98 - (فلولا) فهلا (كانت قرية) أريد أهلها (آمنت) قبل نزول العذاب بها (فنفعها إيمانها إلا) لكن (قوم يونس لما آمنوا) عند رؤية أمارة العذاب ولم يؤخروا إلى حلوله (كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين) انقضاء آجالهم
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فهلا كانت قرية آمنت؟
وهي كذلك فيما ذكر في قراءة أبي.
ومعنى الكلام: فما كانت قرية آمنت عند معاينتها العذاب، ونزول سخط الله بها، بعصيانها ربها واستحقاقها عقابه، فنفعها إيمانها ذلك في ذلك الوقت، كما لم ينفع فرعون إيمانه حين أدركه الغرق بعد تماديه في غيه، واستحقاقه سخط الله بمعصيته، إلا قوم يونس، فإنهم نفعهم إيمانهم بعد نزول العقوبة وحلول السخط بهم. فاستثنى الله قوم يونس من أهل القرى الذين لم ينفعهم إيمانهم بعد نزول العذاب بساحتهم، وأخرجهم منهم، وأخبر خلقه أنه نفعهم إيمانهم خاصةً من بين سائر الأمم غيرهم.
فإن قال قائل: فإن كان الأمر على ما وصفت من أن قوله: " فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها "، بمعنى: فما كانت قرية آمنت، بمعنى الجحود، فكيف نصب " قوم "، وقد علمت أن ما قبل الاستثناء إذا كان جحداً، كان ما بعده مرفوعاً، وأن الصحيح من كلام العرب: ((ما قام أحد إلا أخوك)) و((ما خرج أحد إلا أبوك))؟
قيل: إن ذلك فيما يكون كذلك، إذا كان ما بعد الاستثناء من جنس ما قبله، وذلك أن ((الأخ)) من جنس ((أحد))، كذلك ((الأب))، ولكن لو اختلف الجنسان حتى يكون ما بعد الاستثناء من غير جنس ما قبله، كان الفصيح من كلامهم النصب، وذلك لو قلت: ((ما بقي في الدار أحد إلا الوتد))، و((ما عندنا أحد إلا كلباً أو حماراً))، لأن ((الكلب))، و((الوتد)) و((الحمار))، من غير جنس ((أحد))، ومنه قول النابغة الذبياني:
عيت جواباً وما بالربع من أحد
ثم قال:
إلا أواري لأياً ما أبينها والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
فنصب ((الأواري))، إذ كان مستثنى من غير جنسه. فكذلك نصب ((قوم يونس))، لأنهم أمة غير الأمم الذين استثنوا منهم، ومن غير جنسهم وشكلهم، وإن كانوا من بني آدم. وهذا الاستثناء الذي يسميه بعض أهل العربية الاستثناء المنقطع، ولو كان ((قوم يونس)) بعض ((الأمة)) الذين استثنوا منهم، كان الكلام رفعاً، ولكنهم كما وصفت.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قوله: " فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها "، يقول: لم تكن قرية آمنت فنفعها الإيمان إذا نزل بها بأس الله، إلا قرية يونس. قال ابن جريج ، قال: مجاهد : فلم تكن قرية آمنت فنفعها إيمانها، كما نفع قوم يونس إيمانهم إلا قوم يونس.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين "، يقول: لم يكن هذا في الأمم قبلهم، لم ينفع قريةً كفرت ثم آمنت حين حضرها العذاب، فتركت، إلا قوم يونس، لما فقدوا نبيهم وظنوا أن العذاب قد دنا منهم، قذف الله في قلوبهم التوبة، ولبسوا المسوح، وفرقوا بين كل بهيمة وولدها، ثم عجوا إلى الله أربعين ليلةً. فلما عرف الله الصدق من قلوبهم، والتوبة والندامة على ما مضى منهم، كشف الله عنهم العذاب بعد أن تدلى عليهم. قال: وذكر لنا أن قوم يونس كانوا بنينوى أرض الموصل.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة : " إلا قوم يونس "، قال: بلغنا أنهم خرجوا فنزلوا على تل، وفرقوا بين كل بهيمة وولدها، يدعون الله أربعين ليلة، حتى تاب عليهم.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الحميد الحماني، عن إسمعيل بن عبد الملك، عن سعيد بن جبير قال: غشى قوم يونس العذاب، كما يغشي الثوب القبر.