95 - (ثم بدلنا) أعطيناهم (مكان السيئة) العذاب (الحسنة) الغنى والصحة (حتى عفوا) كثروا (وقالوا) كفراً للنعمة (قد مس آباءنا الضراء والسراء) كما مسنا وهذه عادة الدهر وليست بعقوبة من الله فكونوا على ما أنتم عليه قال تعالى (فأخذناهم) بالعذاب (بغتة) فجأة (وهم لا يشعرون) بوقت مجيئه قبله
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: " ثم بدلنا "، أهل القرية التي أخذنا أهلها بالبأساء والضراء، " مكان السيئة "، وهي البأساء والضراء. وإنما جعل ذلك ((سيئة))، لأنه مما يسوء الناس، ولا تسوءهم " الحسنة "، وهي الرخاء والنعمة والسعة في المعيشة، " حتى عفوا "، يقول: حتى كثروا.
وكذلك كل شيء كثر فإنه يقال فيه: ((قد عفا))، كما قال الشاعر:
ولكنا نعض السيف منها بأسوق عافيات الشحم كوم
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة : " مكان السيئة الحسنة "، قال: مكان الشدة رخاءً، " حتى عفوا ".
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " مكان السيئة الحسنة "، قال: " السيئة "، الشر، و " الحسنة "، الرخاء والمال والولد.
حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " مكان السيئة الحسنة "، قال: " السيئة "، الشر، و" الحسنة "، الخير.
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة "، يقول: مكانة الشدة الرخاء.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا "، قال: بدلنا مكان ما كرهوا ما أحبوا في الدنيا، " حتى عفوا "، من ذلك العذاب، " وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء ".
واختلفوا في تأويل قوله: " حتى عفوا ".
فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " حتى عفوا "، يقول: حتى كثروا وكثرت أموالهم.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: " حتى عفوا "، قال: جموا.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " حتى عفوا "، قال: كثرت أموالهم وأولادهم. حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " حتى عفوا "، حتى كثروا.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: " حتى عفوا "، قال: حتى جموا وكثروا.
... قال، حدثنا جابر بن نوح، عن أبي روق، عن الضحاك ، عن ابن عباس: " حتى عفوا "، قال: حتى جموا.
... قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك : " حتى عفوا "، يعني: جموا وكثروا.
... قال، حدثنا عبد الله بن رجاء، عن ابن جريج ، عن مجاهد : " حتى عفوا "، قال: حتى كثرت أموالهم وأولادهم.
حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " حتى عفوا "، كثروا كما كثر النبات والريش، ثم أخذهم عند ذلك بغتة وهم لا يشعرون.
وقال آخرون: معنى ذلك: حتى سروا.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة : " حتى عفوا "، يقول: حتى سروا بذلك.
قال أبو جعفر: وهذا الذي قاله قتادة في معنى: " عفوا "، تأويل لا وجه له في كلام العرب. لأنه لا يعرف ((العفو)) بمعنى السرور، في شيء من كلامها، إلا أن يكون أراد: حتى سروا بكثرتهم وكثرة أموالهم، فيكون ذلك وجهاً، وإن بعد.
وأما قوله: " وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء "، فإنه خبر من الله عن هؤلاء القوم الذين أبدلهم مكان الحسنة السيئة التي كانوا فيها، استدراجاً وابتلاءً، أنهم قالوا إذ فعل ذلك بهم: هذه أحوال قد أصابت من قبلنا من آبائنا، ونالت أسلافنا، ونحن لا نعدو أن نكون أمثالهم يصيبنا ما أصابهم من الشدة في المعايش والرخاء فيها، وهي ((السراء))، لأنها تسر أهلها.
وجهل المساكين شكر نعمة الله، وأغفلوا من جهلهم استدامة فضله بالإنابة إلى طاعته، والمسارعة إلى الإقلاع عما يكرهه بالتوبة، حتى أتاهم أمره وهم لا يشعرون.
يقول حل جلاله: " فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون "، يقول: فأخذناهم بالهلاك والعذاب فجأة، أتاهم على غرة منهم بمجيئه، وهم لا يدرون ولا يعلمون أنه يجيئهم، بل هم بأنه آتيهم مكذبون حتى يعاينوه ويروه.
"ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة" أي أبدلناهم بالجدب خصباً. "حتى عفوا" أي كثروا، عن ابن عباس. وقال ابن زيد: كثرت أموالهم وأولادهم. وعفا: من الأضداد. عفا: كثر. وعفا: درس. أعلم الله تعالى أنه أخذهم بالشدة والرخاء فلم يزدجروا ولم يشكروا. "وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء" فنحن مثلهم. "فأخذناهم بغتة" أي فجأة ليكون أكثر حسرة.
