91 - (الذين جعلوا القرآن) أي كتبهم المنزلة عليهم (عضين) أجزاء حيث آمنوا ببعض وكفروا ببعض وقيل المراد بهم الذين اقتسموا طرق مكة يصدون الناس عن الإسلام وقال بعضهم في القرآن سحر وبعضهم كهانة وبعضهم شعر
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وقل يا محمد للمشركين : إني أنا النذير الذي قد أبان إنذاره لكم من البلاء والعقاب أن ينزل بكم من الله على تماديكم في غيكم "كما أنزلنا على المقتسمين" ، يقول :مثل الذي أنزل الله تعالى من البلاء والعقاب على الذين اقتسموا القرآن ، فجعلوه عضين .
ثم اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله "المقتسمين" ، فقال بعضهم : عني به : اليهود والنصارى ، وقال : كان اقتسامهم أنهم اقتسموا القرآن وعضوه ، فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني عيسى بن عثمان الرملي ، قال : حدثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس ، في قول الله "كما أنزلنا على المقتسمين * الذين جعلوا القرآن عضين" ، قال :هم اليهود والنصارى ، آمنوا ببعض ، وكفروا ببعض .
حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم ، قالا : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله "كما أنزلنا على المقتسمين * الذين جعلوا القرآن عضين" ، قال :هم أهل الكتاب ، جزؤوه فجعلوه أعضاء أعضاء ، فآمنوا ببعضه ، وكفروا ببعضه .
حدثنا محمد بن بشار ،قال :حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس ، في قوله : "كما أنزلنا على المقتسمين * الذين جعلوا القرآن عضين" قال : الذين آمنوا ببعض ،وكفروا ببعض .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن سليمان ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس ، قال : "المقتسمين" أهل الكتاب "الذين جعلوا القرآن عضين" قال :يؤمنون ببعض ، ويكفرون ببعض .
حدثني مطر بن محمد الضبي ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، أنه قال في قوله : "كما أنزلنا على المقتسمين" قال : هم أهل الكتاب .
حدثنا أبن بشار ، قال : حدثنا محد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير أنه قال في هذه الآية "كما أنزلنا على المقتسمين * الذين جعلوا القرآن عضين" ، قال : هم أهل الكتاب آمنوا ببعضه ، وكفروا ببعضه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله "الذين جعلوا القرآن عضين" قال: هم أهل الكتاب جزؤوه فجعلوه أعضاء ، فآمنوا ببعضه ، وكفروا ببعضه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : جزؤوه فجعلوه أعضاء كأعضاء الجزور .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن منصور ، عن الحسن ، قال : هم أهل الكتاب .
حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني ابي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله "كما أنزلنا على المقتسمين" قال : هم اليهود والنصارى من أهل الكتاب قسموا الكتاب ، فجعلوه أعضاء ، يقول : أحزاباً ، فآمنوا ببعض ، وكفروا ببعض .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ،عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : "المقتسمين" آمنوا ببعض ، وكفروا ببعض ،وفرقوا الكتاب .
وقال آخرون "المقتسمين" : أهل الكتاب ، ولكنهم سموا المقتسمين ، لأن بعضهم قال استهزاء بالقرآن : هذه السورة لي ، وقال بعضهم : هذه لي .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك ، عن عكرمة أنه قال في هذه الآية "الذين جعلوا القرآن عضين" قال :كانوا يستهزؤون ، يقول هذا : لي سورة البقرة ، ويقول هذا : لي سورة آل عمران .
وقال آخرون : هم أهل الكتاب ، ولكنهم قيل لهم : المقتسمون : لاقتسامهم كتبهم ، وتفريقهم ذلك بإيمان بعضهم ببعضها ، وكفرة ببعض ، وكفر آخرين بما آمن به غيرهم ، وإيمانهم بما كفر به الآخرون .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال :حدثنا جرير ، عن عبد الملك ، عن قيس ، عن مجاهد : "كما أنزلنا على المقتسمين * الذين جعلوا القرآن عضين" قال :هم اليهود والنصارى ، قسموا كتابهم ، ففرقوه ، وجعلوه أعضاء .
