95 - (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) بلا مال ولا نصير يمنعه
"وكلهم آتيه يوم القيامة فردا" يقول : وجميع خلقه سوف يرد عليه يوم تقوم الساعة وحيداً لا ناصر له من الله ، ولا دافع عنه ، فيقضي الله فيه ما هو قاض، وبصنع به ما هو صانع.
قوله تعالى: " وكلهم آتيه يوم القيامة فردا " أي واحداً لا ناصر له ولا مال معه ينفعه، كما قال تعالى: " يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم " [الشعراء: 88 - 89] فلا ينفعه إلا ما قدم من عمل، وقال: " وكلهم آتيه " على لفظ كل وعلى المعنى آتوه. وقال القشيري : وفيه إشارة إلى أنكم لا ترضون لأنفسكم باستعباد أولادكم والكل عبيده، فكيف رضيتم له ما لا ترضون لأنفسكم. وقد رد عليهم في مثل هذا، في أنهم لا يرضون لأنفسهم بالبنات، ويقولون: الملائكة بنات الله، تعالى الله عن ذلك، وقولهم: الأصنام بنات الله. وقال: " فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم " [الأنعام: 136].
لما قرر تعالى في هذه السورة الشريفة عبودية عيسى عليه السلام وذكر خلقه من مريم بلا أب, شرع في مقام الإنكار على من زعم أن له ولداً, تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علواً كبيراً, فقال: " وقالوا اتخذ الرحمن ولدا * لقد جئتم " أي في قولكم هذا "شيئا إداً" قال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومالك : أي عظيماً. ويقال إداً بكسر الهمزة وفتحها, ومع مدها أيضاً ثلاث لغات أشهرها الأولى وقوله: " تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا * أن دعوا للرحمن ولدا " أي يكاد ذلك عند سماعهن هذه المقالة من فجرة بني آدم إعظاماً للرب وإجلالاً, لأنهم مخلوقات ومؤسسات على توحيده, وأنه لا إله إلا هو, وأنه لا شريك له ولا نظير له, ولا ولد له, ولا صاحبة له, ولا كفء له, بل هو الأحد الصمد.
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
قال ابن جرير : حدثني علي , حدثنا عبد الله , حدثني معاوية عن علي , عن ابن عباس في قوله: "تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً * أن دعوا للرحمن ولداً" قال: إن الشرك فزعت منه السموات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين, وكادت أن تزول منه لعظمة الله, وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك, كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله, فمن قالها عند موته وجبت له الجنة , فقالوا: يا رسول الله فمن قالها في صحته ؟ قال تلك أوجب وأوجب". ثم قال "والذي نفسي بيده لو جيء بالسموات والأرضين وما فيهن وما بينهن وما تحتهن, فوضعن في كفة الميزان, ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في الكفة الأخرى لرجحت بهن" هكذا رواه ابن جرير , ويشهد له حديث البطاقة, والله أعلم.
وقال الضحاك : "تكاد السموات يتفطرن منه" أي يتشققن فرقاً من عظمة الله, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : "وتنشق الأرض", أي غضباً له عز وجل, "وتخر الجبال هداً", قال ابن عباس : هدماً, وقال سعيد بن جبير : هداً ينكسر بعضها على بعض متتابعات. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن سويد المقبري , حدثنا سفيان بن عيينة , حدثنا مسعر عن عون عن عبد الله قال: إن الجبل لينادي الجبل باسمه يا فلان, هل مر بك اليوم ذاكر الله عز وجل ؟ فيقول: نعم ويستبشر, قال عون : لهي للخير أسمع أفيسمعن الزور والباطل إذا قيل ولا يسمعن غيره, ثم قرأ "تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً * أن دعوا للرحمن ولداً".
وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا المنذر بن شاذان , حدثنا هودة , حدثنا عوف عن غالب بن عجرد , حدثني رجل من أهل الشام في مسجد منى قال: بلغني أن الله لما خلق الأرض وخلق ما فيها من الشجر لم يكن في الأرض شجرة يأتيها بنو آدم إلا أصابوا منها منفعة ـ أو قال ـ كان لهم فيها منفعة, ولم تزل الأرض والشجر بذلك حتى تكلم فجرة بني آدم بتلك الكلمة العظيمة قولهم: اتخذ الرحمن ولداً, فلما تكلموا بها اقشعرت الأرض وشاك الشجر. وقال كعب الأحبار : غضبت الملائكة واستعرت جهنم حين قالوا ما قالوا.
