99 - (وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا) فيه التفات عن الغيبة (به) بالماء (نبات كل شيء) ينبت (فأخرجنا منه) أي النبات شيئا (خَضِرا) بمعنى أخضر (نخرج منه) من الخضر (حبا متراكبا) يركب بعضه بعضا كسنابل الحنطة ونحوها (ومن النخل) خبر ويبدل منه (من طلعها) أول ما يخرج منها والمبتدأ (قنوان) عراجين (دانية) قريب بعضها من بعض (و) أخرجنا به (جنات) بساتين (من أعناب والزيتون والرمان مشتبها) ورقهما حال (وغير متشابه) ثمرها (انظروا) يا مخاطبون نظر اعتبار (إلى ثمره) بفتح الثاء والميم وبضمهما وهو جمع ثمرة كشجرة وشجر وخشبة وخشب (إذا أثمر) أول ما يبدو كيف هو (و) إلى (ينعه) نضجه إذا أدرك كيف يعود (إن في ذلكم لآيات) دلالات على قدرته تعالى على البعث وغيره (لقوم يؤمنون) خصوا بالذكر لأنهم المنتفعون بها في الإيمان بخلاف الكافرين
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والله الذي له العبادة خالصة لا شريك فيها لشيء سواه، هو الإله الذي أنزل من السماء ماء، "فأخرجنا به نبات كل شيء"، فأخرجنا بالماء الذي أنزلناه من السماء من غذاء الأنعام والبهائم والطير والوحش وأرزاق بني آدم وأقواتهم، ما يتغذون به ويأكلونه فينبتون عليه وينمون. وإنما معنى قوله: "فأخرجنا به نبات كل شيء"، فأخرجنا به ما ينبت به كل شيء وينمو عليه ويصلح.
ولو قيل: معناه: فأخرجنا به نبات جميع أنواع النبات، فيكون "كل شيء"، هو أصناف النبات، كان مذهباً، وإن كان الوجه الصحيح هو القول الأول.
وقوله: "فأخرجنا منه خضرا"، يقول: "فأخرجنا منه"، يعني: من الماء الذي أنزلناه من السماء، "خضرا"، رطباً من الزرع.
والخضر، هو الأخضر، كقول العرب: أرنيها نمرة، أركها مطرة. يقال: خضرت الأرض خضراً. وخضارة. و الخضر رطب البقول، ويقال: نخلة خضيرة ، إذا كانت ترمي ببسرها أخضر قبل أن ينضج. و قد اختضر الرجل، و اغتضر، إذا مات شاباً مصححاً. ويقال: هو لك خضرا مضراً، أي هنيئاً مريئاً.
قوله: "نخرج منه حبا متراكبا" يقول: نخرج من الخضر حباً، يعني: ما في السنبل، سنبل الحنطة والشعير والأرز، وما أشبه ذلك من السنابل التي حبها يركب بعضه بعضاً.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا"، فهذا السنبل.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن النخل من طلعها قنوانه دانية، ولذلك رفعت القنوان.
و القنوان جمع قنو، كما الصنوان جمع صنو، وهو العذق، يقال للواحد هو قنو، و قنو وقنا، يثنى قنوان، ويجمع قنوان و قنوان. قالوا في جمع قليله: ثلاثة أقناء. و القنوان من لغة الحجاز، و القنوان، من لغة قيس، وقال امرؤ القيس:
فأثت أعاليه، وآدت أصوله ومال بقنوان من البسر أحمرا
وقنيان، جميعاً ، وقال آخر:
لها ذنب كالقنو قد مذلت به وأسحم للتخطار بعد التشذر
وتميم تقول: قنيان بالياء.
ويعني بقوله: "دانية"، قريبة متهدلة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "قنوان دانية"، يعني ب القنوان الدانية، قصار النخل، لاصقة عذوقها با لأ رض.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "من طلعها قنوان دانية"، قال: عذوق متهدلة.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "قنوان دانية" يقول: متهدلة.
حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحق، عن البراء في قوله: "قنوان دانية"، قال: قريبة.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن أبي إسحق، عن البراء بن عازب: "قنوان دانية"، قال: قريبة.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "ومن النخل من طلعها قنوان دانية"، قال: الدانية، لتهدل الغذوق من الطلع.
حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "ومن النخل من طلعها قنوان دانية"، يعني النخل القصار الملتزقة بالأرض، وا لقنوا ن طلعه.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأخرجنا أيضاً جنات من أعناب، يعني: بساتين من أعناب.
واختلف القرأة في قراءة ذلك.
فقرأه عامة القرأة: "وجنات" نصباً، غير أن التاء كسرت، لأنها تاء جمع المؤنث، وهي تخفض في موضع النصب.وقد:
حدثني الحارث قال، حدثنا القاسم بن سلام، عن الكسائي قال، أخبرني حمزة، عن الأعمش أنه قرأ: "وجنات من أعناب".
بالرفع، فرفع جنات على إتباعها القنوان في الإعراب، وإن لم تكن من جنسها، كما قال ا لشاعر:
ورأيت زوجك في الوغى متقلداً سيفاً ورمحاً
قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أستجيز أن يقرأ ذلك إلا بها، النصب: "وجنات من أعناب"، لإجماع الحجة من القرأة على تصويبها والقراءة بها، ورفضهم ما عداها، وبعد معنى ذلك من الصواب إذا قرىء رفعاً.