حدثني محمد بن عمرو ، قال :حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثني الحسن قال : حدثنا ورقاء ، وحدثني المثنى ، قال :حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل جميعاً ، عن ابن ابي نجيح ، عن مجاهد : "كما أنزلنا على المقتسمين" قال : أهل الكتاب فرقوه وبدلوه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : "كما أنزلنا على المقتسمين" قال : أهل الكتاب .
وقال آخرون : عني بذلك رهط من كفار قريش بأعيانهم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : "كما أنزلنا على المقتسمين * الذين جعلوا القرآن عضين" رهط خمسة من قريش ، عضهوا كتاب الله .
وقال آخرون : عني بذلك رهط من قوم صالح الذين تقاسموا على تبييت صالح وأهله .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال :قال ابن زيد ، في قوله : "كما أنزلنا على المقتسمين" قال : الذين تقاسموا بصالح ، وقرأ قول الله تعالى (وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) قال : تقاسموا بالله حتى بلغ الآية .
وقال بعضهم : هم قوم اقتسموا طرق مكة أيام قدوم الحاج عليهم ، كان أهلها بعثوهم في عقابها ، وتقدموا إلى بعضهم أن يشيع في الناحية التي توجه إليها لمن سأله عن نبي الله صلى الله عليه وسلم من القادمين عليهم ، أن يقول : هو مجنون ، وإلى آخر : إنه شاعر ، وإلى بعضهم : إنه ساحر .
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعلم قومه الذين عضهوا القرآن ففرقوه ، أنه نذير لهم من سخط الله تعالى وعقوبته ، أن يحل بهم على كفرهم ربهم ، وتكذيبهم نبيهم ، ما حل بالمقتسمين من قبلهم ومنهم . وجائز أن يكون عني بالمقتسمين : أهل الكتابين : التوارة والإنجيل ، لأنهم اقتسموا كتاب الله ، فأقرت اليهود ببعض التوارة وكذبت ببعضها ، وكذبت بالإنجيل والفرقان ، وأقرت النصارى ببعض الإنجيل وكذبت ببعضه وبالفرقان . وجائز أن يكون عني بذلك : المشركون من قريش ، لأنهم اقتسموا القرآن ، فسماه بعضهم شعراً ، وبعض كهانة ، وبعض أساطير الأولين . وجائز أن يكون عني به الفريقان . وممكن أن يكون عني به المقتسمون على صالح من قومه ، فإذا لم يكن في التنزيل دلالة على أنه عني به أحد الفرق الثلاثة دون الآخرين ، ولا في خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا في فطرة عقل ، وكان ظاهر الآية محتملاً ما وصفت ، وجب أن يكون مقضياً بأن كل من اقتسم كتاباً لله بتكذيب بعض وتصديق بعض ، واقتسم على معصية الله ممن حل به عاجل نقمة الله في الدار كتاباً لله في الدار الدنيا قبل نزول هذه الآية ، فداخل في ذلك لأنهم لأشكالهم من أهل الكفر بالله ، كانوا عبرة ، وللمتعظين بهم منهم عظة .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله "الذين جعلوا القرآن عضين" فقال بعضهم : معناه : الذين جعلوا القرآن فرقاً مفترقة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : حدثني معاوية ، عن علي ،عن ابن عباس ، قوله "الذين جعلوا القرآن عضين" قال :فرقاً .
حدثنا كريب ويعقوب بن إبراهيم ، قالا : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : جزؤوه فجعلوه أعضاء ، فآمنوا ببعضه ، وكفروا ببعضه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : جزؤوه فجعلوه أعضاء كأعضاء الجزور .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال :حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا طلحة ، عن عطاء : "الذين جعلوا القرآن عضين" ، قال : المشركون من قريش ، عضهوا القرآن فجعلوه أجزاء ، فقال بعضهم : ساحر ، وقال بعضهم : شاعر ، وقال بعضهم : مجنون ، فذلك العضون .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله "جعلوا القرآن عضين" : جعلوا كتابهم أعضاء كأعضاء الجزور ، وذلك أنهم تقطعوه زبراً ، كل حزب بما لديهم فرحون ، وهو قوله ( فرقوا دينهم وكانوا شيعا ) .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "الذين جعلوا القرآن عضين" ، عضهوا كتاب الله ، زعم بعضهم أنه سحر ،وزعم بعضهم أنه شعر ، وزعم بعضهم أنه كاهن .