يقول تعالى مخبراً عما اختبر به الأمم الماضية الذين أرسل إليهم الأنبياء بالبأساء والضراء, يعني بالبأساء ما يصيبهم في أبدانهم من أمراض وأسقام, والضراء ما يصيبهم من فقر وحاجة ونحو ذلك "لعلهم يضرعون", أي يدعون ويخشعون ويبتهلون إلى الله تعالى في كشف ما نزل بهم, وتقدير الكلام أنه ابتلاهم بالشدة ليتضرعوا فما فعلوا شيئاً من الذي أراد منهم, فقلب عليهم الحال إلى الرخاء ليختبرهم فيه, ولهذا قال "ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة" أي حولنا الحالة من شدة إلى رخاء ومن مرض وسقم إلى صحة وعافية ومن فقر إلى غنى ليشكروا على ذلك فما فعلوا, وقوله "حتى عفوا" أي كثروا وكثرت أموالهم وأولادهم, يقال عفا الشيء إذا كثر.
"وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون" يقول تعالى: ابتليناهم بهذا وهذا ليتضرعوا وينيبوا إلى الله فما نجع فيهم لا هذا ولا هذا ولا انتهوا بهذا ولا بهذا, بل قالوا: قد مسنا من البأساء والضراء ثم بعده من الرخاء مثل ما أصاب آباءنا في قديم الزمان والدهر, وإنما هو الدهر تارات وتارات, بل لم يتفطنوا لأمر الله فيهم و لا استشعروا ابتلاء الله لهم في الحالين, وهذا بخلاف حال المؤمنين الذين يشكرون الله على السراء ويصبرون على الضراء كما ثبت في الصحيحين "عجباً للمؤمن لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيراً له, وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له, وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له" فالمؤمن من يتفطن لما ابتلاه الله به من الضراء والسراء, ولهذا جاء في الحديث "لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يخرج نقياً من ذنوبه, والمنافق مثله كمثل الحمار لا يدري فيم ربطه أهله ولا فيم أرسلوه" أو كما قال, ولهذا عقب هذه الصفة بقوله "فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون" أي أخذناهم بالعقوبة بغتة, أي على بغتة, وعدم شعور منهم أي أخذناهم فجأة كما في الحديث "موت الفجأة رحمة للمؤمن وأخذة أسف للكافر".
قوله: 95- "ثم بدلنا" معطوف على أخذنا: أي ثم بعد الأخذ لأهل القرى بدلناهم "مكان السيئة" التي أصبناهم بها من البلاء والامتحان "الحسنة" أي الخصلة الحسنة: فصاروا في خير وسعة وأمن "حتى عفوا" يقال: عفا كثر، وعفا درس، فهو من أسماء الأضداد، والمراد هنا: أنهم كثروا في أنفسهم وفي أموالهم: أي أعطيناهم الحسنة مكان السيئة حتى كثروا "وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء" أي قالوا هذه المقالة عند أن صاروا في الحسنة بعد السيئة: أي أن هذا الذي مسنا من البأساء والضراء، ثم من الرخاء والخصب من بعد هو أمر وقع لآبائنا قبلنا مثله، فمسهم من البأساء والضراء ما مسنا ومن النعمة والخير ما نلناه، ومعناهم: أن هذه العادة الجارية في السلف والخلف، وأن ذلك ليس من الله سبحانه ابتلاء لهم واختباراً لما عندهم، وفي هذا من شدة عنادهم وقوة تمردهم وعتوهم ما لا يخفى، ولهذا عاجلهم الله بالعقوبة ولم يمهلهم فقال: "فأخذناهم بغتة" أي فجأة عقب أن قالوا هذه المقالة من دون تراخ ولا إمهال "و" الحال أنـ "هم لا يشعرون" بذلك ولا يترقبونه.
95 - " ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة " ، يعني : مكان البأساء والضراء الحسنة ، يعني : النعمة والسعة والخصب والصحة ، " حتى عفوا " ، أي كثروا وازدادوا ، وكثرت أموالهم ، ( يقال : عفا الشعر إذا كثر. قال مجاهد : كثرت أموالهم وأولادهم ) " وقالوا " ، من غرتهم وغفلتهم بعد ما صاروا إلى الرخاء ، " قد مس آباءنا الضراء والسراء " ، أي :هكذا كانت عادة الدهر قديماً لنا ولآبائنا ، ولم يكن ما مسنا من الضراء عقوبة من الله ، فكونوا على ما أنتم عليه كما كان آباؤكم فإنهم لم يتركوا دينهم لما أصابهم من الضراء ، قال الله تعالى : " فأخذناهم بغتةً " ، فجأةً آمن ما كانوا " وهم لا يشعرون " بنزول العذاب .
95. " ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة" أي أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء والشدة السلامة والسعة ابتلاء لهم بالأمرين . " حتى عفوا " كثروا عدداً وعدداً يقال عفا النبات إذا كثر ومنه إعفاء اللحى ، " وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء " كفراناً لنعمة الله ونسياناً لذكره واعتقادا بأنه من عادة الدهر يعاقب في الناي بين الضراء والسراء وقد مس آباءنا منه مثل ما مسنا . " فأخذناهم بغتةً" فجأة . " وهم لا يشعرون " بنزول العذاب .
95. Then changed We the evil plight for good till they grew affluent and said: Tribulation and distress did touch our fathers. Then We seized them unawares, when they perceived not.
95 - Then we changed their suffering into prosperity, until they grew and multiplied, and began to say: Our fathers (too) were touched by suffering and affluence Behold we called them to account of a sudden, while they realized not (their peril).