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن صالح المري، عن قتادة ، عن ابن عباس: إن العذاب كان هبط على قوم يونس حتى لم يكن بينهم وبينه إلا قدر ثلثي ميل، فلما دعوا كشف الله عنهم.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، وإسحق قال، حدثنا عبد الله عن ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا "، قال: كما نفع قوم يونس، زاد أبو حذيفة في حديثه، قال: لم تكن قرية آمنت حين رأت العذاب فنفعها إيمانها، إلا قوم يونس متعناهم.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس قال، حدثنا رجل قد قرأ القرآن في صدره، في إمارة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فحدث عن قوم يونس حين أنذر قومه فكذبوه، فأخبرهم أن العذاب يصيبهم، وفارقهم. فلما رأوا ذلك وغشيهم العذاب، خرجوا من مساكنهم، وصعدوا في مكان رفيع، وأنهم جأروا إلى ربهم ودعوه مخلصين له الدين: أن يكشف عنهم العذاب، وأن يرجع إليهم رسولهم. قال: ففي ذلك أنزل: " فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين "، فلم تكن قرية غشيها العذاب ثم أمسك عنها، إلا قوم يونس خاصة. فلما رأى ذلك يونس، لكنه ذهب عاتباً على ربه، وانطلق مغاضباً وظن أن لن يقدر عليه، حتى ركب في سفينة، فأصاب أهلها عاصف الريح، فذكر قصة يونس وخبره.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح قال: لما وأوا العذاب ينزل، فرقوا بين كل أنثى وولدها من الناس والأنعام، ثم قاموا جميعاً فدعوا الله وأخلصوا إيمانهم، فرأوا العذاب يكشف عنهم، قال يونس حين كشف عنهم العذاب: أرجع إليهم وقد كذبتهم! وكان يونس قد وعدهم العذاب بصبح ثالثة، فعند ذلك خرج مغضباً، وساء ظنه.
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن إسمعيل بن عبد الملك، عن سعيد بن جبير قال: لما أرسل يونس إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام، وترك ما هم عليه. قال: فدعاهم فأبوا، فقيل له: أخبرهم أن العذاب مصبحهم، فقالوا: إنا لم نجرب عليه كذباً، فانظروا، فإن بات فيكم فليس بشيء، وإن لم يبت فاعلموا أن العذاب مصبحكم. فلما كان في جوف الليل أخذ علاثةً فتزود منها شيئاً، ثم خرج، فلما أصبحوا تغشاهم العذاب، كما يتغشى الإنسان الثوب في القبر، ففرقوا بين الإنسان وولده، وبين البهيمة وولدها، ثم عجوا إلى الله فقالوا: آمنا بما جاء به يونس وصدقنا! فكشف الله عنهم العذاب. فخرج يونس ينظر العذاب فلم ير شيئاً، قال: جربوا علي كذباً! فذهب مغاضباً لربه حتى أتى البحر.
حدثنا القاسم قال،حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن إسرائيل، عن أبي إسحق، عن عمرو بن ميمون قال، حدثنا ابن مسعود في بيت المال، قال: إن يونس عليه السلام كان قد وعد قومه العذاب، وأخبرهم أنه يأتيهم إلى ثلاثة أيام، ففرقوا بين كل والدة وولدها، ثم خرجوا فجأروا إلى الله واستغفروه. فكف الله عنهم العذاب، وغدا يونس ينظر العذاب فلم ير شيئاً. وكان من كذب ولم تكن له بينة قتل، فانطلق مغاضباً.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا صالح المري، عن أبي عمران الجوني، عن أبي الجلد جيلان قال: لما غشى قوم يونس العذاب، مشوا إلى شيخ من بقية علمائهم فقالوا له: إنه قد نزل بنا العذاب، فما ترى؟ فقال: قولوا: ((يا حي حين لا حي، ويا حي محيي الموتى، ويا حي لا إله إلا أنت))! فكشف عنهم العذاب، ومتعوا إلى حين.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال: بلغني في حرف ابن مسعود: " فلولا "، يقول: فهلا .
