94 - (فاصدع) يا محمد (بما تؤمر) به أي اجهر به وأمضه (وأعرض عن المشركين) هذا قبل الأمر بالجهاد
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فوربك يا محمد لنسألن هؤلاء الذين جعلوا القرآن في الدنيا عضين في الآخرة عما كانوا يعملون في الدنيا ، فيما أمرناهم به ، وفيما بعثناك به إليهم من آي كتابي الذي أنزلته إليهم ، وفيما دعوناهم إليه من الإقرار به ، ومن توحيدي والبراءة من الأنداد والأوثان .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا: حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت ليثاً ، عن بشير ، عن أنس ، في قوله : "فوربك لنسألنهم أجمعين" قال : عن شهادة أن لا إله إلا الله .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك ، عن ليث ، عن بشير بن نهيك ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : "فوربك لنسألنهم أجمعين" قال : عن لا إله إلا الله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن بشير ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله : "فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون" قال : عن لا إله إلا الله .
حدثنا احمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك ، عن هلال ، عن عبد الله بن عكيم ، قال : قال عبد الله : والذي لاإله غيره ، ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة ، كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر ، فيقول : ابن آدم ! ماذا غرك مني بي ابن آدم ؟ ماذا عملت فيما عملت ابن آدم ؟ ماذا أجبت المرسلين ؟
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، "فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون" قال: يسأل العباد كلهم عن خلتين يوم القيامة : عما كانوا يعبدون ، وعما أجابوا المرسلين .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال :حدثنا الحسين الجعفي ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية العوفي عن ابن عمر "لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون" قال :عن لا إله إلا الله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون" ، ثم قال ( فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان ) قال : لا يسألهم : هل عملتم كذا وكذا ، لأنه أعلم بذلك منهم ، ولكن يقول لهم : لم عملتم كذا وكذا .
حدثنا ابن وكيع ، قال :حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، مولى زيد بن ثابت ، عن سعيد بن جبير ، أو عكرمة ، عن ابن عباس ،قال :أنزل الله تعالى ذكره "فاصدع بما تؤمر" فإنه أمر من الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم بتبليغ رسالته قومه ، وجميع من أرسل إليه . ويعني بقوله "فاصدع بما تؤمر" : فأمض وافرق ، كما قال أبو ذؤيب :
وكأنهن ربابة وكأنه يسر يفيض على القداح ويصدع
يعني بقوله : يصدع : يفرق بالقداح .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال :حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "فاصدع بما تؤمر" يقول : فأمضه .
حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني ابي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله "فاصدع بما تؤمر" ، يقول :افعل ما تؤمر .
حدثني الحسين بن يزيد الطحان ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد، في قوله "فاصدع بما تؤمر" ، قال : بالقرآن .
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي ، قال : حدثنا يحيى بن إبراهيم ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : "فاصدع بما تؤمر" قال : هو القرآن .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله "فاصدع بما تؤمر" قال : بالقرآن .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد، في قوله "فاصدع بما تؤمر" قال : الجهر بالقرآن في الصلاة .
حدثنا احمد ،قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك ، عن ليث ، عن مجاهد : "فاصدع بما تؤمر" قال : بالقرآن في الصلاة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، وحدثني المثنى ، قال: حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "فاصدع بما تؤمر" قال : اجهر بالقرآن في الصلاة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أبو اسامة ، قال : حدثنا موسى بن عبيدة ، عن أخيه عبد الله بن عبيدة ، قال : ما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفياً حتى نزلت "فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين" فخرج هو واصحابه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابو هب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله "فاصدع بما تؤمر" قال : بالقرآن الذي يوحى إليه أن يبلغهم إياه ، وقال تعالى ذكره "فاصدع بما تؤمر" ولم يقل : بما تؤمر به ، والأمر يقتضي الباء ، لأن معنى الكلام : فاصدع بأمرنا ، فقد أمرناك أن تدعو إلى ما بعثناك به من الدين خلقي ، وأذنا لك في إظهاره .