قال أبو جعفر : هكذا قال كاهن ، وإنما هو كهانة ،وزعم بعضهم أنه أساطير الأولين .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس : "الذين جعلوا القرآن عضين" قال : آمنوا ببعض ، وكفروا ببعض .
حدثني يوسن ، قال : أخبرني ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : "الذين جعلوا القرآن عضين" قال : جعلوه أعضاء كما تعضى الشاة . قال بعضهم : كهانة . وقال بعضهم : هو سحر . وقال بعضهم : شعر . وقال بعضهم ( أساطير الأولين اكتتبها ) ... الآية ، جعلوه أعضاء كما تعضى الشاة . فوجه قائلو هذه المقالة قوله "عضين" إلى أن واحدها : عضو ، وأن عضين جمعه ،وأنه مأخوذ من قولهم عضيت الشيء تعضية : إذا فرقته ، كما قال رؤبة :
وليس دين الله بالمعضى
يعني بالمفرق ، وكما قال الآخر :
وعضى بني عوف فأما عدوهم فأرضى وأما العز منهم فغيرا
يعني بقوله : وعضى : سباهم ، وقطعاهم بألسنتهما .
وقال آخرون : بل هي جمع عضة ، جمعت عضين كما جمعت البرة برين ،والعزة عزين ، فإذا وجه ذلك إلى هذا التأويل كان أصل الكلام عضهة ، ذهبت هاؤها الأصلية ، كما نقصوا الهاء من الشفة وأصلها شفهة ، ومن الشاة ، وأصلها شاهة ، يدل على أن ذلك الأصل تصغيرهم الشفة : شفيهة ، والشاة : شويهة ، فيردون الهاء التي تسقط في غير حال التصغير إليها في حال تصغيرهم ، يقال منه :عضهت الرجل أعضهه عضهاً : إذا بهته ، وقذفته ببهتان ،وكأن تأويل من تأول ذلك كذلك : الذين عضهوا القرآن ، فقالوا : هو سحر ، أو هو شعر ، نحو القول الذي ذكرناه عن قتادة .
وقد قال جماعة من أهل التأويل : إنه إنما عنى بالعضه في هذا الموضع ، نسبتهم إياه إلى أنه سحر خاصة دون غيره من معاني الذم ، كما قال الشاعر :
للماء من عضاتهن زمزمه
يعني : من سحرهن .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أجمد ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عكرمة : "الذين جعلوا القرآن عضين" قال : سحراً .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : "عضين" قال : عضهوه وبهتوه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : كان عكرمة يقول : العضه : السحر بلسان قريش ، تقول للساحرة : إنها العاضهة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله "جعلوا القرآن عضين" ، قال : سحراً أعضاء الكتب كلها وقريش ، فرقوا القرآن ، قالوا : هو سحر .
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله تعالى ذكره أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعلم قوماً عضهوا القرآن أنه لهم نذير من عقوبة تنزل بهم بعضههم إياه مثل ما أنزل بالمقتسمين ، وكان عضههم إياه : قذفهموه بالباطل ،وقيلهم إنه شعر وسحر ، وما أشبه ذلك .
وإنما قلنا : إن ذلك أولى التأويلات به لدلالة ما قبله من ابتداء السورة وما بعده ، وذلك قوله ( إنا كفيناك المستهزئين ) على صحة ما قلنا ، وإنه إنما عني بقوله "الذين جعلوا القرآن عضين" مشركي قومه . وإذ كان ذلك كذلك ، فمعلوم أنه لم يكن في مشركي قومه من يؤمن ببعض القرآن ويكفر ببعض ،بل إنما كان قومه في أمره على أحد معنيين : إما مؤمن بجميعه ،وإما كافر بجميعه . وإذ كان ذلك كذلك ، فالصحيح من القول في معنى قوله "الذين جعلوا القرآن عضين" قول الذين زعموا أنهم عضهوه ، فقال بعضهم : هو سحر . وقال بعضهم : هو شعر . وقال بعضهم : هو كهانة ، وما أشبه ذلك من القول ، أو عضوه ففرقوه ، بنحو ذلك من القول . وإذا كان ذلك معناه احتمل قوله عضين ، أن يكون جمع : عضه ، واحتمل أن يكون جمع عضو ، لأن معنى التعضية : التفريق ، كما تعضى الجزور والشاة ،فتفرق أعضاء . والعضه : البهت ، ورميه بالباطل من القول ، فهما متقاربان في المعنى .