وقوله: " لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا "، يقول: لما صدقوا رسولهم، وأقروا بما جاءهم به، بعد ما أظلهم العذاب وغشيهم أمر الله ونزل بهم البلاء، كشفنا عنهم عذاب الهوان والذل في حياتهم الدنيا، " ومتعناهم إلى حين "، ويقول: وأخرنا في آجالهم ولم نعاجلهم بالعقوبة، وتركناهم في الدنيا يستمتعون فيها بآجالهم إلى حين مماتهم، ووقت فناء أعمارهم التي قضيت فناءها.
قوله تعالى: "فلولا كانت قرية آمنت" قال الأخفش والكسائي: أي فهلا. وفي مصحف أبي وابن مسعود فهلا وأصل لولا في الكلام التحضيض أو الدلالة على منع أمر لوجود غيره. ومفهوم من معنى الآية نفي إيمان أهل القرى ثم استثنى قوم يونس، فهو بحسب اللفظ استثناء منقطع، وهو بحسب المعنى متصل، لأن تقديره ما آمن أهل قرية إلا قوم يونس. والنصب في قوم هو الوجه، وكذلك أدخله سيبويه في (باب ما لا يكون إلا منصوباً). قال النحاس: إلا قوم يونس نصب لأنه استثناء ليس من الأول، أي لكن قوم يونس، هذا قول الكسائي والأخفش والفراء. ويجوز. إلا قوم يونس بالرفع، ومن أحسن ما قيل في الرفع ما قاله أبو إسحاق الزجاج قال: يكون المعنى غير قوم يونس، فلما جاء بإلا أعرب الاسم الذي بعدها بإعراب غير كما قال:
وكل أخ مفارقه أخوه لعمر أبيك إلا الفرقدان
وروي في قصة قوم يونس عن جماعة من المفسرين: أن قوم يونس كانوا بنينوى من أرض الموصل وكانوا يعبدون الأصنام، فأرسل الله إليهم يونس عليه السلام يدعوهم إلى الإسلام وترك ما هم عليه فأبوا، فقيل: إنه أقام يدعوهم تسع سنين فيئس من إيمانهم، فقيل له: أخبرهم أن العذاب مصبحهم إلى ثلاث ففعل، وقالوا: هو رجل لا يكذب فارقبوه فإن أقام معكم وبين أظهركم فلا عليكم، وإن ارتحل عنكم فهو نزول العذاب لا شك، فلما كان الليل تزود يونس وخرج عنهم فأصبحوا فلم يجدوه فتابوا ودعوا الله ولبسوا المسوح وفرقوا بين الأمهات والأولاد من الناس والبهائم، وردوا المظالم في تلك الحالة. وقال ابن مسعود: وكان الرجل يأتي الحجر وقد وضع عليه أساس بنيانه فيقتلعه فيرده، والعذاب منهم فيما روي عن ابن عباس على ثلثي ميل. وروي على ميل. وعن ابن عباس أنهم غشيتهم ظلة وفيها حمرة فلم تزل تدنو حتى وجدوا حرها بين أكتافهم. وقال ابن جبير: غشيهم العذاب كما يغشى الثوب القبر، فلما صحت توبتهم رفع الله عنهم العذاب. وقال الطبري: خص قوم يونس من بين سائر الأمم بأن تيب عليهم بعد معاينة العذاب، وذكر ذلك عن جماعة من المفسرين. وقال الزجاج: إنهم لم يقع بهم العذاب، وإنما رأوا العلامة التي تدل على العذاب، ولو رأوا عين العذاب لما نفعهم الإيمان.