ومعنى ما التي في قوله "بما تؤمر" معنى المصدر ، كما قال تعالى ذكره ( يا ابت افعل ما تؤمر ) معناه : افعل الأمر الذي تؤمر به . وكان بعض نحويي أهل الكوفة يقول في ذلك : حذفت الباء التي يوصل بها تؤمر من قوله "فاصدع بما تؤمر" على لغة الذين يقولون : أمرتك أمراً . وكان يقول للعرب في ذلك لغتان : إحداهما أمرتك أمراً ، والأخرى أمرتك بأمر ، فكان يقول : إدخال الباء في ذلك وإسقاطها سواء ، واستشهد لقوله ذلك بقول حصين بن المنذر الرقاشي ليزيد بن المهلب :
أمرتك أمرا جازما فعصيتني فأصبحت مسلوب الإمارة نادما
فقال : أمرتك أمراً، ولم يقل : أمرتك بأمر ، وذلك كما قال تعالى ذكره ( ألا إن عادا كفروا ربهم ) ولم يقل : بربهم ، وكما قالوا : مددت الزمام ، ومددت بالزمام ، وما أشبه ذلك من الكلام .
واما قوله : "وأعرض عن المشركين" يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : بلغ قومك ما أرسلت به ، واكفف عن حرب المشركين بالله وقتالهم ، وذلك قبل أن يفرض عليه جهادهم ، ثم نسخ ذلك بقوله ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) .
كما حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله "وأعرض عن المشركين" وهو من المنسوخ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله "وأعرض عن المشركين" و ( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ) ، وهذا النحو كله في القرآن أمر الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم أن يكون ذلك منه ،ثم أمر بالقتال ، فنسخ ذلك كله ، فقال ( فخذوهم واقتلوهم ) ... الآية .
قوله تعالى: " فاصدع بما تؤمر " أي بالذي تؤمر به، أي بلغ رسالة الله جميع الخلق لتقوم الحجة عليهم، فقد أمرك الله بذلك. والصدع: الشق. وتصدع القوم أي تفرقوا، ومنه " يومئذ يصدعون " ( الروم: 43) أي يتفرقون. وصدعته فانصدع أي انشق. وأصل الصدع الفرق والشق. قال أبو ذؤيب يصف الحمار وأتنه:
وكأنهن ربابة وكأنه يسر يفيض على القداح ويصدع
أي يفرق ويشق. فقوله: ( اصدع بما تؤمر) قال الفراء: أراد فاصدع بالأمر، أي أظهر دينك، فـ ( ـما) مع الفعل على هذا بمنزلة المصدر. وقال ابن الأعرابي : معنى اصدع بما تؤمر، أي أقصد. وقيل: ( فاصدع بما تؤمر) أي فرق جمعهم وكلمتهم بأن تدعوهم إلى التوحيد فإنهم يتفرقون بأن يجيب البعض، فيرجع الصدع على هذا إلى صدع جماعة الكفار.
قوله تعالى: " وأعرض عن المشركين " أي عن الاهتمام باستهزائهم وعن المبالات بقولهم، فقد برأك الله عما يقولون. وقال ابن عباس: هو منسوخ بقوله " فاقتلوا المشركين " ( التوبة: 5). وقال عبد الله بن عبيد: ما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفياً حتى نزل قوله تعالى ( فاصدع بما تؤمر) فخرج هو وأصحابه. وقال مجاهد: أراد الجهر بالقرآن في الصلاة. ( وأعرض عن المشركين ) لا تبال بهم. وقال ابن إسحاق: لما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء أنزل الله تعالى " فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين * إنا كفيناك المستهزئين * الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون ".
يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم بإبلاغ ما بعثه به وبإنفاذه والصدع به, وهو مواجهة المشركين به, كما قال ابن عباس في قوله: "فاصدع بما تؤمر" أي أمضه, وفي رواية "افعل ما تؤمر" وقال مجاهد: هو الجهر بالقرآن في الصلاة. وقال أبو عبيدة عن عبد الله بن مسعود: ما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفياً حتى نزلت "فاصدع بما تؤمر", فخرج هو وأصحابه. وقوله: "وأعرض عن المشركين * إنا كفيناك المستهزئين" أي بلغ ما أنزل إليك من ربك, ولا تلتفت إلى المشركين الذين يريدون أن يصدوك عن آيات الله " ودوا لو تدهن فيدهنون " ولا تخفهم فإن لله كافيك إياهم وحافظك منهم, كقوله تعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس".