وقوله: "والزيتون والرمان"، عطف بالزيتون على الجنات، بمعن : وأخرجنا الزيتون والرمان مشتبهاً وغير متشابه.
وكان قتادة يقول في معنى: "مشتبها وغير متشابه"، ما:
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه"، قال: مشتبهاً ورقه، مختلفاً ثمره.
وجائز أن يكون مراداً به: مشتبهاً في الخلق، مختلفاً في الطعم.
قال أبو جعفر: ومعنى الكلام: وشجر الزيتون والرمان، فاكتفى من ذكر الشجر بذكر ثمره، كما قيل: "واسأل القرية" [يوسف: 82]، فاكتفى بذكر القرية من ذكر أهلها، لمعرفة المخاطبين بذلك بمعناه.
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة أهل المدينة وبعض أهل البصرة: "انظروا إلى ثمره"، بفتح الثاء و الميم.
وقرأه بعض قرأة أهل مكة وعامة قرأة الكوفيين: إلى ثمره، بضم الثاء و الميم. فكان من فتح الثاء و الميم من ذلك، وجه معنى الكلام: انظروا إلى ثمر هذه الأشجار التي سميناً من النخل والأعناب والزيتون والرمان إذا أثمر، وأن الثمر جمع ثمرة، كما القصب، جمع قصبة، والخشب جمع خشبة.
وكأن من ضم الثاء و الميم، وجه ذلك إلى أنه جمع ثمار، كما الحمر جمع حمار، والجرب جمع جرا ب، وقد:
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، عن ابن إدريس، عن الأعمش، عن يحيى بن وثاب: أنه كان يقرأ: إلى ثمره، يقول: هو أصناف المال.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي حماد قال، حدثنا محمد بن عبيد الله، عن قيس بن سعد، عن مجاهد قال: الثمر، هو المال، والثمر، ثمر النخل.
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب، قراءة من قرأ: انظروا إلى ثمره بضم الثاء والميم، لأن الله جل ثناؤه وصف أصنافاً من المال كما قال يحيى بن وثاب، وكذلك حب الزرع المتراكب، وقنوان النخل الدانية، والجنات من الأعناب والزيتون والرمان ، فكان ذلك أنواعاً من الثمر، فجمعت الثمرة ثمراً، ثم جمع الثمر ثماراً، ثم جمع ذلك فقيل: انظروا إلى ثمره، فكان ذلك جمع الثمار و الثمار جمع الثمر، و إثماره، عقد الثمر.
وأما قوله: "وينعه"، فإنه نضجه وبلوغه حين يبلغ.
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول في ينعه إذا فتحت ياؤه، هو جمع يا نع، كما التجر جمع تاجر، و ا لصحب جمع صاحب.
وكان بعض أهل الكوفة ينكر ذلك، ويرى أنه مصدر من قولهم: ينع الثمر فهو يمنع ينعاً، ويحكى في مصدره عن العرب لغات ثلاثاً: ينع و ينع، و ينع، وكذلك في النضج والنضج والنضج.
وأما في قراءة من قرأ ذلك: ويانعه، فإنه يعني به: وناضجه، وبالغه.
وقد يجوز في مصدره: ينوعاً، ومسموع من العرب: أينعت الثمرة تونع إيناعاً، ومن لغة الذين قالوا: ينع، قول الشاعر:
في قباب عند دسكرة حولها الزيتون قد ينعا
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "وينعه"، يعني: إذا نضج.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبى، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: "انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه"، قال: ينعه، نضجه.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه"، أي نضجه.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "وينعه"، قال: نضجه.
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وينعه"، يقول: ونضجه.
حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "وينعه"، قال: يعني نضجه.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: "وينعه"، قال: نضجه.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره إن في إنزال الله من السماء الماء الذي أخرج به نبات كل شيء، والخضر الذي أخرج منه الحب المتراكب، وسائر ما عدد في هذه الآية من صنوف خلقه، "الآيات"، يقول: في ذلكم، أيها الناس، إذا أنتم نظرتم إلى ثمره عند عقد ثمره، وعند ينعه وانتهائه، فرأيتم اختلاف أحواله وتصرفه في زيادته ونموه، علمتم أن له مدبراً ليس كمثله شيء، ولا تصلح العبادة إلا له دون الآلهة والأنداد، وكان فيه حجج وبرهان وبيان، "لقوم يؤمنون"، يقول: لقوم يصدقون بوحدانية الله وقدرته على ما يشاء.
وخص بذلك تعالى ذكره القوم الذين يؤمنون، لأنهم هم المنتفعون بحجج الله والمعتبرون بها، دون من قد طبع الله على قلبه، فلا يعرف حقاً من باطل، ولا يتبين هدى من ضلالة.
فيه سبع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: "وهو الذي أنزل من السماء ماء" أي المطر. "فأخرجنا به نبات كل شيء" أي كل صنف من النبات. وقيل: رزق كل حيوان. "فأخرجنا منه خضرا" قال الأخفش: أي أخضر، كما تقول العرب: أرينها نمرة أركها مطرة. والخضر رطب البقول. وقال ابن عباس: يريد القمح والشعير والسلت والذرة والأرز وسائر الحبوب. أي يركب بعضه على بعض كالسنبلة.