قتل: قول الزجاج حسن: فإن المعاينة التي لا تنفع التوبة معها هي التلبس بالعذاب كقصة فرعون، ولهذا جاء بقصة يونس على أثل قصة فرعون لأنه آمين حين رأى العذاب فلم ينفعه ذلك، وقوم يونس تابوا إلى ذلك. ويعضد هذا قوله عليه السلام:
"إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر". والغرغرة الحشرجة، وذلك هو حال التلبس بالموت، وأما قبل ذلك فلا. والله أعلم. وقد روى معنى ما قلناه عن ابن مسعود، أن [قوم يونس] لما وعدهم العذاب إلى ثلاثة أيام خرج عنهم فأصبحوا فلم يجدوه فتابوا وفرقوا بين الأمهات والأولاد، وهذا يدل على أن توبتهم قبل رؤية علامة العذاب. وسيأتي مسنداً مبيناً في سورة الصافات إن شاء الله تعالى. ويكون معنى "كشفنا عنهم عذاب الخزي" أي العذاب الذي وعدهم به يونس أنه ينزل بهم، لا أنهم رأوه عياناً ولا مخايلة، وعلى هذا لا إشكال والا تعارض ولا خصوص، والله أعلم. وبالجملة فكان أهل نينوى في سابق العلم من السعداء. وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: إن الحذر لا يرد القدر، وإن الدعاء ليرد القدر. وذلك أن الله تعالى يقول: "إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا". قال علي رضي الله عنه: وذلك يوم عاشوراء.
قوله تعالى: "ومتعناهم إلى حين" قيل: إلى أجلهم، قاله السدي وقيل: إلى أن يصيروا إلى الجنة أو إلى النار، قاله ابن عباس.
يقول تعالى فهلا كانت قرية آمنت بكمالها من الأمم السالفة الذين بعثنا إليهم الرسل بل ما أرسلنا من قبلك يا محمد من رسول إلا كذبه قومه أو أكثرهم كقوله تعالى: "يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون" "كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون" "وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون" وفي الحديث الصحيح "عرض علي الأنبياء فجعل النبي يمر ومعه الفئام من الناس والنبي يمر معه الرجل والنبي معه الرجلان والنبي ليس معه أحد" ثم ذكر كثرة أتباع موسى عليه السلام ثم ذكر كثرة أمته صلوات الله وسلامه عليه كثرة سدت الخافقين الشرقي والغربي, والغرض, أنه لم توجد قرية آمنت بكمالها بنبيهم ممن سلف من القرى إلا قوم يونس وهم أهل نينوى وما كان إيمانهم إلا خوفاً من وصول العذاب الذي أنذرهم به رسولهم بعدما عاينوا أسبابه, وخرج رسولهم من بين أظهرهم فعندما جأروا إلى الله واستغاثوا به وتضرعوا له واستكانوا وأحضروا أطفالهم ودوابهم ومواشيهم وسألوا الله تعالى أن يرفع عنهم العذاب الذي أنذرهم به نبيهم فعندها رحمهم الله وكشف عنهم العذاب وأخروا كما قال تعالى: "إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين" واختلف المفسرون هل كشف عنهم العذاب الأخروي مع الدنيوي أو إنما كشف عنهم في الدنيا فقط ؟ على قولين: (أحدهما) إنما كان ذلك في الحياة الدنيا كما هو مقيد في هذه الاية.
