93 - (ومن) أي لا أحد (أظلم ممن افترى على الله كذبا) بادعاء النبوة ولم ينبأ (أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء) نزلت في مسيلمة (ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله) وهم المستهزئون قالوا لو نشاء لقلنا مثل هذا (ولو ترى) يا محمد (إذ الظالمون) المذكورون (في غمرات) سكرات (الموت والملائكة باسطوا أيديهم) إليهم بالضرب والتعذيب يقولون لهم تعنيفا (أخرجوا أنفسكم) إلينا لنقبضها (اليوم تجزون عذاب الهون) الهوان (بما كنتم تقولون على الله غير الحق) بدعوى النبوة والإيحاء كذبا (وكنتم عن آياته تستكبرون) تتكبرون عن الإيمان بها وجواب لو رأيت أمرا فظيعا
قوله تعالى ومن أظلم الآية أخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء قال نزلت مسيلمة ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله قال نزلت في عبد الله بن سعد بي أبي سرح كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فيملي عليه عزيز حكيم فيكتب غفور رحيم ثم يقرأ عليه فيقول نعم سواء فرجع عن الإسلام ولحق بقريش وأخرج عن السدي نحوه وزاد قال إن كان محمد يوحى إليه فقد أوحي إلي وان كان الله ينزله فقد أنزلت مثل ما أنزل الله قال محمد سميعا عليما فقلت أنا عليما حكيما
قال أبو جعفر: يعني جل ذكره بقوله : "ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا"، ومن أخطأ قولاً وأجهل فعلاً، "ممن افترى على الله كذبا"، يعني : ممن اختلق على الله كذباً، فادعى عليه أنه بعثه نبياً وأرسله نذيراً، وهو في دعواه مبطل ، وفي قيله كاذب .
وهذا تسفيه من الله لمشركي العرب ، وتجهيل منه لهم ، في معارضة عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، والحنفي مسيلمة، لنبي الله صلى الله عليه وسلم ، بدعوى أحدهما النبوة، ودعوى الآخر أنه قد جاء بمثل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونفي منه عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم اختلاق الكذب عليه ودعوى الباطل.
وقد اختلف أهل التأويل في ذلك .
فقال بعضهم فيه نحو الذي قلنا فيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة قوله : "ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء"، قال : نزلت في مسيلمة أخي بني عدي بن حنيفة، فيما كان يسجع ويتكهن به ، "ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله"، نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، أخي بني عامر بن لؤي ، كان كتب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وكان فيما يملي عزيز حكيم ، فيكتب غفور رحيم فيغيره ، ثم يقرأ عليه كذا وكذا، لما حول ، فيقول : نعم ، سواء. فرجع عن الإسلام ولحق بقريش وقال لهم : لقد كان ينزل عليه عزيز حكيم فأحوله ، ثم أقرأ ما كتبت ، فيقول : نعم سواء! ثم رجع إلى الإسلام قبل فتح مكة، إذ نزل النبي صلى الله عليه وسلم بمر.
وقال بعضهم : بل نزل ذلك في عبد الله بن سعد خاصة.
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء" إلى قوله : "تجزون عذاب الهون". قال : نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، أسلم ، وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم ، فكان إذا أملى عليه : سميعاً عليماً ، كتب هو: عليماً حكيماً ، وإذا قال : عليماً حكيماً كتب : سميعاً عليماً ، فشك وكفر، وقال : إن كان محمد يوحى إليه فقد أوحي إلي ، وإن كان الله ينزله فقد أنزلت مثل ما أنزل الله ! قال محمد: سميعاً عليماً فقلت أنا: عليماً حكيماً فلحق بالمشركين ووشى بعمار وجبير عند ابن الحضرمي ، أو لبني عبد الدار. فأخذوهم فعذبوا حتى كفروا، وجدعت أذن عمار يومئذ . فانطلق عمار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما لقي ، والذي أعطاهم من الكفر، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتولاه ، فأنزل الله في شان ابن أبي سرح وعمار وأصحابه : "من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا" [النحل : 106]، فالذي أكره : عمار وأصحابه ، والذي شرح بالكفر صدراً فهو ابن أبي سرح.