هذه صفة المقتسمين. وقيل: هو مبتدأ وخبره ( لنسألنهم). وواحد العضين عضة، من عضيت الشيء تعضيه أي فرقته، وكل فرقة عضة. وقال بعضهم: كانت في الأصل عضوة فنقصت الواو، ولذلك جمعت عضين، كما قالوا: عزين في جمع عزة، والأصل عزوة. وكذلك ثبة وثبين. ويرجع المعنى إلى ما ذكرناه في المقتسمين. قال ابن عباس: آمنوا ببعض وكفروا ببعض. وقيل: فرقوا أقاويلهم فيه فجعلوه كذباً وسحراً وكهانة وشعراً. عضوته أي فرقته. قال الشاعر - هو رؤبة -:
وليس دين الله بالمعضى
أي بالمفرق. ويقال: نقصانه الهاء وأصله عضهة، لأن العضه والعضين في لغة قريش السحر. وهم يقولون للساحر: عاضه وللساحرة عاضهو. قال الشاعر:
أعوذ بربي من النافثا ت في عقد العاضه المعضه
وفي الحديث: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم العاضهة والمستعضهة، وفسر: الساحرة والمستسحرة. والمعنى: أكثرة البهت على القرآن ونوعوا الكذب فيه، فقالوا: سحر وأساطير الأولين، وأنه مفترىً، إلى غير ذلك. ونظير عضة في النقصان شفة، والأصل شفهة. كما قالوا: سنة، والأصل سنهة، فنقصوا الهاء الاصلية واثبتت هاء العلامة وهي للتأنيث. وقيل: هو من العضة وهي النميمة. والعضيهة البهتان، وهو أن يعضه الإنسان ويقول فيه ما ليس فيه. يقال: عضهه عضهاً رماه بالبهتان. وقد اعضهت أي جئت بالبهتان. قال الكسائي : العضة الكذب والبهتان، وجمعها عضون، مثل عزة وعزون، قال تعالى: " الذين جعلوا القرآن عضين ". ويقال: عضوه أي آمنوا بما أحبوا منه وكفروا بالباقي، فأحبط كفرهم إيمانهم. وكان الفراء يذهب إلى أنه مأخوذ من العضاة، وهي شجر الوادي ويخرج كالشوك.
يأمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس: "إني أنا النذير المبين" البين النذارة, نذير للناس من عذاب أليم أن يحل بهم على تكذيبه كما حل بمن تقدمهم من الأمم المكذبة لرسلها, وما أنزل الله عليهم من العذاب والانتقام. وقوله: "المقتسمين" أي المتحالفين, أي تحالفوا على مخالفة الأنبياء وتكذيبهم وأذاهم, كقوله تعالى إخباراً عن قوم صالح إنهم "قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله" الاية, أي نقتلهم ليلاً, قال مجاهد: تقاسموا وتحالفوا "وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت" "أولم تكونوا أقسمتم من قبل" الاية "أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة" فكأنهم كانوا لا يكذبون بشيء من الدنيا إلا أقسموا عليه فسموا مقتسمين, قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: المقتسمون أصحاب صالح الذين تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله. وفي الصحيحين عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني, وإني أنا النذير العريان فالنجاء النجاء, فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم فنجوا, وكذبه طائفة منهم فأصبحوا مكانهم, فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم, فذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق" .