(والثاني) فيهما لقوله تعالى: "وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون * فآمنوا فمتعناهم إلى حين" فأطلق عليهم الإيمان. والإيمان منقذ من العذاب الأخروي وهذا هو الظاهر والله أعلم. وقال قتادة في تفسير هذه الاية: لم ينفع قرية كفرت ثم آمنت حين حضرها العذاب فتركت إلا قوم يونس لما فقدوا نبيهم وظنوا أن العذاب قد دنا منهم قذف الله في قلوبهم التوبة ولبسوا المسوح وفرقوا بين كل بهيمة وولدها ثم عجوا إلى الله أربعين ليلة فلما عرف الله منهم الصدق من قلوبهم والتوبة والندامة على ما مضى منهم كشف عنهم العذاب بعد أن تدلى عليهم. قال قتادة: وذكر أن قوم يونس بنينوى أرض الموصل وكذا روي عن ابن مسعود ومجاهد وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف وكان ابن مسعود يقرؤها " فلولا كانت قرية آمنت " وقال أبو عمران عن أبي الجلد قال: لما نزل بهم العذاب جعل يدور على رؤوسهم كقطع الليل المظلم فمشوا إلى رجل من علمائهم فقالوا: علمنا دعاء ندعو به لعل الله أن يكشف عنا العذاب فقال: قولوا: يا حي حين لا حي, يا حي محيي الموتى, يا حي لا إله إلا أنت, قال فكشف عنهم العذاب. وتمام القصة سيأتي مفصلاً في سورة الصافات إن شاء الله.
قوله: 98- "فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها" لولا هذه هي التحضيضية التي بمعنى هلا كما قال الأخفش والكسائي وغيرهما، ويدل على ذلك كما في مصحف أبي وابن مسعود فهلا قرية والمعنى: فهلا قرية واحدة من هذه القرى التي أهلكناها آمنت إيماناً معتداً به، وذلك بأن يكون خالصاً لله قبل معاينة عذابه ولم يؤخره كما أخره فرعون، والاستثناء بقوله: "إلا قوم يونس" منقطع، وهو استثناء من القرى لأن المراد أهلها، والمعنى: لكن قوم يونس "لما آمنوا" إيماناً معتداً به قبل معاينة العذاب أو عند أول المعاينة قبل حلوله بهم "كشفنا عنهم عذاب الخزي" وقد قال بأن هذا الاستثناء منقطع جماعة من الأئمة منهم الكسائي والأخفش والفراء، وقيل: يجوز أن يكون متصلاً، والجملة في معنى النفي، كأنه قيل: ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلا قوم يونس، وانتصابه على أصل الاستثناء. وقرئ بالرفع على البدل. وقال الزجاج في توجيه الرفع: يكون المعنى غير قوم يونس، ولكن حملت إلا عليها وتعذر جعل الإعراب عليها، فأعرب الاسم الذي بعدها بإعراب غير. قال ابن جرير: خص قوم يونس من بين الأمم بأن تيب عليهم من بعد معاينة العذاب، وحكي ذلك عن جماعة من المفسرين. وقال الزجاج: إنه لم يقع العذاب، وإنما رأوا العلامة التي تدل على العذاب، ولو رأوا عين العذاب لما نفعهم الإيمان، وهذا أولى من قول ابن جرير. والمراد بعذاب الخزي الذي كشفه الله عنهم، وهو العذاب الذي كان قد وعدهم يونس أنه سينزل عليهم ولم يروه، أو الذي قد رأوا علاماته دون عينه. "ومتعناهم إلى حين" أي بعد كشف العذاب عنهم متعهم الله في الدنيا إلى حين معلوم قدره لهم.
98-قوله تعالى: "فلولا كانت" أي: فهلا كانت، "قرية"، ومعناه: فلم تكن قرية لأن في الاستفهام ضربا من الجحد، أي: أهل قرية، "آمنت"، عند معاينة العذاب، "فنفعها إيمانها"، في حالة البأس "إلا قوم يونس"، فإنه نفعهم إيمانه في ذلك الوقت. و"قوم" نصب على الاستثناء المنقطع، تقديره: ولكن قوم يونس، "لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين"، وهو وقت انقضاء آجالهم.
واختلفوا في أنهم هل رأوا العذاب عيانا أم لا؟ فقال بعضهم: رأوا دليل العذاب؟ والأكثرون على أنهم رأوا العذاب عيانا بدليل قوله: "كشفنا عنهم عذاب الخزي"
والكشف يكون بعد الوقوع أو إذا قرب.