وقال آخرون : بل القائل : "أوحي إلي ولم يوح إليه شيء"، مسيلمة الكذاب .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : "أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله"، ذكر لنا أن هذه الآية نزلت في مسيلمة . ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : رأيت فيما يرى النائم كان في يدي سوارين من ذهب ، فكبرا علي وأهماني ، فأوحي إلي : أن انفخهما، فنفختهما فطارا، فأؤلتهما في منامي الكذابين اللذين أنا بينهما، كذاب اليمامة مسيلمة، وكذاب صنعاء العنسي . وكان يقال له : الأسود.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال : "أوحي إلي ولم يوح إليه شيء"، قال : نزلت في مسيلمة.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن قتادة، وزاد فيه : وأخبرني الزهري : "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب ، فكبر ذلك علي ، فأوحي إلي أن انفخهما، فنفختهما فطارا، فأولت ذلك كذاب اليمامة وكذاب صنعاء العنسي".
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال : إن الله قال : "ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء"، ولا تمانع بين علماء الأمة أن ابن أبي سرح كان ممن قال : إني قد قلت مثل ما قال محمد، وأنه ارتد عن إسلامه ولحق بالمشركين ، فكان لا شك بذلك من قيله مفترياً كذباً. وكذلك لا خلاف بين الجميع أن مسيلمة والعنسي الكذابين ، ادعيا على الله كذباً أنه بعثهما نبيين ، وقال كل واحد منهما إن الله أوحى إليه ، وهو كاذب في قيله . فإذ كان ذلك كذلك ، فقد دخل في هذه الآية كل من كان مختلقاً على الله كذباً، وقائلاً في ذلك الزمان وفي غيره : أوحى الله إلي، وهو في قيله كاذب ، لم يوح الله إليه شيئاً . فأما التنزيل ، فإنه جائز أن يكون نزل بسبب به بعضهم ، وجائز أن يكون نزل بسبب جميعهم ، وجائز أن يكون عني به جميع المشركين من العرب، إذ كان قائلو ذلك منهم ، فلم يغيروه . فعيرهم الله بذلك ، وتوعدهم بالعقوبة على تركهم نكير ذلك . ومع تركهم نكيره هم بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم مكذبون ، ولنبوته جاحدون ، ولآيات كتاب الله وتنزيله دافعون، فقال لهم جل ثناؤه : ومن أظلم ممن ادعى علي النبوة كاذباً ، وقال : "أوحي إلي"، ولم يوح إليه شيء ، ومع ذلك يقول : "ما أنزل الله على بشر من شيء"، فينقض قوله بقوله ، ويكذب بالذي تحققه ، وينفي ما يثبته . وذلك إذا تدبره العاقل الأريب علم أن فاعله من عقله عديم.
وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقول في قوله : "ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله"، ما :
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله"، قال : زعم أنه لو شاء قال مثله ، يعني الشعر.
فكان ابن عباس في تأويله هذا على ما تأوله ، يوجه معنى قول قائل : "سأنزل مثل ما أنزل الله"، إلى : سأنزل مثل ما قال الله من الشعر. وكذلك تأوله السدي. وقد ذكرنا الرواية عنه قبل فيما مض .
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : ولو ترى، يا محمد، حين يغمر الموت بسكراته هؤلاء الظالمين العادلين بربهم الآلهة والأنداد، والقائلين : "ما أنزل الله على بشر من شيء"، والمفترين على الله كذباً الزاعمين أن الله أوحى إليه ولم يوح إليه شيء ، والقائلين "سأنزل مثل ما أنزل الله"، فتعاينهم وقد غشيتهم سكرات الموت ، ونزل بهم أمر الله ، وحان فناء آجالهم ، والملائكة باسطو أيديهم يضربون وجوههم وأدبارهم ، كما قال جل ثناؤه : "فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم * ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه" [محمد : 27 ، 28]. يقولون لهم : أخرجوا أنفسكم .