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن سعيد بن جبير عن أبي عبد الرحمن السلمي عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله إنه يشرك به ويجعل له ولدا, وهو يعافيهم ويدفع عنهم ويرزقهم" أخرجاه في الصحيحين . وفي لفظ "أنهم يجعلون له ولداً وهو يرزقهم ويعافيهم". وقوله: "وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً" أي لا يصلح له ولا يليق به لجلاله وعظمته, لأنه لا كفء له من خلقه, لأن جميع الخلائق عبيد له, ولهذا قال: "إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً * لقد أحصاهم وعدهم عداً" أي قد علم عددهم منذ خلقهم إلى يوم القيامة, ذكرهم وأنثاهم, صغيرهم وكبيرهم, "وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً" أي لا ناصر له ولا مجير إلا الله وحده لا شريك له, فيحكم في خلقه بما يشاء وهو العادل الذي لا يظلم مثقال ذرة, ولا يظلم أحداً.
"وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً" أي كل واحد منهم يأتيه يوم القيامة فرداً لا ناصر له ولا مال معه كما قال سبحانه: "يوم لا ينفع مال ولا بنون".
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ويكونون عليهم ضداً" قال: أعواناً. وأخرج عبد بن حميد عنه "ضداً" قال: حسرة. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال "تؤزهم أزاً" تغويهم إغواءً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً "تؤزهم أزاً" قال: تحرض المشركين على محمد وأصحابه. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: تزعجهم إزعاجاً إلى معاصي الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس "وفداً" قال: ركباناً. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن أبي هريرة "وفداً" قال: على الإبل. وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق: راغبين وراهبين وإثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا: وتبيت معهم حيث باتوا" والأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس "ورداً" قال: عطاشاً. وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة مثله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: "إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً" قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وتبرأ من الحول والقوة، ولا يرجو إلا الله. وأخرج ابن مردويه عنه في الآية قال: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن مسعود أنه قرأ "إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً" قال: إن الله يقول يوم القيامة: من كان له عندي عهد فليقم، فلا يقوم إلا من قال هذا في الدنيا، قولوا: اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة إني أعهد إليك في الحياة الدنيا أنك إن تكلني إلى عملي تقربني من الشر وتباعدني من الخير، وإني لا أثق إلا برحمتك، فاجعله لي عندك عهداً تؤديه إلأي يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أدخل على مؤمن سروراً فقد سرني، ومن سرني فقد اتخذ عند الرحمن عهداً، ومن اتخذ عند الرحمن عهداً فلا تمسه النار، إن الله لا يخلف الميعاد". وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جاءنا بالصلوات الخمس يوم القيامة قد حافظ على وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها لم ينقص منها شيئاً جاء وله عند الله عهد أن لا يعذبه، ومن جاء قد انتقص منهم شيئاً فليس له عند الله عهد، إن شاء رحمه وإن شاء عذبه". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "لقد جئتم شيئاً إداً" قال: قولاً عظيماً، وفي قوله: " تكاد السماوات " قال: إن الشرك فرغت منه السموات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين وكادت تزول منه لعظمة الله سبحانه، وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك كذلك يرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين، وفي قوله: "وتخر الجبال هداً" قال: هدماً. وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والطبراني والبيهقي في الشعب من طريق عون عن ابن مسعود قال: إن الجبل لينادي الجبل باسمه، يا فلان هل مر بك اليوم أحد ذكر الله؟ فإذا قال نعم استبشر. قال عون: أفيسمعن الزور إذا قيل ولا يسمعن الخير؟ هن للخير أسمع، وقرأ "وقالوا اتخذ الرحمن ولداً" الآيات.
95 - " وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً " ، وحيداً ليس معه من الدنيا شيء .
95ـ " وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً " منفرداً عن الاتباع والأنصار فلا يجانسه شيء من ذلك ليتخذه ولداً ولا يناسبه ليشرك به .
95. And each one of them will come unto Him on the Day of Resurrection, alone.
95 - And everyone of them Will come to him singly on the day of Judgment.