وقوله: "الذين جعلوا القرآن عضين" أي جزءوا كتبهم المنزلة عليهم فآمنوا ببعض وكفروا ببعض. قال البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم, حدثنا هشيم, أنبأنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "جعلوا القرآن عضين" قال: هم أهل الكتاب جزءوه أجزاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه. حدثنا عبيد الله بن موسى عن الأعمش عن أبي ظبيان, عن ابن عباس "جعلوا القرآن عضين" قال: هم أهل الكتاب جزءوه أجزاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه. حدثنا عبيد الله بن موسى عن الأعمش عن أبي ظبيان, عن ابن عباس قال: "جعلوا القرآن عضين" قال هم أهل الكتاب جزءوه أجزاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه, حدثنا عبيد الله بن موسى عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال "كما أنزلنا على المقتسمين" قال: آمنوا ببعض وكفروا ببعض اليهود والنصارى. قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد والحسن والضحاك وعكرمة وسعيد بن جبير وغيرهم نحو ذلك, وقال الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس "جعلوا القرآن عضين" قال: السحر, وقال عكرمة: العضه السحر بلسان قريش تقول للساحرة إنها العاضهة, وقال مجاهد: عضوه أعضاء, قالوا سحر, وقالوا كهانة, وقالوا أساطير الأولين, وقال عطاء: قال بعضهم ساحر, وقالوا مجنون, وقال كاهن, فذلك العضين, وكذا روي عن الضحاك وغيره.
وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش, وكان ذا شرف فيهم, وقد حضر الموسم فقال لهم: يا معشر قريش, إنه قد حضر هذا الموسم, وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا, فأجمعوا فيه رأياً واحداً, ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً, ويرد قولكم بعضه بعضاً, فقالوا: وأنت يا أبا عبد شمس فقل وأقم لنا رأياً نقول به, قال: بل أنتم قولوا لأسمع, قالوا: نقول كاهن, قال: ما هو بكاهن, قالوا: فنقول مجنون, قال: ما هو بمجنون, قالوا: فنقول شاعر, قال: ما هو بشاعر, قالوا: فنقول ساحر, قال: ما هو بساحر, قالوا: فماذا نقول ؟ قال: والله إن لقوله لحلاوة, فما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عرف أنه باطل, وإن أقرب القول أن تقولوا هو ساحر, فتفرقوا عنه بذلك, وأنزل الله فيهم "الذين جعلوا القرآن عضين" أصنافاً " فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون " أولئك النفر الذين قالوا لرسول لله .
وقال عطية العوفي عن ابن عمر في قوله: " لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون " قال: عن لا إله إلا الله. وقال عبد الرزاق: أنبأنا الثوري عن ليث هو ابن أبي سليم عن مجاهد في قوله تعالى: " لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون " قال: عن لا إله إلا الله, وقد روى الترمذي وأبو يعلى الموصلي وابن جرير وابن أبي حاتم من حديث شريك القاضي, عن ليث بن أبي سليم عن بشير بن نهيك, عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم "فوربك لنسألنهم أجمعين" قال: عن لا إله إلا الله, ورواه ابن إدريس عن ليث عن بشير عن أنس موقوفاً, وقال ابن جرير: حدثنا أحمد, حدثنا أبو أحمد, حدثنا شريك عن هلال عن عبد الله بن عكيم, قال: ورواه الترمذي وغيره من حديث أنس مرفوعاً, وقال عبد الله هو ابن مسعود: والذي لا إله غيره ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر, فيقول: ابن آدم ماذا غرك مني بي ؟ ابن آدم ماذا عملت فيما علمت ؟ ابن آدم ماذا أجبت المرسلين ؟
وقال أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية في قوله: " فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون " قال: يسأل العباد كلهم عن خلتين يوم القيامة: عما كانوا يعبدون, وماذا أجابوا المرسلين, وقال ابن عيينة عن عملك وعن مالك. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا أحمد بن أبي الحواري, حدثنا يونس الحذاء عن أبي حمزة الشيباني عن معاذ بن جبل قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معاذ إن المرء يسأل يوم القيامة عن جميع سعيه حتى كحل عينيه, وعن فتات الطينة بأصبعه, فلا ألفينك يوم القيامة واحد غيرك أسعد بما آتاك الله منك" وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: " فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون " ثم قال: "فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان" قال: لا يسألهم هل عملتم كذا ؟ لأنه أعلم بذلك منهم, ولكن يقول: لم عملتم كذا وكذا ؟.