والغمرات جمع غمرة، وغمرة كل شيء ، كثرته ومعظمه ، وأصله الشيء الذي يغمر الأشياء فيغطيها، ومنه قول الشاعر:
وهل ينجي من الغمرات إلا براكاء القتال أو الفرار؟
وروي عن ابن عباس في ذلك ، ما:
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال ابن عباس : قوله : "ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت"، قال : سكرات الموت .
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : "في غمرات الموت"، يعني سكرات الموت .
وأمابسط الملائكة أيديها ، فإنه مدها .
ثم اختلف أهل التأويل في سبب بسطها أيديها عند ذلك .
فقال بعضهم بنحو الذي قلنا في ذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ،حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله : "ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم"، قال : هذا عند الموت والبسط ، الضرب ، يضربون وجوههم وأدبارهم .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم"، يقول : "الملائكة باسطوا أيديهم"، يضربون وجوههم وأدبارهم ، والظالمون في غمرات الموت ، وملك الموت يتوفاهم .
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "والملائكة باسطوا أيديهم"، يضربونهم .
وقال آخرون : بل بسطها أيديها بالعذاب .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك : "والملائكة باسطوا أيديهم"، قال : بالعذاب .
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح : "والملائكة باسطوا أيديهم"، بالعذاب .
وكان بعض نحويي الكوفيين يتأول ذلك بمعنى : باسطوا أيديهم بإخراج أنفسهم .
فإن قال قائل : ما وجه قوله : "أخرجوا أنفسكم"، ونفوس بني آدم إنما يخرجها من أبدان أهلها رب العالمين؟ فكيف خوطب هؤلاء الكفار، وأمروا في حال الموت بإخراج أنفسهم؟ فإن كان ذلك كذلك ، فمد وجب أن يكون بنو آدم هم يقبضون أنفس أجسامهم!
قيل : إن معنى ذلك بخلاف الذي إليه ذهبت ، وإنما ذلك أمر من الله على ألسن رسله الذين يقبضون أرواح هؤلاء القوم من أجسامهم ، بأداء ما أسكنها ربها من الأرواح إليه ، وتسليمها إلى رسله الذين يتوفونها .
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عما تقول رسل الله التي تقبض أرواح هؤلاء الكفار لها، يخبر عنها أنها تقول لأجسامها ولأصحابها: "أخرجوا أنفسكم"، إلى سخط الله ولعنته ، فإنكم اليوم تثابون على كفركم بالله ، وقيلكم عليه الباطل ، وزعمكم أن الله أوحى إليكم ولم يوح إليكم شيئاً، وإنكاركم أن يكون اللله أنزل على بشر شيئاً، واستكباركم عن الخضوع لأمر الله وأمر رسوله ، والانقياد لطاعته ، "عذاب الهون"، وهو عذاب جهنم الذي يهينهم فيذلهم حتى يعرفوا صغار أنفسهم وذلتها، كما:
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : أما "عذاب الهون"، فالذي يهينهم .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج : "اليوم تجزون عذاب الهون"، قال : عذاب الهون ، في الآخرة، بما كنتم تعملون .
والعرب إذا أرادت ب "الهون" معنى الهوان ، ضمت الهاء ، وإذا أرادت به الرفق والدعة وخفة المؤونة، فتحت الهاء، فقالوا : هوقليل هون المؤونة، ومنه قول الله : "الذين يمشون على الأرض هونا" [الفرقان : 63]، يعني : بالرفق والسكينة والوقار، ومنه قول جندل بن المثنى الطهوي :
ونقض أيام نقضن أسره هوناً، وألقى كل شيخ فخره
ومنه قول الآخر:
هونكما لا يرد الدهر ما فاتا لا تهلكا أسفاً في إثر من ماتا
يريد : أرودا وقد حكي فتح الهاء في ذلك بمعنىالهوان ، واستشهدوا على ذلك ببيت عامر بن جوين :
يهين النفوس ، وهون النفو س عند الكريهة أغلى لها
والمعروف من كلامهم ، ضم الهاء منه ، إذا كان بمعنى الهوان والذل ، كما قال ذو الإصبع العدواني :
اذهب إليك فما أمي براعية ترعى المخاض ولا أغضي على الهون
يعني : على الهوان ، وإذا كان بمعنى الرفق ، ففتحها.