الثانية: قوله تعالى: "ومن النخل من طلعها قنوان دانية" ابتداء وخبر. وأجاز الفراء في غير القرآن قنواناً دانية على العطف على ما قبله. قال سيبويه: ومن العرب من يقول: قنوان. قال الفراء هذه لغة قيس، وأهل الحجاز يقولون قنوان، وتميم يقولون: قنيان، ثم يجتمعون في الواحد فيقولون: قنو وقنو. والطلع الكفرى قبل أن ينشق عن الإغريض. والإغريض يسمى طلعاً أيضاً. والطلع، ما يرى من عذق النخلة. والقنوان: جمع قنو، وتثنيته قنوان كصنو وصنوان (بكسر النون). وجاء الجمع على لفظ الاثنين.
قال الجوهري وغيره: الاثنان صنوان والجمع صنوان (برفع النون). والقنو: العذق والجمع القنوان والأقناء، قال:
طويلة الأقناء والأثاكل
غيره: أقناء جمع القلة. قال المهدوي: قرأ ابن هرمز قنوان بفتح القاف، وروي عنه ضمها. فعلى الفتح هو اسم للجمع غير مكسر، بمنزلة ركب عند سيبويه، وبمنزلة الباقر والجامل، لأن فعلان ليس من أمثلة الجمع، وضم القاف على أنه جمع قنو وهو العذق (بكسر العين) وهي الكباسة، وهي عنقود النخلة، والعذق (بفتح العين) النخلة نفسها. وقيل: القنوان الجمار. "دانية" قريبة، ينالها القائم والقاعد. عن ابن عباس والبراء بن عازب وغيرهما. قال الزجاج: منها دانية ومنها بعيدة، فحذف، ومثله "سرابيل تقيكم الحر" [النحل: 81]. وخص الدانية بالذكر، لأن من الغرض في الآية ذكر القدرة والامتنان بالنعمة، والامتنان فيما يقرب متناوله أكثر.
الثالثة: قوله تعالى: "وجنات من أعناب" أي وأخرجنا جنات. وقرأ محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى و الأعمش، وهو الصحيح من قراءة عاصم "وجنات" بالرفع. وأنكر هذه القراءة أبو عبيد و أبو حاتم، حتى قال أبو حاتم: هي محال، لأن الجنات لا تكون من النخل. قال النحاس: والقراءة جائزة، وليس التأويل على هذا، ولكنه رفع بالابتداء والخبر محذوف، أي ولهم جنات. كما قرأ جماعة من القراء "الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما" [الواقعة: 22] وأجاز مثل سيبويه والكسائي والفراء ومثله كثير. وعلى هذا أيضاً وحور عينا حكاه سيبويه، وأنشد:
جئني بمثل بني بدر لقومهم أو مثل أسرة منظور بن سيار
وقيل: التقدير "وجنات من أعناب" أخرجناها، كقولك: أكرمت عبد الله وأخوه، أي وأخوه أكرمت أيضاً فأما الزيتون والرمان فليس فيه إلا النصب للإجماع على ذلك. وقيل: "وجنات" بالرفع عطف على "قنوان" لفظاً وإن لم تكن في المعنى من جنسها. "والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه" أي متشابهاً في الأوراق، أي الزيتون يشبه ورق الرمان في اشتماله على جميع الغصن وفي حجم الورق، وغير متشابه في الذواق، عن قتادة وغيره. قال ابن جريج: "مشتبها" في النظر "وغير" في الطعم، مثل الرمانتين لونهما واحد وطعمهما مختلف. وخص الرمان والزيتون بالذكر لقربهما منهم ومكانهما عندهم. وهو كقوله: "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت" [الغاشية: 17]. ردهم إلى الإبل لأنها أغلب ما يعرفونه.
الرابعة: قوله تعالى: "انظروا إلى ثمره إذا أثمر" أي نظر الاعتبار لا نظر الإبصار المجرد عن التفكر. والثمر في اللغة جنى الشجر. وقرأ حمزة والكسائي ثمره بضم الثاء والميم. والباقون بالفتح فيهما جمع ثمرة، مثل بقرة وبقر وشجرة وشجر. قال مجاهد: الثمر أصناف المال، والثمر ثمر النخل. وكأن المعنى على قوله مجاهد: انظروا إلى الأموال التي يتحصل منه الثمر، فالثمر بضمتين جمع ثمار وهو المال المثمر. وروي عن الأعمش ثمره بضم الثاء وسكون الميم، حذفت الضمة لثقلها طلباً للخفة. ويجوز أن يكون ثمر جمع ثمرة مثل بدنة وبدن. ويجوز أن يكون ثمر جمع جمع، فتقول: ثمرة وثمار وثمر مثل حمار وحمر. ويجوز أن يكون جمع ثمرة كخشبة وخشب لا جمع الجمع.