وقصة الآية -على ما ذكره عبد الله بن مسعود، وسعيد بن جبير، ووهب وغيرهم -أن قوم يونس كانوا بنينوى، من أرض الموصل، فأرسل الله إليهم يونس يدعوه إلى الإيمان فدعاهم فأبوا، فقيل له: أخبرهم أن العذاب مصبحهم إلى ثلاث، فأخبرهم بذلك، فقالوا إنا لم نجرب عليه كذبا فانظروا فإن بات فيكم تلك الليلة فليس بشيء، وإن لم يبت فاعلموا أن العذاب مصبحكم، فلما كان في جوف تلك الليلة خرج يونس من بين أظهرهم، فلما أصبحوا تغشاهم العذاب فكان فوق رؤوسهم قدر ميل.
وقال وهب غامت السماء غيما أسود هائلا يدخن دخانا شديدا، فهبط حتى تغشاهم في مدينتهم واسودت سطوحهم، فلما رأوا ذلك أيقنوا بالهلاك، فطلبوا يونس نبيهم فلم يجدوه، وقذف الله في قلوبهم التوبة، فخرجوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم، ولبسوا المسوح وأظهروا الإيمان والتوبة، وأخلصوا النية وفرقوا بين كل والدة وولدها من الناس والأنعام فحن بعضها إلى بعض، وعلت أصواتها، واختلطت أصواتها بأصواتهم، وعجوا وتضرعوا إلى الله عز وجل، وقالوا آمنا بما جاء به يونس، فرحمهم ربه فاستجاب دعاءهم وكشف عنهم العذاب بعد ما أضلهم، وذلك يوم عاشوراء، وكان يونس قد خرج فأقام ينتظر العذاب وهلاك قومه فلم ير شيئا، وكان من كذب ولم تكن له بينة قتل، فقال يونس: كيف أرجع إلى قومي وقد كذبتهم؟ فانطلق عاتبا على ربه مغاضبا لقومه، فأتى البحر فإذا قوم يركبون سفينة، فعرفوه فحملوه بغير أجر، فلما دخلها وتوسطت بهم ولججت، وقفت السفينة لا ترجع ولا تتقدم، قال أهل السفينة: إن لسفينتها لشأنا، قال يونس: قد عرفت شأنها ركبها رجل ذو خطيئة عظيمة، قالوا ومن هو؟ قال: أنا، اقذفوني في البحر، قالوا: ما كنا لنطرحك من بيننا حتى نعذر في شأنك، واستهموا فاقترعوا ثلاث مرات فأدحض سهمه، والحوت عند رجل السفينة فاغرا فاه ينتظر أمر ربه فيه، فقال يونس: إنكم والله لتهلكن جميعا أو لتطرحنني فيها، فقذفوه فيه وانطلقوا وأخذه الحوت.
وروي: أن الله تعالى أوحى إلى حوت عظيم حتى قصد السفينة، فلما رآه أهل السفينة مثل الجبل العظيم وقد فغر فاه ينظر إلى من في السفينة كأنه يطلب شيئا خافوا منه، ولما رآه يونس زج نفسه في الماء.
وعن ابن عباس: أنه خرج مغاضبا لقومه فأتى بحر الروم فإذا سفينة مشحونة، فركبها فلما لججت السفينة، تكفأت حتى كادوا أن يغرقوا، فقال الملاحون: هاهنا رجل عاص أو عبد آبق، وهذا رسم السفينة إذا كان فيها آبق لا تجري، ومن رسمنا أن نقترع في مثل هذا فمن وقعت عليه القرعة ألقيناه في البحر، ولأن يغرق واحد خير من أن تغرق السفينة بما فيها، فاقترعوا ثلاث مرات، فوقعت القرعة في كلها على يونس، فقال يونس: أنا الرجل العاصي والعبد الآبق، فألقى نفسه في الماء فابتلعه حوت، ثم جاء حوت آخر أكبر منه وابتلع هذا الحوت، وأوحى الله إلى الحوت لا تؤذي منه شعرة، فإني جعلت بطنك سجنه ولم أجعله طعاما لك.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال نودي الحوت: إنا لم نجعل يونس لك قوتا، إنما جعلنا بطنك له حرزا ومسجدا.