قوله تعالى: "ومن أظلم" ابتداء وخبر، أي لا أحد أظلم. "ممن افترى" أي اختلق. "على الله كذبا أو قال أوحي إلي" فزعم أنه نبي "ولم يوح إليه شيء". نزلت في رحمان اليمامة والأسود العنسي وسجاح زوج مسيلمة، كلهم تنبأ وزعم أن الله قد أوحى إليه. قال قتادة: بلغنا أن الله أنزل هذا في مسيلمة، وقاله ابن عباس.
قلت: ومن هذا النمط من أعرض عن الفقه والسنن وما كان عليه السلف من السنن فيقول: وقع في خاطري كذا، أو أخبرني قلبي بكذا، فيحكمون بما يقع في قلوبهم ويغلب عليهم من خواطرهم، ويزعمون أن ذلك لصفائها من الأكدار وخلوها عن الأغيار، فتتجلى لهم العلوم الإلهية والحقائق الربانية، فيقفون على أسرار الكليات ويعلمون أحكام الجزئيات فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات، ويقولون: هذه الأحكام الشرعية العامة، إنما يحكم بها على الأغبياء والعامة، وأما الأولياء وأهل الخصوص، فلا يحتاجون لتلك النصوص. وقد جاء فيما ينقلون:
استفت قلبك وإن أفتاك المفتون وستدلون على هذا بالخضر، وأنه استغنى بما تجلى له من تلك العلوم، عما كان عند موسى من تلك الفهوم. وهذا القول زندقة وكفر، يقتل قائله ولا يستتاب، ولا يحتاج معه إلى سؤال ولا جواب، فإنه يلزم منه هد الحكام وإثبات أنبياء بعد نبينا صلى الله عليه وسلم. وسيأتي لهذا المعنى في الكهف مزيد بيان إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: "ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله" من في موضع خفض، أي ومن أظلم ممن قال سأنزل، والمراد عبد الله بن أبي سرح الذي كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ارتد ولحق بالمشركين. وسبب ذلك فيما ذكر المفسرون:
"أنه لما نزلت الآية التي في المؤمنون: "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين" [المؤمنون: 12] دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فأملاها عليه، فلما انتهى قوله "ثم أنشأناه خلقا آخر" [المؤمنون: 14] عجب عبد الله في تفصيل خلق الإنسان فقال: تبارك الله أحسن الخالقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلت علي فشك عبد الله حينئذ وقال: لئن كان محمد صادقاً لقد أوحي إلي كما أوحي إليه، ولئن كان كاذباً لقد قلت كما قال. فارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين"، فذلك قوله: "ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله" رواه الكلبي عن ابن عباس. وذكره محمد بن إسحاق قال حدثني شرحبيل قال:
"نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح "ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله" ارتد عن الإسلام، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أمر بقتله وقتل عبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة ولو وجدوا تحت أستار الكعبة، ففر عبد الله بن أبي سرح إلى عثمان رضي الله عنه، وكان أخاه من الرضاعة، أرضعت أمه عثمان، فغيبه عثمان حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما اطمأن أهل مكة فاستأمنه له، فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً ثم قال: نعم. فلما انصرف عثمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه. فقال رجل من الأنصار: فهلا أومأت إلي يا رسول الله؟ فقال: إن النبي لا ينبغي أن تكون له خائنة الأعين". قال أبو عمر: وأسلم عبد الله بن سعد بن أبي سرح أيام الفتح فحسن إسلامه، ولم يظهر منه ما ينكر عليه بعد ذلك. وهو أحد النجباء العقلاء الكرماء من قريش، وفارس بني عامر بن لؤي المعدود فيهم، ثم ولاه عثمان بعد ذلك مصر سنة خمس وعشرين. وفتح على يديه إفريقية سنة سبع وعشرين، وغزا منها الأساود من أرض النوبة سنة إحدى وثلاثين، وهو هادنهم الهدنة الباقية إلى اليوم. وغزا الصواري من أرض الروم سنة أربع وثلاثين، فلما رجع من وفاداته منعه ابن أبي حذيفة من دخول الفسطاط، فمضى إلى عسقلان، فأقام فيها حتى قتل عثمان رضي الله عنه. وقيل: بل أقام بالرملة حتى مات فاراً من الفتنة. ودعا ربه فقال: اللهم اجعل خاتمة عملي صلاة الصبح، فتوضأ ثم صلى فقرأ في الركعة الأولى بأم القرآن والعاديات، وفي الثانية بأم القرآن وسورة، ثم سلم عن يمينه، ثم ذهب يسلم عن يساره فقبض الله روحه. ذكر ذلك كله يزيد بن أبي حبيب وغيره. ولم يبايع لعلي ولا لمعاوية رضي الله عنهما. وكانت وفاته قبل اجتماع الناس على معاوية. وقيل: إنه توفي بإفريقية. والصحيح أنه توفي بعسقلان سنة ست أو سبع وثلاثين. وقيل: سنة ست وثلاثين. وروى حفص بن عمر عن الحكم بن أبان عن عكرمة أن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث، لأنه عارض القرآن فقال: والطاحنات طحناً. والعاجنات عجناً. فالخابزات خبزاً. فاللاقمات لقماً.
قوله تعالى: "ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت" أي شدائده وسكراته. والغمرة الشدة، وأصلها الشيء الذي يغمر الأشياء فيغطيها. ومنه غمره الماء. ثم وضعت في معنى الشدائد والمكاره. ومنه غمرات الحرب. قال الجوهري: والغمرة الشدة، والجمع غمر مثل نوبة ونوب. قال القطامي يصف سفينة نوح عليه السلام:
وحان لتالك الغمر انحسار
وغمرات الموت شدائده. "والملائكة باسطوا أيديهم" ابتداء وخبر. والأصل باسطون. قيل: بالعذاب ومطارق الحديد، عن الحسن والضحاك. وقيل: لقبض أرواحهم، وفي التنزيل: "ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم" [الأنفال: 50] فجمعت هذه الآية القولين. يقال: بسط إليه يده بالمكروه. "أخرجوا أنفسكم" أي خلصوها من العذاب إن أمكنكم، وهو توبيخ. وقيل: أخرجوها كرهاً، لأن روح المؤمن تنشط للخروج للقاء ربه، وروح الكافر تنتزع انتزاعاً شديداً، ويقال:
أيتها النفس الخبيثة اخرجي ساخطة مسخوطاً عليك إلى عذاب الله وهوانه، كذا جاء في حديث أبي هريرة وغيره. وقد أتينا عليه في كتاب التذكرة والحمد لله. وقيل: هو بمنزلة قول القائل لمن يعذبه: لأذيقنك العذاب ولأخرجن نفسك، وذلك لأنهم لا يخرجون أنفسهم بل يقبضها ملك الموت وأعوانه. وقيل: يقال هذا للكفار وهم في النار. والجواب محذوف لعظم الأمر، أي ولو رأيت الظالمين في هذه الحال لرأيت عذاباً عظيماً. والهون والهوان سواء. و"تستكبرون" أي تتعظمون وتأنفون عن قبول آياته.