الخامسة: قوله تعالى: "وينعه" قرأ محمد بن السميقع ويانعه. وابن محيصن وابن أبي اسحاق وينعه بضم الياء. قال الفراء: هي لغة بعض أهل نجد، يقال: ينع الثمر يينع، والثمر يانع. وأينع يونع والتمر مونع. والمعنى ونضجه. ينع وأينع إذا نضج وأدرك. وقال الحجاج في خطبته: أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها. قال ابن الأنباري: الينع جمع يانع، كراكب وركب، وتاجر وتجر، وهو المدرك البالغ. وقال الفراء: أينع أكثر من ينع، ومعناه أحمر، ومنه ما روي في حديث الملاعنة:
إن ولدته أحمر مثل الينعة وهي خرزة حمراة، يقال: إنه العقيق أو نوع منه. فدلت الآية لمن تدبر ونظر ببصره وقلبه، نظر من تفكر، أن المتغيرات لا بد لها من مغير، وذلك أنه تعالى قال: "انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه". فتراه أولاً طلعا ثم إغريضاً إذا انشق عنه الطلع. والإغريض يسمى ضحكاً أيضاً، ثم بلحاً، ثم سياباً، ثم جدالاً إذا اخضر واستدار قبل أن يشتد، ثم بسراً إذا عظم ثم زهواً إذا احمر، يقال: أزهى يزهي، ثم موكتاً إذا بدت فيه نقط من الإرطاب. فإن كان ذلك من قبل الذنب فهي مذنبة، وهو التذنوب، فإذا لانت فهي ثعدة، فإذا بلغ الإرطاب نصفها فهي مجزعة، فإذا بلغ ثلثيها فهي حلقانة، فإذا عمها الإرطاب فهي منسبتة، يقال: رطب منسبت، ثم ييبس فيصير تمراً. فنبه الله تعالى بانتقالها من حال إلى حال وتغيرها ووجودها بعد أن لم تكن على وحدانيته وكمال قدرته. وأن لها صانعاً قادراً عالماً. ودل على جواز البعث، لإيجاد النبات بعد الجفاف. قال الجوهري: ينع الثمر يينع ويينع ينعاً وينعاً وينوعاً، أي نضج.
السادسة: قال ابن العربي: قال مالك: الإيناع الطيب بغير فساد ولا نقش. قال مالك: والنقش أن ينقش أهل البصرة الثمر حتى يرطب، يريد يثقب فيه بحيث يسرع دخول الهواء إليه فيرطب معجلاً. فليس ذلك الينع المراد في القرآن، ولا هو الذي ربط به رسول الله صلى الله عليه وسلم البيع، وإنما هو ما يكون من ذاته بغير محاولة. وفي بعض بلاد التين، وهي البلاد الباردة، لا ينضج حتى يدخل في فمه عود قد دهن زيتاً فإذا طاب حل بيعه، لأن ذلك ضرورة الهواء وعادة البلاد، ولولا ذلك ما طاب في وقت الطيب.
قلت: وهذا الينع الذي يقف عليه جواز بيع التمر وبه يطيب أكلها ويأمن من العاهة، هو عند طلوع الثريا بما أجرى الله سبحانه من العادة وأحكمه من العلم والقدرة. ذكر المعلى بن أسد عن وهيب عن عسل بن سفيان عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إذا طلعت الثريا صباحاً رفعت العاهة عن أهل البلد". والثريا النجم، لا خلاف في ذلك. وطلوعها صباحاً لاثنتي عشرة ليلة تمضي من شهر أيار، وهو شهر مايه. وفي البخاري: وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أن زيد بن ثابت لم يكن يبيع ثمار أرضه حتى تطلع الثريا فيتبين الأصفر من الأحمر.
السابعة: وقد استدل من أسقط الجوائح في الثمار بهذه الآثار، وما كان مثلها من نهيه عليه السلام عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، وعن بيع الثمار حتى تذهب العاهة. قال عثمان بن سراقة: فسألت ابن عمر متى هذا؟ فقال: طلوع الثريا. قال الشافعي: لم يثبت عندي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح، ولو ثبت عندي لم أعده، والأصل المجتمع عليه أن كل من ابتاع ما يجوز بيعه وقبضه كانت المصيبة منه، قال: ولو كنت قائلاً بوضع الجوائح لوضعتها في القليل والكثير. وهو قول الثوري والكوفيين. وذهب مالك وأكثر أهل المدينة إلى وضعها، لحديث جابر:
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح". أخرجه مسلم. وبه كان يقضي عمر بن عبد العزيز، وهو قول أحمد بن حنبل وسائر أصحاب الحديث. وأهل الظاهر وضعوها عن المبتاع في القليل والكثير على عموم الحديث، إلا أن مالكاً وأصحابه اعتبروا أن تبلغ الجائحة ثلث الثمرة فصاعداً، وما كان دون الثلث ألغوه وجعلوه تبعاً، إذ لا تخلو ثمرة من أن يتعذر القليل من طيبها وأن يلحقها في اليسير منها فساد. وكان أصبغ وأشهب لا ينظران إلى الثمرة ولكن إلى القيمة، فإذا كانت القيمة الثلث فصاعداً وضع عنه. والجائحة ما لا يمكن دفعه عند ابن القاسم. وعليه فلا تكون السرقة جائحة، وكذا في كتاب محمد. وفي الكتاب أنه جائحة، وروي عن ابن القاسم، وخالفه أصحابه والناس. وقال مطرف وابن الماجشون: ما أصاب الثمرة من السماء من عفن أو برد، أو عطش أو حر أو كسر الشجر بما ليس بصنع آدمي فهو جائحة. واختلف في العطش، ففي رواية ابن القاسم هو جائحة. والصحيح في البقول أنها فيها جائحة كالثمرة. ومن باع ثمراً قبل بدو صلاحه بشرط التبقية فسخ بيعه ورد، للنهي عنه، ولأنه من أكل المال بالباطل، لقوله عليه السلام:
"أرأيت إن منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق؟" هذا قول الجمهور، وصححه أبو حنيفة وأصحابه وحملوا النهي على الكراهة. وذهب الجمهور إلى جواز بيعها قبل بدو الصلاح بشرط القطع. ومنعه الثوري و ابن أبي ليلى تمسكاً بالنهي الوارد في ذلك. وخصصه الجمهور بالقياس الجلي، لأنه مبيع معلوم يصح قبضه حالة العقد فصح بيعه كسائر المبيعات.