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا يحيى بن محمد بن السكن, حدثنا إسحاق بن إدريس, حدثنا عون بن كهمس عن يزيد بن درهم, عن أنس قال: سمعت أنساً يقول في هذه الاية, " إنا كفيناك المستهزئين * الذين يجعلون مع الله إلها آخر " قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم فغمزه بعضهم فجاء جبريل, أحسبه قال: فغمزهم, فوقع في أجسادهم كهيئة الطعنة فماتوا. قال محمد بن إسحاق: كان عظماء المستهزئين كما حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير خمسة نفر, وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم من بني أسد بن عبد العزى بن قصي الأسود بن المطلب أبي زمعة , كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه, فقال: "اللهم أعم بصره, وأثكله ولده" ومن بني زهرة الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة, ومن بني مخزوم الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم, ومن بني سهم ابن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سعد, ومن خزاعة الحارث بن الطلاطلة بن عمرو بن الحارث بن عبد بن ـ عمرو بن ملكان ـ. فلما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء أنزل الله تعالى: " فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين * إنا كفيناك المستهزئين * الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون ".
وقال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير أو غيره من العلماء,أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت , فقام وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه, فمر به الأسود بن عبد يغوث فأشار إلى بطنه, فاستسقى بطنه, ومر به الوليد بن المغيرة, فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله, وكان أصابه قبل ذلك بسنتين, وهو يجز إزاره, وذلك أنه مر برجل من خزاعة يريش نبلاً له, فتعلق سهم من نبله بإزاره فخدش رجله ذلك الخدش, وليس بشيء, فانتفض به فقتله, ومر به العاص بن وائل, فأشار إلى أخمص قدمه فخرج على حمار له يريد الطائف, فربض على شبرقة فدخلت في أخمص قدمه فقتلته, ومر به الحارث بن الطلاطلة فأشار إلى رأسه فامتخط قيحاً فقتله.
قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن رجل, عن ابن عباس قال: كان رأسهم الوليد بن المغيرة وهو الذي جمعهم, وهكذا روي عن سعيد بن جبير وعكرمة نحو سياق محمد بن إسحاق به, عن يزيد عن عروة بطوله, إلا أن سعيداً يقول: الحارث بن غيطلة, وعكرمة يقول الحارث بن قيس. قال الزهري: وصدقا هو الحارث بن قيس, وأمه غيطلة, وكذا روي عن مجاهد ومقسم وقتادة وغير واحد أنهم كانوا خمسة. وقال الشعبي: كانوا سبعة, والمشهور الأول: وقوله: "الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر فسوف يعلمون" تهديد شديد ووعيد أكيد لمن جعل مع لله معبوداً آخر.
وقوله: " ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون * فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين " أي وإنا لنعلم يا محمد أنك يحصل لك من أذاهم لك ضيق صدر وانقباض فلا يهيدنك ذلك ولا يثنينك عن إبلاغك رسالة الله, وتوكل عليه فإنه كافيك وناصرك عليهم, فاشتغل بذكر الله وتحميده وتسبيحه وعبادته التي هي الصلاة, ولهذا قال: "فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين". كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة عن نعيم بن همار أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى يا ابن آدم لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره" ورواه أبو داود والنسائي من حديث مكحول عن كثير بن مرة بنحوه, ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى.