يقول تعالى: "ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً" أي لا أحد أظلم, ممن كذب على الله, فجعل له شركاء أو ولداً, أو ادعى أن الله أرسله إلى الناس ولم يرسله, ولهذا قال تعالى: " أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء " قال عكرمة وقتادة: نزلت في مسيلمة الكذاب "ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله" أي ومن ادعى أنه يعارض ما جاء من عند الله من الوحي, مما يفتريه من القول, كقوله تعالى: "وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا" الاية, قال الله تعالى: "ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت" أي في سكراته, وغمراته, وكرباته, " والملائكة باسطوا أيديهم " أي بالضرب, كقوله "لئن بسطت إلي يدك لتقتلني" الاية, وقوله "يبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء" الاية, وقال الضحاك وأبو صالح باسطو أيديهم أي بالعذاب, كقوله "ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم" ولهذا قال " والملائكة باسطوا أيديهم " أي بالضرب لهم, حتى تخرج أنفسهم من أجسادهم, ولهذا يقولون لهم "أخرجوا أنفسكم" وذلك أن الكافر إذا احتضر, بشرته الملائكة بالعذاب, والنكال, والأغلال, والسلاسل, والجحيم, والحميم, وغضب الرحمن الرحيم, فتتفرق روحه في جسده, وتعصي وتأبى الخروج, فتضربهم الملائكة, حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم, قائلين لهم "أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق" الاية, أي اليوم تهانون غاية الإهانة, كما كنتم تكذبون على الله, وتستكبرون عن اتباع آياته والانقياد لرسله.
وقد وردت الأحاديث المتواترة في كيفية احتضار المؤمن والكافر عند الموت وهي مقررة عند قوله تعالى: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة " وقد ذكر ابن مردويه ههنا حديثاً مطولاً جداً من طريق غريبة, عن الضحاك, عن ابن عباس مرفوعاً, فالله أعلم, وقوله "ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة" أي يقال لهم يوم معادهم هذا كما قال " وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة " أي كما بدأناكم أعدناكم, وقد كنتم تنكرون ذلك وتستبعدونه, فهذا يوم البعث, وقوله "وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم" أي من النعم والأموال التي اقتنيتموها, في الدار الدنيا وراء ظهوركم, وثبت في الصحيح, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يقول ابن آدم مالي مالي, وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت, أو لبست فأبليت, أو تصدقت فأمضيت, وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس" وقال الحسن البصري: يؤتى بابن آدم يوم القيامة كأنه بذخ, فيقول الله عز وجل: أين ما جمعت ؟ فيقول يا رب جمعته وتركته أوفر ما كان, فيقول له: يا ابن آدم أين ما قدمت لنفسك ؟ فلا يراه قدم شيئاً, وتلا هذه الاية "ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم" الاية, رواه ابن أبي حاتم, وقوله "وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء" تقريع لهم وتوبيخ على ما كانوا اتخذوا في الدنيا من الأنداد والأصنام والأوثان, ظانين أنها تنفعهم في معاشهم ومعادهم, إن كان ثم معاد, فإذا كان يوم القيامة تقطعت بهم الأسباب, وانزاح الضلال, وضل عنهم ما كانوا يفترون ويناديهم الرب جل جلاله على رؤوس الخلائق " أين شركائي الذين كنتم تزعمون " ويقال لهم " أين ما كنتم تعبدون * من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون " ولهذا قال ههنا " وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء " أي في العبادة لهم, فيكم قسط في استحقاق العبادة لهم.
ثم قال تعالى: "لقد تقطع بينكم" قرىء بالرفع أي شملكم, وبالنصب أي لقد تقطع ما بينكم من الأسباب والوصلات والوسائل، "وضل عنكم" أي ذهب عنكم "ما كنتم تزعمون" من رجاء الأصنام والأنداد, كقوله تعالى: " إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب * وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار " وقال تعالى: "فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون" وقال تعالى: "إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ومأواكم النار وما لكم من ناصرين" وقال "وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم" الاية, وقال "ويوم نحشرهم جميعاً ثم نقول للذين أشركوا" إلى قوله "وضل عنهم ما كانوا يفترون" والايات في هذا كثيرة جداً .