يقول تعالى: "وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة" يعني آدم عليه السلام, كما قال "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً" وقوله "فمستقر ومستودع" اختلفوا في معنى ذلك, فعن ابن مسعود, وابن عباس, وأبي عبد الرحمن السلمي, وقيس بن أبي حازم, ومجاهد, وعطاء, وإبراهيم النخعي, والضحاك, وقتادة, والسدي, وعطاء الخراساني, وغيرهم "فمستقر" أي في الأرحام, قالوا أو أكثرهم "ومستودع" أي في الأصلاب, وعن ابن مسعود وطائفة عكسه, وعن ابن مسعود أيضاً وطائفة, فمستقر في الدنيا, ومستودع حيث يموت, وقال سعيد بن جبير: فمستقر في الأرحام, وعلى ظهر الأرض, وحيث يموت, وقال الحسن البصري: المستقر الذي قد مات, فاستقر به عمله, وعن ابن مسعود: ومستودع في الدار الاخرة, والقول الأول أظهر, والله أعلم.
وقوله تعالى: " قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون " أي يفهمون ويعون كلام الله ومعناه, وقوله تعالى: "وهو الذي أنزل من السماء ماء" أي بقدر مباركاً ورزقاً للعباد وإحياء وغياثاً للخلائق, رحمة من الله بخلقه "فأخرجنا به نبات كل شيء" كقوله "وجعلنا من الماء كل شيء حي" "فأخرجنا منه خضراً" أي زرعاً وشجراً أخضر, ثم بعد ذلك نخلق فيه الحب والثمر, ولهذا قال تعالى: "نخرج منه حباً متراكباً" أي يركب بعضه بعضاً كالسنابل ونحوها, "ومن النخل من طلعها قنوان" أي جمع قنو, وهي عذوق الرطب "دانية" أي قريبة من المتناول, كما قال علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس "قنوان دانية" يعني بالقنوان الدانية قصار النخل اللاصقة عذوقها بالأرض, رواه ابن جرير. قال ابن جرير: وأهل الحجاز يقولون قنوان, وقيس يقول قنوان, قال امرؤ القيس:
فأثت أعاليه وآدت أصوله ومال بقنوان من البسر أحمرا
قال: وتميم يقولون قنيان بالياء قال: وهي جمع قنو, كما أن صنوان جمع صنو, وقوله تعالى: "وجنات من أعناب" أي ونخرج منه جنات من أعناب, وهذان النوعان هما أشرف الثمار عند أهل الحجاز, وربما كانا خيار الثمار في الدنيا كما امتن الله بهما على عباده, في قوله تعالى: "ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً" وكان ذلك قبل تحريم الخمر, وقال "وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب" وقوله تعالى: "والزيتون والرمان مشتبهاً وغير متشابه" قال قتادة وغيره: متشابه في الورق والشكل, قريب بعضه من بعض, ومتخالف في الثمار شكلاً وطعماً وطبعاً, وقوله تعالى: "انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه" أي نضجه, قاله البراء بن عازب, وابن عباس, والضحاك, وعطاء الخراساني, والسدي, وقتادة, وغيرهم, أي فكروا في قدرة خالقه من العدم إلى الوجود, بعد أن كان حطباً, صار عنباً ورطباً, وغير ذلك مما خلق سبحانه وتعالى, من الألوان والأشكال والطعوم والروائح, كقوله تعالى: "وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل" الاية, ولهذا قال ههنا "إن في ذلكم" أيها الناس " لآيات " أي دلالات, على كمال قدرة خالق هذه الأشياء وحكمته ورحمته "لقوم يؤمنون" أي يصدقون به ويتبعون رسله .