وقوله: "واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" قال البخاري: قال سالم: الموت, وسالم هذا هو سالم بن عبد الله بن عمر, كما قال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار, حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان, حدثني طارق بن عبد الرحمن عن سالم بن عبد الله "واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" قال: الموت, وهكذا قال مجاهد والحسن وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيره, والدليل على ذلك قوله تعالى إخباراً عن أهل النار أنهم قالوا "لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين" وفي الصحيح من حديث الزهري عن خارجة بن زيد بن ثابت, عن أم العلاء امرأة من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل على عثمان بن مظعون وقد مات, قالت أم العلاء: رحمة الله عليك أبا السائب, فشهادتي عليك لقد أكرمك الله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما يدريك أن الله أكرمه ؟" فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله, فمن ؟ فقال: "أما هو فقد جاءه اليقين, وإني لأرجو له الخير" ويستدل بهذه الاية الكريمة وهي قوله: "واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" على أن العبادة كالصلاة ونحوها واجبة على الإنسان ما دام عقله ثابتاً, فيصلي بحسب حاله.
كما ثبت في صحيح البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صل قائماً, فإن لم تستطع فقاعداً, فإن لم تستطع فعلى جنب" ويستدل بها على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة, فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة سقط عنه التكليف عندهم, وهذا كفر وضلال وجهل, فإن الأنبياء عليهم السلام كانوا هم وأصحابهم أعلم الناس بالله وأعرفهم بحقوقه وصفاته, وما يستحق من التعظيم, وكانوا مع هذا أعبد وأكثر الناس عبادة ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة, وإنما المراد باليقين ههنا الموت, كما قدمناه, ولله الحمد والمنة, والحمد لله على الهداية وعليه الاستعانة والتوكل, وهو المسؤول أن يتوفانا على أكمل الأحوال وأحسنها, فإنه جواد كريم.
آخر تفسير سورة الحجر, والحمد لله رب العالمين.
94- "فاصدع بما تؤمر" قال الزجاج: يقول أظهر ما تؤمر به، أخذ من الصديع وهو الصبح انتهى. وأصل الصدع الفرق والشق يقال صدعته فانصدع: أي انشق، وتصدع القوم: أي تفرقوا ومنه "يومئذ يصدعون" أي يتفرقون. قال الفراء: أراد فاصدع بالأمر: أي أظهر دينك فما مع الفعل على هذا بمنزلة المصدر، وقال ابن الأعرابي: معنى اصدع بما تؤمر: أي اقصد، وقيل فاصدع بما تؤمر: أي فرق جمعهم وكلمتهم بأن تدعوهم إلى التوحيد فإنهم يتفرقون، والأولى أن الصدع الإظهار، كما قاله الزجاج والفراء وغيرهم. قال النحويون: المعنى بما تؤمر به من الشرائع، وجوزوا أن تكون مصدرية: أي بأمرك وشأنك. قال الواحدي: قال المفسرون: أي اجهر بالأمر: أي بأمرك بعد إظهار الدعوة، وما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفياً حتى نزلت هذه الآية. ثم أمره سبحانه بعد أمره بالصدع بالإعراض وعدم الالتفات إلى المشركين، فقال: "وأعرض عن المشركين" أي لا تبال بهم ولا تلتفت إليهم إذا لاموك على إظهار الدعوة.
94-قوله تعالى: "فاصدع بما تؤمر"، قال ابن عباس: أظهره. ويروى عنه: أمضه.
وقال الضحاك: أعلم.
وقال الأخفش: افرق، أي: افرق بالقرآن بين الحق والباطل.
وقال سيبويه: اقض بما تؤمر، وأصل الصدع: الفصل، والفرق: أمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية بإظهار الدعوة.
وروي عن عبد الله بن عبيده قال كان مستخفيا حتى نزلت هذه الآية فخرج هو وأصحابه.
"وأعرض عن المشركين"، نسختها آية القتال.
94."فاصدع بما تؤمر"فاجهر به ، من صدع الحجة إذا تكلم بها جهاراً ، أو فافرق به بين الحق والباطل ،وأصله الإبانة والتمييز وما مصدرة أو موصولة ، والراجع محذوف أي بما تؤمر به من الشرائع . "وأعرض عن المشركين"ولا تلتفت إلى ما يقولون.
94. So proclaim that which thou art commanded, and withdraw from the idolaters.
94 - Therefore expound openly what thou art commanded, and turn away from those who join false gods with God.