91- "الذين جعلوا القرآن عضين" جمع عضة، وأصلها عضوة فعلة من عضى الشاة إذا جعلها أجزاء، فيكون المعنى على هذا: الذين جعلوا القرآن أجزاء متفرقة، بعضه شعر، وبعضه سحر، وبعضه كهانة ونحو ذلك، وقيل هو مأخوذ من عضته إذا بهته، فالمحذوف منه الهاء لا الواو، وجمعت العضة على المعنيين جمع العقلاء لما لحقها من الحذف فجعلوا ذلك عوضاً عما لحقها من الحذف، وقيل معنى عضين إيمانهم ببعض الكتاب وكفرهم ببعض، ومما يؤيد، أن معنى عضين التفريق، قول رؤية:
وليس دين الله بالعضين
أي بالمفرق، وقيل العضة والعضين في لغة قريش السحر: وهم يقولون للساحر عاضه، وللساحرة عاضهة، ومنه قول الشاعر:
أعوذ بربي من النافثات في عقد العاضهة والعضه
وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن العاضهة والمستعضهة، وفسر بالساحرة والمستسحرة والمعنى: أنهم أكثروا البهت على القرآن، وسموه سحراً وكذباً وأساطير الأولين، ونظير عضة في النقصان شفة، والأصل شفهة، وكذلك سنة، والأصل سنهة. قال الكسائي: العضة: الكذب والبهتان: وجمعها عضون. وقال الفراء: إنه مأخوذ من العضاه، وهي شجر يؤذي ويجرح كالشوك، ويجوز أن يراد بالقرآن التوراة والإنجيل لكونهما مما يقرأ، ويراد بالمقتسمين هم اليهود والنصارى: أي جعلوهما أجزاء متفرقة، وهو أحد الأقوال المتقدمة.
91-"الذين جعلوا القرآن عضين"، جزؤوه فجعلوه أعضاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه. وقال مجاهد: هم اليهود والنصارى قسموا كتابهم ففرقوه وبدلوه.
وقيل: " المقتسمين " قوم اقتسموا القرآن. فقال بعضهم: سحر. وقال بعضهم: شعر. وقال بعضهم: كذب، وقال بعضهم: أساطير الأولين.
وقيل: الاقتسام هو أنهم فرقوا القول في رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ساحر كاهن شاعر.
وقال مقاتل: كانوا ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم، فاقتسموا عقاب مكة وطرقها، وقعدوا على أنقابها يقولون لم جاء من الحجاج: لا تغتروا بهذا الرجل الخارج الذى يدعي النبوة منا. وتقول طائفة منهم: إنه مجنون، وطائفة: إنه كاهن، وطائفة: إنه شاعر، والوليد قاعد على باب المسجد نصبوه حكما فإذا سئل عنه قال: صدق أولئك يعني المقتسمين.
وقوله: "عضين" قيل: هو جمع عضو مأخوذ من قولهم عضيت الشيء تعضية، إذا فرقته. ومعناه: أنهم جعلوا القرآن أعضاء، فقال بعضهم: سحر. وقال بعضهم: كهانة. وقال بعضهم: أساطير الأولين.
وقيل: هو جمع عضة. يقال: عضة وعضين مثل برة وبرين وعزة وعزين، وأصلها: عضهة ذهبت هاؤها الأصلية، كما نقصوا من الشفة وأصلها شفهة، بدليل: أنك تقول في التصغير شفيهة، والمراد بالعضة الكذب والبهتان.
وقيل: المراد بالعضين العضه، وهو السحر، يريد: أنهم سموا القرآن سحراً.
91."الذين جعلوا القرآن عضين"أجزاء جمع عضة ، وأصلها عضوة من عضى الشاة إذا جعلها أعضاء . وقيل فعلة من عضهته إذا بهته ،وفي الحديث "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم العاضهة والمستعضهة "وقيل أسحاراً وعن عكرمة العضة السحر ، وإنما جمع جمع السلامة جبراً لما حذف منه والموصول بصلته صفة للمقتسمين أو مبتدأ خبره.
91. Those who break the Quran into parts.
91 - (So also on such) as have made Quran into shreds (as they please).