قوله: 99- "وهو الذي أنزل من السماء ماء" هذا نوع آخر من عجائب مخلوقاته. والماء هو ماء المطر، وفي "فأخرجنا به" التفات من الغيبة إلى التكلم إظهاراً للعناية بشأن هذا المخلوق وما ترتب عليه، والضمير في "به" عائد إلى الماء، و "نبات كل شيء" يعني كل صنف من أصناف النبات المختلفة، وقيل المعنى رزق كل شيء، والتفسير الأول أولى. ثم فصل هذا الإجمال فقال: "فأخرجنا منه خضراً". قال الأخفش: أي أخضر. والخضر: رطب البقول، وهو ما يتشعب من الأغصان الخارجة من الحبة، وقيل يريد القمح والشعير والذرة والأرز وسائر الحبوب "نخرج منه حباً" هذه الجملة صفة لخضراً: أي نخرج من الأغصان الخضر حباً متراكباً: أي مركباً بعضه على بعضه كما في السنابل "ومن النخل" خبر مقدم، و "من طلعها" بدل منه، وعلى قراءة من قرأ يخرج منه حب يكون ارتفاع قنوان على أنه معطوف على حب، وأجاز الفراء في غير القرآن قنواناً عطفاً على حباً، وتميم يقولون قنيان. وقرئ بضم القاف وفتحها باعتبار اختلاف اللغتين لغة قيس ولغة أهل الحجاز. والطلع: الكفري قبل أن ينشق عن الإغريض، والإغريض يسمى طلعاً أيضاً. والقنوان: جمع قنو، والفرق بين جمعه وتثنيته أن المثنى مكسور النون، والجمع على ما يقتضيه الإعراب، ومثله صنوان. والقنو: العذق. والمعنى: أن القنوان أصله من الطلع. والعذق هو عنقود النخل، وقيل القنوان: الجمار. والدانية: القريبة التي ينالها القائم والقاعد. قال الزجاج: المعنى منها دانية ومنها بعيدة فحذف، ومثله "سرابيل تقيكم الحر" وخص الدانية بالذكر لأن الغرض من الآية بيان القدر والامتنان، وذلك فيما يقرب تناوله أكثر. قوله: "وجنات من أعناب". قرأ محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى والأعمش وعاصم في قراءته الصحيحة عنه برفع جنات، وقرأ الباقون بالنصب. وأنكر القراءة الأولى أبو عبيدة وأبو حاتم حتى قال أبو حاتم هي محال، لأن الجنات لا تكون من النخل. قال النحاس: ليس تأويل الرفع على هذا ولكنه رفع بالابتداء، والخبر محذوف: أي ولهم جنات كما قرأ جماعة من الفراء "وحور عين" وقد أجاز مثل هذا سيبويه والكسائي والفراء، وأما على النصب فقيل هو معطوف على "نبات كل شيء" أي وأخرجنا به جنات كائنة من أعناب، أو النصب بفعل يقدر متأخراً: أي وجنات من أعناب أخرجناها، وهكذا القول في انتصاب الزيتون والرمان: وقيل هما منصوبان على الاختصاص لكونهما عزيزين، و "مشتبهاً" منتصب على الحال: أي كل واحد منهما يشبه بعضه بعضاً في بعض أوصافه ولا يشبه بعضه بعضاً في البعض الآخر، وقيل إن أحدهما يشبه الآخر في الورق باعتبار اشتماله على جميع الغصن وباعتبار حجمه، ولا يشبه أحدهما الآخر في الطعم، وقيل خص الزيتون والرمان لقرب منابتهما من العرب كما في قول الله سبحانه: "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت"، ثم أمرهم سبحانه بأن ينظروا نظر اعتبار إلى ثمره إذا أثمر وإلى ينعه إذا أينع. والثمر في اللغة: جنى الشجر. واليانع: الناضج الذي قد أدرك وحان قطافه. قال ابن الأنباري: الينع جمع يانع، كركب وراكب. وقال الفراء: أينع احمر. قرأ حمزة والكسائي ثمره بضم الثاء والميم، وقرأ الباقون بفتحها، إلا الأعمش فإنه قرأ ثمره بضم الثاء وسكون الميم تخفيفاً. وقرأ محمد بن السميفع وابن محيصن وابن أبي إسحاق وينعه بضم الياء التحتية. قال الفراء: هي لغة بعض أهل نجد. وقرأ الباقون بفتحها، والإشارة بقوله: "إن في ذلكم" إلى ما تقدم ذكره مجملاً ومفصلاً "لآيات لقوم يؤمنون" بالله استدلالاً بما يشاهدونه من عجائب مخلوقاته التي قصها عليهم.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى: "إن الله فالق الحب والنوى" يقول: خلق الحب والنوى. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال: يفلق الحب والنوى عن النبات. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: الشقان اللذان فيهما. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي مالك نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه في قوله: "يخرج الحي من الميت" قال: النخلة من النواة والسنبلة من الحبة "ومخرج الميت من الحي" قال: النواة من النخلة والحبة من السنبلة. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد "يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي" قال: الناس الأحياء من النطف، والنطفة ميتة تخرج من الناس الأحياء، ومن الأنعام والنبات كذلك أيضاً. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس "فأنى تؤفكون" أي فكيف تكذبون. وأخرج أيضاً عن الحسن قال: أنى تصرفون. وأخرج أيضاً عن ابن عباس في "فالق الإصباح" قال: خلق الليل والنهار. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال: يعني بالإصباح ضوء الشمس بالنهار وضوء القمر بالليل. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في "فالق الإصباح" قال: إضاءة الفجر. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله: "فالق الإصباح" قال: فالق الصبح. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: " وجعل الليل سكنا " قال: سكن فيه كل طير ودابة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "والشمس والقمر حسباناً" يعني عدد الأيام والشهور والسنين. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر" قال: يضل الرجل وهو في الظلمة والجور عن الطريق. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر والخطيب في كتاب النجوم عن عمر بن الخطاب قال: تعلموا من النجوم ما تهتدون به في بركم وبحركم ثم أمسكوا، فإنها والله ما خلقت إلا زينة للسماء ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة نحوه. وأخرج ابن مردويه والخطيب عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ثم انتهوا".