قوله: 93- "ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً" هذه الجملة مقررة لمضمون ما تقدم من الاحتجاج عليهم بأن الله أنزل الكتب على رسله: أي كيف تقولون ما أنزل الله على بشر من شيء، وذلك يستلزم تكذيب الأنبياء عليهم السلام، ولا أحد أظلم ممن افترى على الله كذباً فزعم أنه نبي وليس بنبي، أو كذب على الله في شيء من الأشياء "أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء" أي والحال أنه لم يوح إليه شيء، وقد صان الله أنبياءه عما تزعمون عليهم، وإنما هذا شأن الكذابين رؤوس الإضلال كمسيلمة الكذاب والأسود العنسي وسجاح. قوله: "ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله" معطوف على من افترى أي ومن أظلم ممن افترى أو ممن قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء، أو ممن قال سأنزل مثل ما أنزل الله، وهم القائلون "لو نشاء لقلنا مثل هذا" وقيل: هو عبد الله بن أبي سرح، فإنه كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأملى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثم أنشأناه خلقاً آخر" فقال عبد الله: "فتبارك الله أحسن الخالقين" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:هكذا أنزلت فشك عبد الله حينئذ وقال: لئن كان محمد صادقاً لقد أوحي إلي كما أوحي إليه، ولئن كان كاذباً لقد قلت كما قال، ثم ارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين، ثم أسلم يوم الفتح كما هو معروف. قوله: "ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت" الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح له، والمراد كل ظالم، ويدخل فيه الجاحدون لما أنزل الله والمدعون للنبوات افتراء على الله دخولاً أولياً، وجواب لو محذوف: أي لرأيت أمراً عظيماً، والغمرات جمع غمرة: وهي الشدة، وأصلها الشيء الذي يغمر الأشياء فيغطيها، ومنه غمرة الماء، ثم استعملت في الشدائد، ومنه غمرة الحرب. قال الجوهري: والغمرة الشدة والجمع غمر: مثل نوبة ونوب، وجملة "والملائكة باسطوا أيديهم" في محل نصب: أي والحال أن الملائكة باسطوا أيديهم لقبض أرواح الكفار، وقيل للعذاب وفي أيديهم مطارق الحديد، ومثله قوله تعالى: "ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم". قوله: "أخرجوا أنفسكم" أي قائلين لهم أخرجوا أنفسكم من هذه الغمرات التي وقعتم فيها، أو أخرجوا أنفسكم من أيدينا وخلصوها من العذاب، أو أخرجوا أنفسكم من أجسادكم وسلموها إلينا لنقبضها "اليوم تجزون عذاب الهون" أي اليوم الذي تقبض فيه أرواحكم، أو أرادوا باليوم الوقت الذي يعذبون فيه الذي مبدؤه عذاب القبر، والهون والهوان بمعنى: أي اليوم
تجزون عذاب الهوان الذي تصيرون به في إهانة وذلة بعدما كنتم فيه من الكبر والتعاظم، والباء في "بما كنتم تقولون على الله غير الحق" للسببية: أي بسبب قولكم هذا من إنكار إنزال الله كتبه على رسله والإشراك به "وكنتم عن آياته تستكبرون" عن التصديق لها والعمل بها فكان ما جوزيتم به من عذاب الهون "جزاء وفاقاً".
93- قوله عز وجل: " ومن أظلم ممن افترى "، أي: اختلق " على الله كذباً "، فزعم أن الله تعالى بعثه نبياً، " أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء "، قال قتادة :" نزلت في مسيلمة الكذاب الحنفي،وكان يسجع ويتكهن، فادعى النبوة وزعم أن الله أوحى إليه، وكان قد أرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهما: أتشهدان أن مسيلمة نبي ؟ قالا: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما ".
أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي أنا أبو طاهر الزيادي أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان أنا أحمد بن يوسف السلمي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه أنا أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بينما أنا نائم إذ أتيت خزائن الأرض فوضع في يدي سواران من ذهب، فكبرا علي وأهماني فأوحي إلى أن انفخهما، فنفختهما فذهبا، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما: صاحب صنعاء وصاحب اليمامة " أراد بصاحب صنعاء الأسود العنسي وبصاحب اليمامة مسيلمة الكذاب.
قوله تعالى: " ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله "، قيل: نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح وكان قد أسلم وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم وكان إذا أملى عليه: سميعاً بصيراً، كتب عليماً حكيماً، وإذا قال: عليماً حكيماً، كتب: غفوراً رحيماً، فلما نزلت: " ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين "(المؤمنون،12)أملاها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعجب عبد الله من تفصيل خلق الإنسان، فقال: تبارك الله أحسن الخالقين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتبها فهكذا نزلت،فشك عبد الله، وقال: لئن كان محمد صادقاً فقد أوحى إلي كما أوحي إليه، فارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين، ثم رجع عبد الله إلى الإسلام قبل فتح مكة إذ نزل النبي صلى الله عليه وسلم بمر الظهران .
