم يقال لكل حاذق بالأشياء تقن . " إنه خبير بما تفعلون " بالتاء على الخطاب قراءة الجمهور . وقرأ ابن كثير و أبو عمرو و هشام بالياء .
يخبر تعالى عن هول يوم نفخة الفزع في الصور, وهو كما جاء في الحديث قرن ينفخ فيه. وفي حديث الصور: إن إسرافيل هو الذي ينفخ فيه بأمر الله تعالى, فينفخ فيه أولاً نفخة الفزع ويطولها وذلك في آخر عمر الدنيا حين تقوم الساعة على شرار الناس من الأحياء فيفزع من في السموات ومن في الأرض "إلا من شاء الله" وهم الشهداء, فإنهم أحياء عند ربهم يرزقون. قال الإمام مسلم بن الحجاج : حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري , حدثنا أبي , حدثنا شعبة عن النعمان بن سالم , سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي , سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله عنه, وجاءه رجل فقال: ما هذا الحديث الذي تحدث أن الساعة تقوم إلى كذا وكذا؟ فقال: سبحان الله, أو لا إله إلا الله أو كلمة نحوهما, لقد هممت أن لا أحدث أحداً شيئاً أبداً, إنما قلت أنكم سترون بعد قليل أمراً عظيماً يخرب البيت ويكون ويكون ـ ثم قال ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين ـ لا أدري أربعين يوماً أو أربعين شهراً أو أربعين عاماً ـ فيبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود فيطلبه فيهلكه, ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة, ثم يرسل الله ريحاً باردة من قبل الشام, فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته, حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه" قال: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفاً, ولا ينكرون منكراً, فيتمثل لهم الشيطان فيقول: ألا تستجيبون ؟ فيقولون: فما تأمرنا ؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان, وهم في ذلك دار رزقهم حسن عيشهم, ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتاً ورفع ليتاً ـ قال ـ وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله, قال: فيصعق ويصعق الناس, ثم يرسل الله ـ أو قال ينزل الله ـ مطراً كأنه الطل ـ أو قال: الظل, نعمان الشاك, فتنبت منه أجساد الناس, ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون, ثم يقال: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم وقفوهم إنهم مسؤولون, ثم يقال: أخرجوا بعث النار, فيقال: كم ؟ فيقال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين, قال: فذلك يوم يجعل الولدان شيباً, وذلك يوم يكشف عن ساق". وقوله ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتاً ورفع ليتاً. الليت هو صفحة العنق, أي أمال عنقه ليستمعه من السماء جيداً, فهذه نفخة الفزع, ثم بعد ذلك نفخة الصعق وهو الموت, ثم بعد ذلك نفخة القيام لرب العالمين وهو النشور من القبور لجميع الخلائق, ولهذا قال تعالى: "وكل أتوه داخرين" قرىء بالمد وبغيره على الفعل, وكل بمعنى واحد, وداخرين أي صاغرين مطيعين لا يتخلف أحد عن أمره, كما قال تعالى: "يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده" وقال تعالى: "ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون" وفي حديث الصور أنه في النفخة الثالثة يأمر الله الأرواح فتوضع في ثقب في الصور, ثم ينفخ إسرافيل فيه بعد ما تنبت الأجساد في قبورها وأماكنها, فإذا نفخ في الصور طارت الأرواح تتوهج أرواح المؤمنين نوراً, وأرواح الكافرين ظلمة, فيقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي لترجعن كل روح إلى جسدها. فتجيء الأرواح إلى أجسادها فتدب فيها كما يدب السم في اللديغ, ثم يقومون ينفضون التراب من قبورهم, قال تعالى: "يوم يخرجون من الأجداث سراعاً كأنهم إلى نصب يوفضون".
وقوله تعالى: "وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب" أي تراها كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه, وهي تمر مر السحاب أي تزول عن أماكنها, كما قال تعالى: "يوم تمور السماء موراً * وتسير الجبال سيراً" قال تعالى: " ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا * فيذرها قاعا صفصفا * لا ترى فيها عوجا ولا أمتا " وقال تعالى: "ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة" وقوله تعالى: "صنع الله الذي أتقن كل شيء" أي يفعل ذلك بقدرته العظيمة "الذي أتقن كل شيء" أي أتقن كل ما خلق, وأودع فيه من الحكمة ما أودع, " إنه خبير بما تفعلون " أي هو عليم بما يفعل عباده من خير وشر, وسيجازيهم عليه أتم الجزاء.