وقد ورد في استحباب مراعاة الشمس والقمر لذكر الله سبحانه لا لغير ذلك أحاديث: منها عند الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب عباد الله إلى الله الذين يراعون الشمس والقمر لذكر الله". وأخرج ابن شاهين والطبراني والحاكم والخطيب عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه. وأخرج أحمد في الزهد والخطيب عن أبي الدرداء نحوه. وأخرج الخطيب في كتاب النجوم عن أبي هريرة نحو حديثه الأول مرفوعاً. وأخرج الحاكم في تاريخه والديلمي بسند ضعيف عن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: التاجر الأمين، والإمام المقتصد، وراعي الشمس بالنهار". وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن سلمان الفارسي قال: "سبعة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله، فذكر منهم الرجل الذي يراعي الشمس لمواقيت الصلاة". فهذه الأحاديث مقيدة بكون المراعاة لذكر الله والصلاة لا لغير ذلك. وقد جعل الله انقضاء وقت صلاة الفجر طلوع الشمس، وأول صلاة الظهر زوالها، ووقت العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية، ووقت المغرب غروب الشمس. وورد في صلاة العشاء "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها لوقت مغيب القمر ليلة ثالث الشهر" وبها يعرف أوائل الشهور وأوساطها وأواخرها، فمن راعى الشمس والقمر بهذه الأمور فهو الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم، ومن راعاها لغير ذلك فهو غير مراد بما ورد، وهكذا النجوم، ورد النهي عن النظر فيها كما أخرجه ابن مردويه والخطيب عن علي قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النظر في النجوم. وأخرج ابن مردويه والمرهبي والخطيب عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النظر في النجوم. وأخرج الخطيب عن عائشة مرفوعاً مثله. وأخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية والخطيب عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا". وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد" فهذه الأحاديث محمولة على النظر فيها لما عدا الاهتداء والتفكر والاعتبار. وما ورد في جواز النظر في النجوم فهو مقيد بالاهتداء والتفكر والاعتبار. وما ورد في جواز النظر في النجوم فهو مقيد بالاهتداء والتفكر والاعتبار كما يدل عليه حديث ابن عمر السابق، وعليه يحمل ما روي عن عكرمة فيما أخرجه الخطيب عنه: أنه سأل رجلاً عن حساب النجوم، فجعل الرجل يتحرج أن يخبره، فقال عكرمة: سمعت ابن عباس يقول: علم عجز الناس عنه ووددت أني علمته. وقد أخرج أبو داود والخطيب عن سمرة بن جندب أنه خطب فذكر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أما بعد، فإن ناساً يزعمون أن كسوف هذه الشمس وكسوف هذا القمر وزوال هذه النجوم عن مواضعها لموت رجال عظماء من أهل الأرض، وإنهم قد كذبوا، ولكنها آيات من آيات الله يعبر بها عباده لينظر ما يحدث لهم من توبة". وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما في كسوف الشمس والقمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوف الله بهما عباده". وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة مرفوعاً: "إن الله نصب آدم بين يديه، ثم ضرب كتفه اليسرى فخرجت ذريته من صلبه حتى ملأوا الأرض" فهذا الحديث هو معنى ما في الآية، -"وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة"- وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس في قوله: "فمستقر ومستودع" قال: المستقر ما كان في الرحم، والمستودع ما استودع في أصلاب الرجال والدواب. وفي لفظ: المستقر ما في الرحم وعلى ظهر الأرض وبطنها مما هو حي ومما قد مات. وفي لفظ المستقر ما كان في الأرض، والمستودع ما كان في الصلب. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود في الآية قال: مستقرها في الدنيا ومستودعها في الآخرة. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال: المستقر الرحم، و المستودع المكان الذي يموت فيه. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن وقتادة في الآية قالا: مستقر في القبر، ومستودع في الدنيا، أوشك أن يلحق بصاحبه. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: "نخرج منه حباً متراكباً" قال: هذا السنبل. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب "قنوان دانية" قال قريبة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس "قنوان دانية" قال: قصار النخل اللاصقة عذوقها بالأرض. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قنوان الكبائس، والدانية المنصوبة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في "قنوان دانية" قال: تهدل العذوق من الطلع. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: "مشتبهاً وغير متشابه" قال: متشابهاً ورقه مختلفاً ثمره. وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي في قوله: "انظروا إلى ثمره إذا أثمر" قال: رطبه وعنبه. وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن البراء "وينعه" قال: نضجه.