وروي: أنه قام قبل القرعة فقال: أنا العبد العاصي والآبق، قالوا: من أنت؟ قال: أنا يونس بن متى، فعرفوه فقالوا: لا نلقيك يا رسول الله، ولكن نساهم فخرجت القرعة عليه، فألقى نفسه في الماء.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: ابتلعه الحوت فأهوى به إلى قرار الأرض السابعة، وكان في بطنه أربعين ليلة فسمع تسبيح الحصى، فنادى في الظلمات: أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فأجاب الله له فأمر الحوت، فنبذه على ساحل البحر، وهو كالفرخ الممعط، فأنبت الله عليه شجرة من يقطين، وهو الدباء، فجعل يستظل تحتها ووكل به وعلة يشرب من/ لبنها، فيبست الشجرة، فبكى عليها فأوحى الله إليه: تبكي على شجرة يبست، ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون وأردت أن أهلكهم، فخرج يونس فإذا هو بغلام يرعى،فقال: من أنت يا غلام؟ قال: من قوم يونس، قال: إذا رجعت إليهم فأخبرهم أني لقيت يونس، فقال الغلام: قد تعلم أنه إن لم تكن لي بينة قتلت، قال يونس عليه السلام: تشهد لك هذه البقعة وهذه الشجرة، فقال له الغلام: فمرها، فقال يونس: إذا جاءكما هذا الغلام فاشهدا له، قالتا: نعم، فرجع الغلام، فقال للملك: إني لقيت يونس فأمر الملك بقتله، فقال: إن لي بينة، فأرسلوا معي، فأتى البقعة والشجرة،فقال: أنشدكما بالله هل أشهدكما يونس؟ قالتا: نعم، فرجع القوم مذعورين، وقالوا للملك: شهد له الشجرة والأرض، فأخذ الملك بيد الغلام وأجلسه في مجلسه، وقال: أنت أحق بهذا المكان مني، فأقام لهم أمرهم ذلك الغلام أربعين سنة.
98."فلولا كانت قرية آمنت" فهلا كانت قرية من القرى التي أهلكناها آمنت قبل معاينة العذاب ،ولم تؤخر إليها كما أخر فرعون ."فنفعها إيمانها"بان يقبله الله منها ويكشف العذاب عنها."إلا قوم يونس"لكن قوم يونس عليه السلام ."لما آمنوا" أول ما رأوا أمارة العذاب ولم يؤخروه إلى حلوله."كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا" ويجوز أن تكون الجملة في معنى النفي لتضمن حرف التحضيض معناه ، فيكون الاستثناء متصلاً لأن المراد من القرى أهاليها كأنه قال: ما آمن أهل قرية من القرى العاصية فنفعهم إيمانهم إلا قوم يونس، ويؤيده قراءة الرفع على البدل ."ومتعناهم إلى حين"إلى آجالهم.روي : أن يونس عليه السلام بعث إلى أهل نينوى من الموصل ،فكذبوه وأصروا عليه فوعدهم بالعذاب إلى ثلاث.وقيل إلى ثلاثين .وقيل إلى أربعين، فلما دنا الموعد أغامت السماء غيماً أسود ذا دخان شديد فهبط حتى غشي مدينتهم ،فهابوا فطلبوا يونس فلم يجدوه فأيقنوا صدقه، فلبسوا المسوح وبرزوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم ، وفرقوا بين كل والدة وولدها فحن بعضها إلى بعض وعلت الأصوات والعجيج وأخلصوا التوبة وأظهروا الإيمان وتضرعوا إلى الله تعالى، فرحمهم وكشف عنهم وكان يوم عاشوراء يوم الجمعة.
98. If only there had been a community (of all those that were destroyed of old) that believed and profited by its belief as did the folk of Jonah. When they believed We drew off from them the torment of disgrace in the life of the world and gave them comfort for a while.
98 - Why was there not a single township (among those we warned), which believed, so its faith should have profited it, except the people of Jonah? when they believed, we removed from them the penalty of ignominy in the life of the present, and permitted them to enjoy (their life) for a while.