91 - (إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة) مكة (الذي حرمها) جعلها حرما آمنا لا يسفك فيها دم الإنسان ولا يظلم فيها أحد ولا يصادد صيدها ولا يختلى خلاها وذلك من النعم على قريش أهلها في رفع الله عن بلدهم العذاب والفتن الشائعة في جميع بلاد العرب (وله) تعالى (كل شيء) فهو ربه وخالقه ومالكه (وأمرت أن أكون من المسلمين) لله بتوحيده
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد قل " إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة " وهي مكة " الذي حرمها " على خلقه أن يسكفوا فيها دماً حراماً، أو يظلموا فيها أحداً، أو يصاد صيدها، أو يختلى خلالها دون الأوثان التي تعبدونها أيها المشركون.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها " يعني: مكة.
وقوله " وله كل شيء " يقول: ولرب هذه البلدة الأشياء كلها ملكاً، فإياه أمرت أن أعبد، لا من لا يملك شيئاً. وإنما قال جل ثناؤه " رب هذه البلدة الذي حرمها " فخصها بالذكر دون سائر البلدان، وهو رب البلاد كلها، لأنه أراد تعريف المشركين من قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين هم أهل مكة بذلك نعمته عليهم، وإحسانه إليهم، وأن الذي ينبغي لهم أن يعبدوه هو الذي حرم بلدهم، فمنع الناس منهم، وهم في سائر البلاد يأكل بعضهم بعضاً، ويقتل بعضهم بعضاً، لا من لم تجر له عليهم نعمة، ولا يقدر لهم على نفع ولا ضر. وقوله " وأمرت أن أكون من المسلمين " يقول: وأمرني ربي أن أسلم وجهي له حنيفاً، فأكون من المسلمين الذين دانوا بدين خليله إبراهيم وجدكم أيها المشركون، لا من خالف دين جده المحق، ودان دين إبليس عدو الله.
قوله تعالى : " إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها " يعني مكة التي عظم الله حرمتها ، أي جعلها حرماً آمناً ، لا يسفك فيها دم ، ولا يظلم فيها أحد ، ولا يصاد فيها صيد ، ولا يعضد فيها شجر ، على ما تقدم بيانه في غير موضع . وقرأ ابن عباس : (( التي حرمها )) نعتاً للبلدة . وقرأءة الجماعة (( الذي )) وهو في موضع نصب نعت لـ(( رب )) ولو كان بالألف واللام لقلت المحرمها ، وفإن كانت نعتاً للبلدة قلت المحرمها هو ، لابد من إظهرا المضمر مع الألف واللا م ، لأن الفعل جرى على غير من هو له ، فإن قلت الذي حرمها له تحتج أن تقول هو " وله كل شيء " خلقاً وملكاً . " وأمرت أن أكون من المسلمين " أي من المناقدين لأمره ، والموحدين له .
يقول تعالى مخبراً رسوله وآمراً له أن يقول: "إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء" كما قال تعالى: "قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم" وإضافة الربوبية إلى البلدة على سبيل التشريف لها والاعتناء بها, كما قال تعالى: " فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ", وقوله تعالى: "الذي حرمها" أي الذي إنما صارت حراماً شرعاً وقدراً بتحريمه لها, كما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: "إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض, فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة, لا يعضد شوكه, ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاها" الحديث بتمامه. وقد ثبت في الصحاح والحسان والمسانيد من طرق جماعة تفيد القطع, كما هو مبين في موضعه من كتاب الأحكام, ولله الحمد والمنة.
وقوله تعالى: "وله كل شيء" من باب عطف العام على الخاص, أي هو رب هذه البلدة ورب كل شيء ومليكه لا إله إلا هو "وأمرت أن أكون من المسلمين" أي الموحدين المخلصين المنقادين لأمره المطيعين له. وقوله: "وأن أتلو القرآن" أي على الناس أبلغهم إياه كقوله تعالى: " ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم " وكقوله تعالى: " نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق " الاية, أي أنا مبلغ ومنذر, "فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين" أي لي أسوة بالرسل الذين أنذروا قومهم, وقاموا بما عليهم من أداء الرسالة إليهم, وخلصوا من عهدتهم وحساب أممهم على الله تعالى, كقوله تعالى: "فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب" وقال "إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل" "وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها" أي لله الحمد الذي لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه, والإنذار إليه, ولهذا قال تعالى: "سيريكم آياته فتعرفونها" كما قال تعالى: " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ".
وقوله تعالى: "وما ربك بغافل عما تعملون" أي بل هو شهيد على كل شيء. قال ابن أبي حاتم : ذكر عن أبي عمر الحوضي حفص بن عمر , حدثنا أبو أمية بن يعلى الثقفي , حدثنا سعيد بن أبي سعيد , سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس لا يغترن أحدكم بالله, فإن الله لو كان غافلاً شيئاً لأغفل البعوضة والخردلة والذرة" وقال أيضاً: حدثنا محمد بن يحيى , حدثنا نصر بن علي قال أبي أخبرني خالد بن قيس عن مطر عن عمر بن عبد العزيز قال: فلو كان الله مغفلاً شيئاً لأغفل ما تعفي الرياح من أثر قدمي ابن آدم, وقد ذكر عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه كان ينشد هذين البيتين إما له وإما لغيره:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيب
آخر تفسير سورة النمل ولله الحمد والمنة.
91- "إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها" لما فرغ سبحانه من بيان أحوال المبدإ والمعاد أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم هذه المقالة: أي قل يا محمد إنما أمرت أن أخص الله بالعبادة وحده لا شريك له، والمراد بالبلدة: مكة، وإنما خصها من بين سائر البلاد لكن فيها بيت الله الحرام، ولكونها أحب البلاد إلى رسوله، والموصول صلة للبلدة، ومعنى حرمها جعلها حرماً آمناً لا يسفك فيها دم، ولا يظلم فيها أحد، ولا يصطاد صيدها، ولا يختلى خلالها "وله كل شيء" من الأشياء خلقاً وملكاً وتصرفاً: أي ولله كل شيء "وأمرت أن أكون من المسلمين" أي المناقدين لأمر الله المستسلمين له بالطاعة، وامتثال أمره، واجتناب نهيه، والمراد بقوله أن أكون أن أثبت على ما أنا عليه.
قوله تعالى 91- "إنما أمرت"، يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم قل إنما أمرت، "أن أعبد رب هذه البلدة"، يعني: مكة، "الذي حرمها"، جعلها الله حرماً آمناً، لا يسفك فيها دم، ولا يظلم فيها أحد، ولا يصاد صيدها، ولا / يختلى خلاها، "وله كل شيء"، خلقاً وملكاً، "وأمرت أن أكون من المسلمين"، لله.
91 -" إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها " أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم ذلك بعدما بين المبدأ والمعاد وشرح أحوال القيامة ، إشعاراً بأنه قد أتم الدعوة وقد كملت وما عليه بعد إلا الاشتغال بشأنه والاستغراق في عبادة ربه ، وتخصيص مكة بهذه الإضافة تشريف لها وتعظيم لشأنها وقرئ (( التي حرمها )) . " وله كل شيء " خلقاً وملكاً . " وأمرت أن أكون من المسلمين " المنقادين أو الثابتين على ملة الإسلام .
91. (Say): I (Muhammad) am commanded only to serve the Lord of this land which He hath hallowed, and unto Whom all things belong. And I am commanded to be of those who surrender (unto Him),
91 - For me, I have been commanded to serve the Lord of this City, Him Who has sanctified it and to Whom (belong) all things: and I am commanded to be of those who bow in Islam to God's Will,