وقال ابن عباس: قوله " ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله "، يريد المستهزئين، وهو جراب لقولهم: " لو نشاء لقلنا مثل هذا ".
قوله عز وجل: " ولو ترى "، يا محمد، " إذ الظالمون في غمرات الموت "،سكراته وهي جمع غمرة،وغمرة كل شيء: معظمة، وأصلها: الشيء الذي [يعم ]الأشياء فيغطيها، ثم وضعت في موضع الشدائد والمكاره، " والملائكة باسطوا أيديهم "، بالعذاب والضرب، يضربون وجوههم وأدبارهم، وقيل بقبض الأرواح، " أخرجوا "، أي: يقولون أخرجوا، " أنفسكم "، أي: أرواحكم كرهاً، لأن نفس المؤمن تنشط للقاء ربها، والجواب محذوف،يعني: لو تراهم في هذه الحال لرأيت عجباً، " اليوم تجزون عذاب الهون "، أي: الهوان، " بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون "، تتعظمون عن الإيمان بالقرآن ولا تصدقونه.
93 " ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا " فزعم أنه بعثه نبيا كمسيلمة والأسود العنسي ، أو اختلق عليه أحكاما كعمرو بن لحي ومتابعيه . " أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء " كعبد الله بن أبي سرح " كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نزلت " ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين " فلما بلغ قوله : " ثم أنشأناه خلقا آخر " قال عبد الله فتبارك الله أحسن الخالقين تعجبا من تفصيل خلق الإنسان فقال عليه الصلاة والسلام : اكتبها فكذلك نزلت ، فشك عبد الله وقال لئن كان محمد صادقا لقد أوحي إلي كما أوحي إليه ولئن كان كاذبا لقد قلت كما قال " " ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله " كالذين قالوا لو نشاء لقلنا مثل هذا . " ولو ترى إذ الظالمون " حذف مفعوله لدلالة الظرف عليه أي ولو ترى الظالمين . " في غمرات الموت " شدائده من غمره الماء إذا غشيه . " والملائكة باسطوا أيديهم " بقبض أرواحهم كالمتقاضي الملظ أو بالعذاب . " أخرجوا أنفسكم " أي يقولون لهم أخرجوها إلينا من أجسادكم تغليظا وتعنيفا عليهم ، أو أخرجوها من العذاب وخلصوها من أيدينا . " اليوم " يريدون وقت الإماتة ، أو الوقت الممتد من الإماتة إلى ما لا نهاية له . " تجزون عذاب الهون " أي الهوان يريدون العذاب المتضمن لشدة وإهانة ، فإضافته إلى الهون لعراقته وتمكنه فيه . " بما كنتم تقولون على الله غير الحق " كادعاء الولد والشريك له ودعوى النبوة والوحي كاذبا . " وكنتم عن آياته تستكبرون " فلا تتأملون فيها ولا تؤمنون .
93. Who is guilty of more wrong than he who forgeth a lie against Allah, or saith : I am inspired, when he is not inspired in aught; and who saith: I will reveal the like of that which Allah hath revealed? If thou couldst see, when the wrong doers reach the pangs of death and the angels stretch their hands out, saying: Deliver up your souls. This day ye are awarded doom of degradation for that ye spake concerning Allah other than the truth, and scorned, His portents.
93 - Who can be more wicked than one who inventeth a lie against God, or saith, I have received inspiration, when he hath received none, or (again) who saith, I can reveal the like of what God hath revealed? if thou couldst but see how the wicked (do fare) in the flood of confusion at death the angels stretch forth their hands, (saying), yield up your souls: this day shall ye receive your reward, a penalty of shame, for that ye used to tell lies against God, and scornfully to reject of his signs