95 - (قل) لهم (لو كان في الأرض) بدل البشر (ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا) إذ لا يرسل إلى قوم رسولا إلا من جنسهم يمكنهم مخاطبته والفهم عنه
يقول تعالى ذكره لنبيه : قل يا محمد لهؤلاء الذين أبوا الإيمان بك وتصديقك فيما جئتهم به من عندي ، استنكاراً لأن يبعث الله رسولاً من البشر: لو كان أيها الناس في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين ، لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً، لأن الملائكة إنما تراهم أمثالهم من الملائكة، ومن خصه الله من بني آدم برؤ يتها، فأما غيرهم فلا يقدرون على رؤ يتها فكيف يبعث إليهم من الملائكة الرسل ، وهم لا يقدرون على رؤيتهم وهم بهيئاتهم التي خلقهم الله بها وإنما يرسل إلى البشر الرسول منهم ، كما لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين ، ثم أرسلنا إليهم رسولاً أرسلناه منهم ملكاً مثلهم.
أعلم الله تعالى أن الملك إنما يرسل إلى الملائكة ، لأنه لو أرسل ملكاً إلى الآدميين لم يقدروا أن يروه على الهيئة التي خلق عليها ، وإنما أقدر الأنبياء على ذلك خلق فيهم ما يقدرون به ليكون ذلك آية لهم ومعجزة ، وقد تقدم في الأنعام نظير هذه الآية ، وهو قوله : " وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون * ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا " [ الأنعام : 8 -9 ] ، وقد تقدم الكلام فيه .
يقول تعالى: "وما منع الناس" أي أكثرهم "أن يؤمنوا" ويتابعوا الرسل إلا استعجابهم من بعثة البشر رسلاً, كما قال تعالى: "أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم", وقال تعالى: "ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا" الاية. وقال فرعون وملؤه " أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون " وكذلك قالت الأمم لرسلهم " إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين " والايات في هذا كثيرة, ثم قال تعالى منبهاً على لطفه ورحمته بعباده أنه يبعث إليهم الرسول من جنسهم ليفقهوا منه لتمكنهم من مخاطبته ومكالمته,ولو بعث إلى البشر رسولاً من الملائكة لما استطاعوا مواجهته ولا الأخذ عنه كما قال تعالى: " لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم " وقال تعالى: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" وقال تعالى: " كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون * فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون " ولهذا قال ههنا "قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين" أي كما أنتم فيها "لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً" أي من جنسهم. ولما كنتم أنتم بشراً بعثنا فيكم رسلنا منكم لطفاً ورحمة.
ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيب عن شبهتهم هذه فقال: 95- "قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين" أي لو وجد وثبت أن في الأرض بدل من فيها من البشر ملائكة يمشون على الأقدام كما يمشي الإنس مطمئنين مستقرين فيها ساكنين بها. قال الزجاج: مطمئنين مستوطنين في الأرض، ومعنى الطمأنينة السكون، فالمراد ها هنا المقام والاستيطان، فإنه يقال سكن البلد فلان إذا أقام فيها وإن كان ماشياً متقلباً في حاجاته "لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً" حتى يكون من جنسهم وفيه إعلام من الله سبحانه بأن الرسل ينبغي أن تكون من جنس المرسل إليهم، فكأنه سبحانه اعتبر في تنزيل الرسول من جنس الملائكة أمرين: الأول كون سكان الأرض ملائكة. والثاني كونهم ماشين على الأقدام غير قادرين على الطيران بأجنحتهم إلى السماء، إذ لو كانوا قادرين على ذلك لطاروا إليها، وسمعوا من أهلها ما يجب معرفته وسماعه فلا يكون في بعثة الملائكة إليهم فائدة. وانتصاب بشراً وملكاً على أنهما مفعولان للفعلين، ورسولاً في الموضعين وصف لهما. وجوز صاحب الكشاف أن يكونا حالين في الموضعين من رسولاً فيهما وقواه صاحب الكشاف، ولعل وجه ذلك أن الإنكار يتوجه إلى الرسول المتصف بالبشرية في الموضع الأول، فيلزم بحكم التقابل أن يكون الآخر كذلك.
95 - " قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين " ، مستوطنين مقيمين ، " لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً " ، من جنسهم ، لأن القلب إلى الجنس أميل منه إلى غير الجنس .
95."قل"جواباً لشبهتهم."لو كان في الأرض ملائكة يمشون"كما يمشي بنو آدم ."مطمئنين"ساكنين فيها . "لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً" لتمكنهم من الاجتماع به والتلقي منه ، وأما الإنس فعامتهم عماة عن إدراك الملك والتلقف منه ، فإن ذلك مشروط بنوع من التناسب والتجانس ، وملكاً يحتمل أن يكون حالاً من رسولاً وأن يكون موصوفاً به وكذلك بشراً والأول أوفق.
95. Say: If there were in the earth angels walking secure, We had sent down for them from heaven an angel as messenger.
95 - Say: if there were settled, on earth, angels walking about in peace and quiet, we should certainly have sent them down from the heavens an angel for an apostle.