ثم بين تعالى حال السعداء والأشقياء يومئذ, فقال: "من جاء بالحسنة فله خير منها" قال قتادة : بالإخلاص, وقال زين العابدين : هي لا إله إلا الله, وقد بين تعالى في الموضع الاخر أن له عشر أمثالها "وهم من فزع يومئذ آمنون" كما قال في الاية الأخرى: "لا يحزنهم الفزع الأكبر" وقال تعالى: "أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمناً يوم القيامة" وقال تعالى: "وهم في الغرفات آمنون" وقوله تعالى: "ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار" أي من لقي الله مسيئاً لا حسنة له, أو قد رجحت سيئاته على حسناته كل بحسبه, ولهذا قال تعالى: "هل تجزون إلا ما كنتم تعملون". وقال ابن مسعود وابن عباس وأبو هريرة رضي الله عنهم, وأنس بن مالك وعطاء وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وإبراهيم النخعي, وأبو وائل وأبو صالح ومحمد بن كعب وزيد بن أسلم, والزهري والسدي والضحاك والحسن وقتادة وابن زيد في قوله: "ومن جاء بالسيئة" يعني بالشرك.
88- "وترى الجبال تحسبها جامدة" معطوف على ينفخ. والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح للرؤية، و تحسبها جامدة في محل نصب على الحال من ضمير ترى أو من مفعوله، لأن الرؤية بصرية، وقيل هي بدل من الجملة الأولى، وفيه ضعف، وهذه هي العلامة الثالثة لقيام الساعة، ومعنى تحسبها جامدة: أي قائمة ساكنة، وجملة "وهي تمر مر السحاب" في محل نصب على الحال: أي وهي تسير سيراً حثيثاً كسير السحاب التي تسيرها الرياح. قال القتيبي: وذكل أن الجبال تجمع وتسير وهي في رؤية العين كالقائمة وهي تسير. قال القشيري وهذا يوم القيامة، ومثله قوله تعالى: "وسيرت الجبال فكانت سراباً" قرأ أهل الكوفة "تحسبها" بفتح السين، وقرأ الباقون بكسرها "صنع الله الذي أتقن كل شيء" انتصاب صنع على المصدرية عند الخليل وسيبويه وغيرهما: أي صنع الله ذلك صنعاً، وقيل هو مصدر مؤكد لقوله "ويوم ينفخ في الصور" وقيل منصوب على الإغراء: أي انظروا صنع الله، ومعنى "الذي أتقن كل شيء" الذي أحكمه، يقال رجل تقن: أي حاذق بالأشياء، وجملة "إنه خبير بما تفعلون" تعليل لما قبلها من كونه سبحانه صنع ما صنع وأتقن كل شيء. والخبير: المطلع على الظواهر والضمائر. قرأ الجمهور بالتاء الفوقية على الخطاب، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وهشام بالتحتية على الخبر.
قوله عز وجل 88- "وترى الجبال تحسبها جامدة"، قائمة واقفة، "وهي تمر مر السحاب"، أي: تسير سير السحاب حتى تقع على الأرض. فتستوي بها وذلك أن كل شيء عظيم وكل جمع كثير يقصر عنه البصر لكثرته وبعد ما بين أطرافه فهو في حسبان الناظر واقف وهو سائر، كذلك سير الجبال لا يرى يوم القيامة لعظمتها، كما أن سير السحاب لا يرى لعظمه وهو سائر، "صنع الله"، نصب على المصدر، "الذي أتقن كل شيء"، أي: أحكم، "إنه خبير بما تفعلون"، قرأ ابن كثير، وأهل البصرة: بالياء، والباقون بالتاء.
88 -" وترى الجبال تحسبها جامدةً " ثابتة في مكانها . " وهي تمر مر السحاب " في السرعة ، وذلك لأن الأجرام الكبار إذا تحركت في سمت واحد لا تكاد تبين حركتها . " صنع الله " مصدر مؤكد لنفسه وهو لمضمون الجملة المتقدمة كقوله " وعد الله " . " الذي أتقن كل شيء " أحكم خلقه وسواه على ما ينبغي . " إنه خبير بما تفعلون " عالم بظواهر الأفعال وبواطنها فيجازيكم عليها كما قال :
88. And thou seest the hills thou deemest solid flying with the flight of clouds: the doing of Allah Who perfecteth all things. Lo! He is Informed of what ye do.
88 - Thou seest the mountains and thinkest them firmly fixed: but they shall pass away as the clouds pass away: (such is) the artistry of God, who disposes of all things in perfect order: for He is well acquainted with all that ye do.