99- " وهو الذي أنزل من السماء ماءً فأخرجنا به "،أي: بالماء، " نبات كل شيء فأخرجنا منه "، أي من الماء، وقيل: من النبات، " خضراً "، يعني: أخضر، مثل العور والأعور، يعني: ما كان رطباً أخضر مما ينبت من القمح والشعير ونحوهما، " نخرج منه حباً متراكباً "، أي متراكماً بعضه على بعض، مثل سنابل البر والشعير والأرز وسائر الحبوب، " ومن النخل من طلعها "، والطلع أول ما يخرج من ثمر النخل، " قنوان " جمع قنو وهو العذق، مثل صنو وصنوان، ولا نظير لهما في الكلام، " دانية "، أي: قريبة المتناول ينالها القائم والقاعد، وقال مجاهد : متدلية، وقال الضحاك : قصار ملتزقة بالأرض، وفيه اختصار معناه: ومن النخل ما قنوانها دانية ومنها ما هي بعيدة، فاكتفى بذكر القريبة عن البعيدة لسبقه إلى الأفهام، كقوله تعالى "سرابيل تقيكم الحر " (النمل،81)يعني: الحر والبرد فاكتفى بذكر أحدهما " وجنات من أعناب "، أي: وأخرجنا من جنات، وقرأ الأعمش عن عاصم " وجنات " بالرفع نسقاً على قوله " قنوان " وعامة القراء على خلافه، " والزيتون والرمان "، يعني: وشجر الزيتون[وشجر]الرمان، " مشتبهاً وغير متشابه "، قال قتادة معناه مشتبهاً ورقها مختلفاً ثمرها، لأن ورق الزيتون يشبه ورق الرمان، وقيل: مشتبه في المنظر مختلف في الطعم، " انظروا إلى ثمره "، قرأ حمزة و الكسائي بضم الثاء والميم، هذا وما بعده وفي (يس)على جمع الثمار، وقرأ الآخرون [بفتحها]على جمع الثمرة، مثل: بقرة وبقر، " إذا أثمر وينعه "، ونضجه وإدراكه، " إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون ".
99 " وهو الذي أنزل من السماء ماء " من السحاب أو من جانب السماء . " فأخرجنا " على تلوين الخطاب . " به " بالماء " نبات كل شيء " نبت كل صنف من النبات والمعنى : إظهار القدرة في إنبات الأنواع المختلفة المفننة المسقية بماء واحد كما في قوله سبحانه وتعالى : " يسقى بماء واحد " ونفضل بعضها على بعض في الأكل . " فأخرجنا منه " من النبات أو الماء " خضرا " شيئا أخضر وخضر كأعور وعور ، وهو الخارج من الحبة المتشعب . " نخرج منه " من الخضر " حبا متراكبا " وهو السنبل . " ومن النخل من طلعها قنوان " أي أخرجنا من النخل نخلا من طلعها قنوان ، أو من النخل شيء من طلعها قنوان ، ويجوز أن يكون من النخل خبر قنوان ومن طلعها بدل منه والمعنى : وحاصلة من طلع النخل قنوان وهو الأعذاق جمع قنو كصنوان جمع صنو . وقرئ بضم القاف كذئب وذؤبان وبفتحها على أنه اسم جمع إذ ليس فعلان من أبنية الجمع ." دانية " قريبة من المتناول ، أو متلفة قريب بعضها من بعض ، وإنما اقتصر على ذكرها عن مقابلها لدلالتها عليه وزيادة النعمة فيها " وجنات من أعناب " عطف على نبات كل شيء . وقرأ نافع بالرفع على الابتداء أي ولكم أو ثم جنات أو من الكرم جنات ، ولا يجوز عطفه على " قنوان " إذ العنب لا يخرج من النخل . " والزيتون والرمان " أيضا عطف على نبات أو نصب على الاختصاص لعزة هذين الصنفين عندهم . " مشتبهاً وغير متشابه " حال من الرمان ، أو من الجميع أي بعض ذلك متشابه وبعضه غير متشابه في الهيئة والقدر واللون والطعم . " انظروا إلى ثمره " أي ثمر كل واحد من ذلك . وقرأ حمزة و الكسائي بضم التاء والميم ، وهو جمع ثمرة كخشبة وخشب ، أو ثمار ككتاب وكتب . " إذا أثمر " إذا أخرج ثمره كيف يثمر ضئيلا لا يكاد ينتفع به . " وينعه " وإلى حال نضجه أو إلى نضيجة كيف يعود ضخما ذا نفع ولذة . وهو في الأصل مصدر ينعت الثمر إذا أدركت . وقيل جمع يانع كتاجر وتجر . وقرئ بالضم وهو لغة فيه ويانعة . " إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون " أي لآيات دالة على وجود القادر الحكيم وتوحيده ، فإن حدوث الأجناس المختلفة والأنواع المتفننة من أصل واحد ونقلها من حال إلى حال لا يكون إلا بإحداث قادر يعلم تفاصيلها ، ويرجح ما تقتضيه حكمته مما يمكن من أحوالها ولا يعوقه عن فعله ند يعارضه أو ضد يعانده ، ولذلك عقبه بتوبيخ من أشرك به والرد عليه فقال .
99. He it is Who sendeth down water from the sky, and therewith We bring forth buds of every kind; We bring forth the green blade from, which we bring forth the thick clustered grain; and from the date palm, from the pollen thereof, spring pendant bunches; and (We bring forth) gardens of grapes, and the olive and the pomegranate, alike and unlike. Look upon the fruit thereof, when they bear fruit, and upon its ripening. Lo! herein verily are portents for a people who believe.
99 - it is he who sendeth down rain from the skies: with it we produce vegetation of all kinds: from some we produce green (crops), out of which we produce grain, heaped up (at harvest); out of the date palm and its sheaths (or spathes) (come) clusters of dates hanging low and near: and (then there are) gardens of grapes, and olives, and pomegranates, each similar (in kind) yet different (in variety): when they begin to bear fruit, feast your eyes with the fruit and the ripeness thereof. behold in these things there are signs for people who believe.